بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
شهدت سوريا مع إسدال الستار على السنة السادسة من اندلاع الثورة، تطورات سياسية وعسكرية متصلة بنتائج مختلفة على جميع الأصعدة وتداعيات شتى على المستويين الإقليمي والدولي في ظل عجز "العالم الحر" عن فعل شيء لإيقاف المحرقة السورية بصمتها أو موافقتها على إعطاء روسيا الحق في إجهاض الثورة السورية, وتعطيلها لكل القرارات الدولية عبر استخدامها حق الفيتو في ردهات مجلس الأمن الدولي.
ينبغي علينا الاعتراف بالانكسارات العسكرية الأخيرة كنتيجة طبيعية لتشتت إدارة الصراع العسكري ضد قوات نظام الأسد والميليشيات الشيعية المتطرفة حيث لا توجد جبهة ثورية مشتركة ومتماسكة, فكانت استراتيجية نظام الأسد وبالتعاون مع ميليشيات إيران التعامل مع كل جبهة منفردة، الأمر الذي سهل لهما قضم مناطق متعددة كانت تحت سيطرة فصائل الثورة وكان أكثرها إيلاما سيطرة قوات نظام الأسد على مدينة حلب, وتفريغ مدينة داريا من أهلها بعد تدميرها باعتبارها أهم المناطق السورية الثائرة التصاقا بقيم الثورة, كل ذلك نتيجة التناحر الفصائلي بين الفصائل الإسلامية وتلك التابعة للجيش الحر, والارتهان الخارجي, وتخاذل المجتمع الدولي بصمته عن جرائم الروس وتوابعهم من الميليشيات الإيرانية.
كما شهد العام السادس للثورة تطورات عسكرية قام بها الجيش الحر في عملية "درع الفرات" والتي وأدت مشروع "روجافا" الكردي, وقلصت نفوذ تنظيم "الدولة" في ريف حلب الشمالي والشرقي, وفي جانب متصل جرى تبادل السيطرة على مدينة تدمر بين قوات الأسد وتنظيم "الدولة" الذي انهارت قواه في ريف حلب الشرقي.
في السنة السادسة للثورة جرت كل هذه التطورات وسواها ومآلاتها على الشعب السوري الثائر, والتنكيل به وتهجيره قسرا من مدنه وقراه وسط صمت دولي يدعي رفع شعارات إنسانية, وفي التفاصيل:
أولاً: المعطيات السياسية.. مكاسب وخسائر
مع إسدال الستار على العام السادس للثورة أصبح المشهد السياسي في سوريا يخضع للهيمنة الروسية على القرار السياسي نتيجة تواطؤ وعجز المجتمع الدولي الذي أصبحت أولوياته الحرب على الإرهاب, والتراجع عن المطالبة بإسقاط الأسد ونظامه.
وتجسدت هيمنة الروس على القضية السورية باستخدام حق النقض (الفيتو) ثلاث مرات في مجلس الأمن الدولي، والأكثر من ذلك إخراج الملف السوري من أروقة الأمم المتحدة إلى المبادرة بالإعلان عن مفاوضات سورية جديدة ترعاها موسكو وأنقرة في آستانة عاصمة كازاخستان ويمكن تلخيص أهم الأحداث السياسية للسنة السادسة بما يلي:
مؤتمر جنيف والمناورة الروسية في آستانة
شهدت بداية السنة السادسة للثورة مفاوضات غير مباشرة بين وفدي نظام الأسد والمعارضة فرفض نظام الأسد مبادرات حسن النية بوقف القصف وفك الحصار وإطلاق سراح المعتقلين وتمسكه بالحوار دون شروط ورفضه مشاركة بعض أطراف المعارضة. ولم تمض سوى أيام ليعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ديمستورا عن موعد جديد لاستئنافها بعد تهيئة الظروف المناسبة وتوصلت إلى هدنة يوم ٢٦ شباط انتهكت مرارا واستؤنفت المفاوضات في ١٤ آذار وأعلنت روسيا عن انسحاب جزئي لقواتها من سوريا مما دفع الأطراف إلى التفاؤل بالمفاوضات، وقدم ديمستورا رؤية لمرحلة الانتقال السياسي التي أسماها وثيقة مبادئ الحل السياسي التي رحبت بها المعارضة ورفضها نظام الأسد.
وللتقليل من شأن مفاوضات جنيف التي جرى فيها الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة يشارك فيها النظام والمعارضة, أعلن الأسد عن إجراء انتخابات لمجلس الشعب يوم ١٣ نيسان, وانتهت جولة المحادثات غير المباشرة دون إحراز تقدم وعلق وفد الهيئة العليا للمفاوضات مشاركته قبل انتهائها بسبب تصاعد الغارات الجوية على المدنيين واستمرار الحصار على المدن السورية وعدم إحراز تقدم بشأن إطلاق المعتقلين. واستؤنف جنيف بنسخته الرابعة يوم الخميس23 فبراير/ شباط الماضي بتوتر لافت إثر قيام المبعوث الدولي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، بتجزئة ممثلي المعارضة السورية إلى ثلاثة وفود: وفد الهيئة العليا للتفاوض الذي شكلته قوى الثورة والمعارضة، ومنصتا القاهرة وموسكو، الواجهة الفعلية لروسيا, وحافظ وفد الهيئة العليا على تماسكه تفاديا للانسحاب من المؤتمر الذي يحاول نظام الأسد تلغيمه ومن ثم نسفه كما حصل في المؤتمرات السابقة, مما حدا بالمبعوث الدولي ديمستورا الإيحاء أن المفاوضات تسير على ما يرام لتحقيق نجاح في هذه الجولة قبل انتهاء مهمته أواخر شهر مارس/ آذار الجاري, حيث فشل على مدار ثلاث سنوات ونصف في تحقيق أي تقدم في العملية السياسية. وسجلت مجريات المحادثات مماحكات بين وفدي المعارضة ونظام الأسد حول مسألة الانتقال السياسي, الذي تراه المعارضة انتقالا من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي يرفضه الأسد ونظامه إذ أن الانتقال السياسي يعني ما جاء في بيان جنيف1، أي هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات.
ومن الواضح إصرار المعارضة على أن يكون الوفد المفاوض باسم المعارضة محصوراً بالهيئة العليا، وإيجاد مخرج لمنصتي القاهرة وموسكو كما فعل ديمستورا في جنيف السابق إذ أطلق على باقي المنصات والشخصيات المشاركة صفة مستشارين, بينما تحاول روسيا نقل جنيف4 لاستكمالها في الآستانة من خلال مفاوضة ممثلي فصائل الثورة السورية وصولا إلى تسوية سياسية تتوافق مع رؤية نظام الأسد بتشكيل حكومة وحدة وطنية تحت سقف مظلة الأسد، انعكاسا لآراء موسكو في مناقشة التحول السياسي في الآستانة لتفريغ مؤتمر جنيف من مضمون قراراته الفعلية. من جهته، رفض وفد الفصائل العسكرية الذهاب إلى أستانة3 رغم الضغوط الروسية والتركية عليه وصرح رئيس الوفد، محمد علوش، بقرار عدم المشاركة. وأعلن المستشار القانوني للجيش الحر والناطق الرسمي باسم الوفد أسامة أبو زيد "اعتذاره عن الاستمرار بعمله"، من دون الإفصاح عن الضغوط عليه أو على الوفد. ووصف الاعتذار بأنه لأسباب خاصة.
وأوقفت تركيا ضغطها على الوفد، بعد تسلمها مقترحات وثائق آستانة التي تعتبر خروجاً عن المسارات الإجرائية المقترحة من قبل "المبعوث الدولي" إلى سوريا ستيفان ديمستورا, والتي طرحها في محادثات "جنيف4"، وخص فيها "أستانة" بنقاش سلة "مكافحة الإرهاب" وأضاف عليها لاحقا "الأمن".
وسبق ذلك تحركات دبلوماسية للحل في سوريا بين وزير الخارجية الأمريكي السابق (جون كيري) ونظيره الروسي (سيرغي لافروف) ولم يحصل أي تقدم بينهما وعجزت مجموعة أصدقاء الشعب السوري أيضا, ولم تفلح مجموعة دعم سوريا والتي عقدت في باريس وبرلين ولندن وموسكو وجنيف, فانتقلت القضية السورية إلى أروقة مجلس الأمن فعمدت روسيا يوم ١٨ تشرين الأول إلى استخدام حق النقض الفيتو ضد مشروع وقف القتال في حلب وهدنة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مختلف المناطق في سوريا, ولجأت إلى "الفيتو" مرة ثانية يوم 5 كانون الأول مع الصين ضد مشروع قرار يطالب بهدنة لسبعة أيام في حلب وإنهاء القتال في أنحاء سوريا, وبررت روسيا رفضها أن مشروع القرار لا يتضمن خروج المقاتلين من شرق حلب.
واعتبرت الهيئة العليا للمفاوضات روسيا وإيران دولتي احتلال, وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم ٩ كانون الثاني قرارا يطالب بهدنة فورية في سوريا والسماح بوصول مساعدات وإنهاء حصار جميع المناطق ومنها حلب, ولكن روسيا سمحت بتمرير قرار دولي لصالح نظام الأسد يوم 19 كانون الثاني لمراقبة عمليات الإخلاء من شرق حلب.
خديعة الانسحاب الروسي الجزئي من سوريا
ادعت موسكو أن وجودها في سوريا لمحاربة الإرهاب, وأعلنت عن انسحاب جزء من قواتها مطلع آذار/ مارس, ثم عادت في أيلول/ سبتمبر, وأرسلت مزيدا من طائرات (سيخوي 34) إلى قاعدة حميميم الجوية, ثم نشرت منظومة صواريخ (إس 300) في قاعدة طرطوس, كما وصلت يوم 13 تشرين الثاني حاملة الطائرات الروسية (أميرال كوزنتسوف) إلى السواحل السورية فكان لها أثر حاسم في تدمير الأحياء الشرقية من حلب.
وفي التاسع عشر من آب/ أغسطس, استخدمت قاعدة عسكرية إيرانية لإرسال قاذفات قنابل بعيدة المدى وقاذفات مقاتلة أغارت على حلب ودير الزور, بالاضافة إلى سفينتين حربيتين أطلقتا صواريخ مجنحة (كاليبر) عالية الدقة من شرق البحر المتوسط استهدفت المدن والقرى السورية.
وشهدت هذه السنة من عمر الثورة إسقاط طائرة مروحية من طراز (إم ٨) أثناء تحليقها في ريف سراقب الشرقي.
كما عرض تنظيم "الدولة" صورا لقاعدة روسية في مدينة تدمر التي استعاد السيطرة عليها بعد ثمانية أشهر من طردهم منها, وتمكن نظام الأسد من طرد التنظيم من تدمر في شهر شباط/ فبراير الماضي في لعبة تبادل السيطرة على المدينة التاريخية.
سقوط مشروع "روجافا"
في أتون المفاوضات التي جرت في جنيف3. ظهرت تطورات جديدة في المشهد السياسي السوري تمثلت بإعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي مع حلفائه يوم 18 مارس/آذار إنشاء نظام فدرالي في مناطق سيطرته شمال سوريا تحت اسم "روج آفا"، وهو ما رفضته المعارضة, ونظام الأسد, وحتى المجلس الوطني الكردي وجاءت عملية "درع الفرات" لوأد هذا المشروع.
ثانيا: عام الثورة السادس (عسكريا)
شهدت الساحة السورية تطورات عسكرية كبيرة منذ بداية السنة السادسة, كان لها نتائج متباينة ومن أهمها:
إنجازات الجيش الحر في معركة درع الفرات: بدأت معركة "درع الفرات" في آب/ آغسطس بتحرير الجيش السوري الحر لمدينة جرابلس وريفها التي دخلت خط المواجهة المسلحة ضد تنظيم "الدولة", حقَّق فيها الجيش السوري الحر بالتنسيق مع الجيش التركي نتائج معتبرة؛ حيث تحررت كامل مدينة جرابلس الاستراتيجية - التي حظيت ببعد رمزي له علاقة بمسقط رأس العقيد يوسف الجادر أبو فرات الذي استشهد بعد قيادته معركة السيطرة على مدرسة المشاة في حلب, وخسر التنظيم كل المناطق التي كانت تحت سيطرته في المنطقة المحاذية للشريط الحدودي مع تركيا .
يمكن وصف المنطقة المحاذية للحدود مع تركيا من جرابلس شرقا ولغاية إعزاز غربا, وإلى منبج وأطراف مدينة حلب جنوبا، بأنها الجزء الأكثر حساسية وتأثيرًا في الخاصرة الطبيعية لتركيا؛ فموقعها المحاذي للشريط الحدودي, ووجود مدن منبج والباب وأخترين والراعي, وموقعها المتوسط بين منطقتي عفرين وعين العرب "كوباني"، أعطاها أهمية كبيرة في وأد حلم الأكراد الانفصاليين, وما يتبع ذلك من قيمة استراتيجية وجيوستراتيجية.
تمكن الجيش الحر في عملية "درع الفرات" من السيطرة على مثلث جغرافي أطرافه جرابلس في الشمال الشرقي، ومارع في الشمال الغربي، والباب في الجنوب؛ ضمن مساحة تصل إلى نحو خمسة آلاف كيلومتر مربع, وبذلك استطاع قطع التواصل الجغرافي للأكراد ليس بين شرق الفرات وغربه فحسب، وإنما أيضا في غرب الفرات، بين عفرين غربا وعين العرب "كوباني" في أقصى الشمال الشرقي لمحافظة حلب, وأعلنت تركيا المساند الرئيسي لعملية "درع الفرات" عملها في ملف المنطقة الآمنة وإلحاحها للمشاركة في معركة الرقة وفق استراتيجيتها, مما أغضب موسكو التي أطلقت تصريحات سياسية تستهجن القبول التركي بإقامة منطقة آمنة في أماكن سيطرة "درع الفرات", ومع تحرير قوات "درع الفرات" مدينة الباب سارعت كل من روسيا والولايات المتحدة إلى تطويق "درع الفرات" لمنعه من التوسع الجغرافي للتوجه نحو غرب المدينة أو شرقها أو جنوبها.
وذلك بإقامة ساتر عسكري/جغرافي على طول الضفة الغربية لنهر الفرات، هدفه خلق وقائع جغرافية جديدة تقطع طريق الرقة أمام "درع الفرات" الذي لم يتبق أمامه سوى الاصطدام مع الوحدات الانفصالية الكردية جنوب وغرب مدينة إعزاز.
خسارة حلب وتهجير أهلها: مع مستجدات الحرب والموقف الدولي والإقليمي المتواطئ إزاء الهجمة العدوانية التي يشنها الطيران الروسي على مدينة حلب والميليشيات الشيعية التي دكت على مدار سنة كاملة المدينة التي حوصرت بشكل كامل في صيف عام 2016م. بدأت تنحاز فصائل المعارضة المسلحة من الأحياء الطرفية إلى داخل المدينة في الأحياء ذات المباني الأكثر كثافة. وبعد سيطرة الميليشيات الشيعية على طريق "الكاستيلو", فقدت فصائل الثورة داخل مدينة حلب حيويتها في شهر فبراير/شباط، وسبقه سيطرة الميليشيات الشيعية بمساندة الغارات الروسية من قطع ممر الإمدادات فيما يسمى ممر إعزاز، وهو ممر حيوي كان يستخدمه الثوار ويربط بين بلدة إعزاز في شمال سوريا على الحدود التركية ومدينة حلب.
وعززت الميليشيات الشيعية مواقعها بتقدمها نحو الطريق الرئيسي "الكاستيلو" الذي يقود إلى الأحياء الشرقية من حلب، الأمر الذي أدى إلى خنق خط المساعدات الذي يمد الثوار بالإمدادات، وقبل ذلك خسارة الريف الشمالي.
واستعجلت فصائل الثورة عملية كسر الحصار عن مدينة حلب في ملحمة حلب الكبرى مطلع أغسطس /آب الماضي حين اختارت فصائل الثورة طريقا شائكة للوصول إلى حلب الشرقية تاركين الخاصرة اليمنى التي تتمركز فيها الميليشيات الشيعية في الحاضر والوضيحي جنوب غرب حلب تعمل بحركة مريحة في استهداف طريق الإمداد بشكل متواصل.علاوة على فشل فصائل الثورة في اقتحام معمل الإسمنت الذي تتمركز فيه قوات "حزب الله" الشيعي اللبناني, فكان ذلك بداية خسارة المدارس العسكرية في منطقة الراموسة.
استمرت الأخطاء في المحاولة الثانية لكسر الحصار عبر ضاحية الأسد- منيان للهجوم على حلب الغربية، التي اصطدمت بتحصينات نظام الأسد والميليشيات في الأحياء العمرانية الحديثة والمتباعدة ما أعاق دخول جيش الفتح عبر محور حلب الجديدة أو مشروع 3000 شقة.
وعجل في سقوط المدينة الخلافات بين الفصائل داخل مدينة حلب, حيث هاجمت حركة نور الدين الزنكي وكتائب أبي عمارة وجبهة فتح الشام تجمع (فاستقم كما أمرت), بصرف النظر عن أي سبب كان, مما أدى إلى انهيار الثقة بين الفصائل داخل المدينة المحاصرة, وانعكس ذلك سلبا على الروح المعنوية للمدنيين والناشطين في المؤسسات الثورية.
يضاف إلى ذلك عدم توازن القوى العسكرية ما دفع المعارضة إلى الانحياز من الأحياء الشرقية والشمالية إلى الأحياء الجنوبية, مع قصف كثيف من الطيران الروسي, وذاك التابع لنظام الأسد, بكافة أنواع الأسلحة من قنابل فوسفورية وعنقودية ونابالم محرمة دوليا,حيث تعرضت منطقة الراشدين وهي الواقعة في الطرف الغربي من حلب لأكثر من 400 غارة جوية, واستخدام صواريخ بعيدة المدى من البوارج الروسية الراسية قبالة مدينة طرطوس, بينما يقاتل الثوار بأسلحة بسيطة ورشاشات متوسطة, علاوة على استقدام آلاف المرتزقة الشيعة التي تعمل على كل محاور المدينة.
يبقى العامل الدولي واضحا في خطة إسقاط مدينة حلب المحررة نتيجة تعاون بين الروس والأمريكيين بالإضافة إلى قوى إقليمية أخرى, فالروس حاولوا من خلال عدوانهم على الشعب السوري مقايضة مدينة حلب بتسوية أوضاع دولية شائكة بينهما مثل "أوكرانيا والدرع الصاروخي ورفع العقوبات عنها" في الوقت الذي أدارت أميركا ظهرها للروس وتركت حلب عرضة للموت والدمار بحظرها عن فصائل الثورة, الأسلحة المضادة للطيران, وبالتزامن مع التحضير للانتخابات الأمريكية, بدأ التصعيدٍ العسكريٍّ على الأرض من قبل نظام الأسد والميليشيات الشيعية, وبإسناد جوي روسي مدمر أفضى إلى احتلال المدينة وتهجير أهلها إثر اتفاق روسي- تركي.
ثالثا: الثورة في عامها السادس (إنسانيا)
إن تشابك التطورات السياسية والعسكرية أحدثت تداعيات خطيرة على الأوضاع الإنسانية في سوريا, من المجازر الجماعية إلى النزوح فالتهجير القسري, ويمكن جرد أهم هذه التداعيات بنتائجها فيما يلي:
- تهجير السوريين والتغيير الديمغرافي: لجأ نظام الأسد إلى استخدام القوة المدمرة ضد مناطق نفوذ الثوار, وأحيانا عبر سياسة الاحتواء من خلال القوة الناعمة لاحتوائها, ولم يكن نظام الأسد وحده من يقف وراء تفريغ تلك المناطق من مقاتليها وسكانها, إنما برعاية الأمم المتحدة وموافقتها في كل ما يدور، وإن كان الأسد، وحده من يشغل واجهة الأحداث المحلية الكبيرة، لكن الواقع غير ذلك، فما هو إلا سلسلة تدور في عجلة عربة كبيرة ، هي "عربة الهدن والاتفاقيات" بهدف تصفية الثورة السورية وتفريغها من مضمونها بعد أن تحولت من قضية شعب يطالب بالتحول الديمقراطي إلى مجرد ملف على طاولة الكبار الهدف منه محاربة الإرهاب المتمثل بكل أطياف الثورة السورية كما ترى موسكو, وبرؤية مماثلة لواشنطن الذي كان الأسد في منظورها إرهابيا قبل وقت ليس ببعيد وأبرز عمليات التهجير شملت دمشق وريفها، نظرًا لخصوصية العاصمة التي نجح الأسد حتى اللحظة بتحييدها فعليًا عن الصراع العسكري سواء من خلال الهدن التي بنتيجتها يعمد إلى تفريغ المدن من مقاتليها وسكانها, أو عن طريق استخدام القوة المتوحشة ضد الثوار الذين لا زالوا يتمترسون في محيطها بهدف تصفية الثورة السورية تحت يافطة محاربة الإرهاب لتعويم وإعادة إنتاج نظام الأسد.
وابتدأت عربة التهجير برعاية أممية فرضها نظام الأسد على فصائل المعارضة المسلحة التي قبلت بها مرغمة حفاظا على ما تبقى من الأهالي بعد استهدافها بشكل متوحش وحصارها إلى حد الموت جوعا ومرضا .
فشلت الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية خلال أشهر من العام 2016م في إدخال مساعدات إنسانية للمناطق المحاصرة إلا قليلا ومنها بلدة مضايا بريف دمشق التي خلف حصارها أعدادا من الوفيات بسبب الجوع. كما أخفق مجلس الأمن في إصدار أي قرار يرفع الحصار و"سياسة التجويع".
- تهجير سكان مدينة حلب وريفها: نزح عشرات الآلاف من ريفي حلب واللاذقية منذ نهاية يناير/كانون الثاني وحتى فبراير/شباط الماضيين إلى الحدود التركية بسبب كثافة القصف الجوي على مناطقهم وتقدم قوات نظام الأسد والمليشيات الشيعية المؤيدة له في تلك المناطق.
وتم تهجير أكثر من خمسين ألفا من سكان مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي في ظل وضع مأساوي لهؤلاء النازحين على الحدود السورية التركية وغياب المساعدات الإنسانية وتأخرها. وأكمل الأسد وميليشياته الطائفية مشهد التهجير مع إجلاء عشرات آلاف المدنيين والمقاتلين من أحياء حلب الشرقية بعد حملة قصف وعمليات عسكرية مكثفة وتدمير للمستشفيات والمنشآت الخدمية، انتهت بإبرام اتفاق نص على إجلاء كل المدنيين والمقاتلين من شرقي حلب بالتزامن مع إجلاء 2500 من قريتي الفوعة وكفريا, وآخرين من بلدتي مضايا والزبداني بريف دمشق اللتين تحاصرهما ميليشيا "حزب الله" اللبناني وقوات الأسد.
- تهجير سكان محيط العاصمة دمشق: بعد أعوام من الحصار وسياسة التجويع تمكن نظام الأسد في إجبار الآلاف من المعارضة وعائلاتهم يوم 26 أغسطس/آب على الخروج من مدينة داريا إلى إدلب شمالي البلاد حيث أصبحت المدينة فارغة من أهلها بعد ذلك التاريخ. فانتقل إلى معضمية الشام المجاورة لداريا حيث هجّر آلافا من أهلها وأخرج المقاتلين يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول، تلا ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني إبرامه اتفاقا لإخلاء الثوار من منطقتي قدسيا والهامة بريف دمشق مقابل إدخال المواد الغذائية للمنطقتين. واختتم الأسد عمليات التهجير حول دمشق نهاية نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول في كل من مخيم خان الشيح ومدينة التل على التوالي حيث غادر الآلاف من المقاتلين وعائلاتهم إلى ريف إدلب.
- تهجير المقاتلين وعائلاتهم من حي الوعر: قام نظام الأسد في سبتمبر/أيلول بإجلاء المئات من المقاتلين وعائلاتهم من حي الوعر المحاصر في مدينة حمص وسط البلاد إلى ريفها الشمالي، في وقت يواصل النظام حصاره للحي لإجبار من تبقى على التسليم والخروج, ومع كتابة هذه الورقة يجري تنفيذ الاتفاق على تهجير سكان حي الوعر برعاية روسية وسط تواطؤ دولي .
-تهجير الوحدات الانفصالية للسكان في ريفي الرقة والحسكة:
شمل مشهد التهجير القسري السكان العرب والتركمان واقتلاعهم من قراهم وبلداتهم على يد "وحدات حماية الشعب" الكردية بعد السيطرة عليهما في مارس/آذار, والتنكيل بسكان تلك المناطق بوحشية بالغة, واتهمت منظمات حقوقية دولية الوحدات الكردية القيام بجرائم حرب دولية على رأسها التهجير القسري للمواطنين الأصليين.
رؤية: الثورة على أبواب عامها السابع
رغم كل ما حمله عام الثورة السادس من خسائر وقتل ودمار لا يظهر في الأفق السوري أي تسوية سياسية ناجحة سوى تحقيق مطالب الثورة السورية التي أطلقتها أفواه ملايين السوريين في التغيير الجذري لنظام الأسد وهو حل بعيد عن المتناول في الوقت الراهن, وما الحلول المقترحة سواء في جنيف أو آستانة إلا مقترحات تدخل عمليا في تفكك سوريا جغرافيا وسياسيا, وفرض وصايات إقليمية ودولية متباينة تدعو إلى حرب أهلية مفتوحة, أو بقائها على ما هي عليه في إطار البحث عن وسائل تحقيق الانتقال السياسي الحقيقي بدون نظام الأسد ضمانا لإنهاء الحرب والحفاظ على سلم أهلي.
فالفشل الروسي في إدارة الأزمة السورية بات واضحا حتى على صعيد وقف إطلاق النار, وتبدو الولايات المتحدة الوحيدة القادرة على إيجاد تسوية سياسية دائمة في سوريا, وظهرت ملامح تدخل واشنطن عبر اقتراح الرئيس ترامب لمناطق آمنة والدفع بعملية السلام على نموذج اتفاق "دايتون" الذي وضع حدا للحرب البوسنية بعد أن ألزم الأطراف المتقاتلة في البوسنة وقف الأعمال العسكرية, وهذا التوجه لا يحقق طموحات الثورة السورية, ويمنع نظام الأسد من متابعة عدوانه على الشعب السوري, ويعطي فرصة للسوريين في العودة إلى المربع الأول من مطالبهم في التغيير الجذري لنظام الحكم والانتقال بسوريا إلى عهد جديد فهل هذا ما سنشهده في عام الثورة السابع؟.