بلدي نيوز – (منى علي)
دفعت المرأة السورية الثمن الأكبر خلال ست سنوات من عمر الثورة السورية، وحرب الإبادة التي شنها نظام الأسد على السوريين الثائرين. كونها الحلقة الأضعف جسدياً على الأقل، في زمن يحتاج لقوة بدنية للحرب والسلم، فالتشرد وممارسة الهرب من قصف طائرات الأسد وحلفائه، لا يقل قسوة ومكابدة عن خوض غمار الحرب.
23500 شهيدة بين آذار 2011 وآذار 2017، ذلك هو الرقم الموثق اسمياً من قبل الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهو بحسب الشبكة والمنظمات الحقوقية الدولية، لا يمثل إلا جزءا بسيطا من الحقيقة، فالمغيبات والمجهول مصيرهن هم أضعاف هذا العدد، ناهيك عن عشرات الآلاف من المعتقلات، حيث لجأ نظام الأسد إلى استخدام المرأة سلاحاً للنيل من الثوار ومعاقبتهم.
كل هذا لم يمنع المرأة أن تكون شريكة حقيقية كاملة الشراكة للرجل في الثورة، فحضرت المرأة منذ 15 آذار في أول صرخة حرية، وواصلت طريق الكفاح حتى اللحظة وما سوف يأتي، ثائرة، وممرضة وطبيبة ومسعفة وعاملة إنقاذ ومعلمة وإعلامية.. والأهم أنها أم الشهيد وزوجه وشقيقته وابنته التي ما لانت بموت ولا هادنت طلبا لحياة ذل.
خنساوات كثر خرجن من رحم الثورة، خلدتهن الضمائر والتاريخ مضربا في المثل للشجاعة والصبر والمصابرة، فأي أم تلك التي تفقد أربعة من أبنائها وتحض الثلاثة المتبقين على خوض غمار معركة الحرية؟!..
عن تجربة المرأة في الثورة السورية، قالت الباحثة والأستاذة في علم النفس، خولة الحديد: "كانت المرأة السورية حاضرة بقوة في كل بيئات الثورة، منذ أول مظاهرة وفي كل المظاهرات السلمية، وتعرضت للاعتقال والملاحقة كالرجال تماما، وعرفت كناشطة مدنية وإعلامية وموثقة للانتهاكات، وشريك حقيقي في كل نشاطات الثورة، وبدأ دورها يتراجع بعد مواجهة المظاهرات السلمية بالرصاص من قبل النظام، وبعد أن أصبحت تؤخذ رهينة مقابل الرجال من عائلتها، فتوارت إلى الصفوف الخلفية، ومع صعود الإسلاميين (المتشددين) وتصدرهم الساحة في كل بيئات الثورة، وسيطرة الفصائل الإسلامية وخاصة المتطرفة منها، تراجع دور المرأة من الساحة العامة ليصبح في حده الأدنى، وكانت الهدف الأول لهؤلاء كما استهدفها النظام، وظهرت بمظهر وكأن هؤلاء ما جاؤوا إلا لتأديبها، وكأن الإسلام أكتر من نصف تعاليمه جاءت لقمع المرأة، هكذا صورت الفصائل الإسلامية (المتشددة) الأمر على أرض الواقع، وبالتالي دفعت المرأة ثمنا كبيرا من حريتها التي تمت مصادرتها بالكامل وتم إلغاؤها من كل وجوه الحياة العامة، ومن ثم ملاحقتها بكل سلوك مهما كان بسيطاً ومعاقبتها عليه".
وتابعت الدكتورة "خولة" في حديثها لبلدي نيوز: "ما بين النظام والفصائل الإسلامية (المتشددة) دفعت المرأة الثمن الأكبر في هذه الثورة، فهي الثكلى بزوجها وولدها وأهلها، وهي المعيل لجيش من الأيتام، وهي التي تعرضت للاغتصاب والاعتقال من قبل قوات النظام، وهي التي حبسها الإسلاميون (المتشددون) في قمقم، وهي الشهيدة والمعطوبة والمتروكة لمصيرها، وعشرات من منظمات المجتمع المدني التي تتكلم باسمها في الخارج لم تقدم لها شيئاً يذكر في الداخل إلا نادرا، ولم يتم تمثيلها سياسيا بشكل منصف، وأخذت الحصة الأكبر تلك التي في الخارج، بينما بقيت نساء الداخل تحت وطأة الموت والقتل والاعتقال والحرمان".
إلا أنه وعلى الرغم من كل هذه الصورة المعتمة، ومن أماكن تواري المرأة في الخلف، تجزم الباحثة "خولة الحديد" أن البيئات التي صمدت لليوم، كانت المرأة سبباً أساسياً بصمودها.. "فهي المعيل، والمعلمة، والمدبرة والتي تدير كل شؤون العائلة بغياب ووجود الرجل، وهذا مبعث أمل أن القادم سيكون لها" ..