بلدي نيوز – (ميرفت محمد)
رغم أنها تبدو ملتزمة الحياد تجاه الحرب في سوريا عامة وتتجنب بشكل خاص الحديث علانية عن المنطقة الآمنة في درعا، إلا أن إسرائيل شريكة في عملية اتخاذ القرارات الإستراتجية المتعلقة بهذه المنطقة الآمنة، وتعمل على ضمان كل ما يخدم مصالحها.
فبينما لا تظهر سوى اليد الأمريكية والأردنية الطولى عند الحديث عن المنطقة الآمنة في درعا، تعنى إسرائيل كثيرًا سواء بالمشاركة في التنسيق أو فرض ما يخدم مصالحها، في مشروع إقامة المنطقة الآمنة القريبة من حدودها.
ربما لا تعد مفاجأة كبيرة ما كشفت عنه صحفية (هآرتس) العبرية مؤخرًا، فأكدت على أن إسرائيل تشارك في نشاطات منها ما تم في مركز محادثات تنسيق تشارك فيها الأردن وروسيا والولايات المتحدة والسعودية، حيث شارك ممثلون إسرائيليون في محادثات جرت في الأردن، وفي بعض الحالات جرى التنسيق هاتفيًا أو بواسطة مبعوثين وصلوا إلى "إسرائيل".
يقول معلق الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" (تسفي برئيل): "أنه في إطار الحديث عن مناطق آمنة في منطقة درعا، وعندما أوضحت إسرائيل لروسيا أنها تعارض إشراك حزب الله في المراقبة على المناطق الآمنة الجنوبية في محيط درعا، وجدت في الأردن والولايات المتحدة حليفين لها، فضغطا على روسيا لقبول المطالب، والموافقة على نشر قوات روسية في المناطق الجنوبية".
مصادر استخباراتية أردنية كشفت أن المناطق الآمنة ستمتد من الحدود الأردنية إلى مدينة الصنمين ذات الموقع الاستراتيجي في درعا، وهنا تظهر إسرائيل حريصة على ضمان المصالح الأردنية أيضًا، فإقامة مثل هذه المنطقة يواجه صعوبات وتعقيدات عسكرية ودبلوماسية من قبل الأردن، فكما كتب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق) يعقوب عميدرور) والنائب السابق لرئيس "مجلس الأمن القومي" عيران ليرمان: "لدى إسرائيل مصلحة إستراتيجية والتزام طويل الأمد بضمان سلامة المملكة الأردنية الهاشمية وأمنها واستقرارها وازدهارها، ومساندة إسرائيل للأردن تتم بأشكال أخرى، وأهمها مساعدة الأردن على التكيف مع التدفق الهائل للاجئين السوريين في السنوات الأخيرة".
إسرائيل لاعب قوي في الملف السوري
يعتبر الملف السوري شأناً إقليمياً ودولياً، فأي تحركات داخل الأراضي السورية لا بدّ أن يتم التوافق عليها أولاً بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، وبالتالي تشابك المصالح والأولويات، ومن هنا يفسّر وجود تعقيدات وإشكاليات في مسألة المناطق الآمنة.
يقول الكاتب والصحفي السوري (رامي زين الدين( إنه لا يمكن الحديث عن المناطق الآمنة في الجنوب السوري دون الإشارة إلى تشابك مصالح الدول التي ترعى هذا المشروع وتنسّق فيما بينها لإنجازه، فبينما الولايات المتحدة ترى ضرورة إنشاء مناطق آمنة وهو ما ينسجم مع سياستها في الحد من الهجرة غير الشرعية ورفض حل أزمة اللاجئين باستقبال المزيد منهم، لا يمكن إنشاء أية مناطق آمنة دون التنسيق مع روسيا باعتبارها اللاعب الأقوى في سوريا وصاحبة القرار دون العودة إلى نظام الأسد.
ويؤكد (زين الدين) أن إسرائيل لاعب قوي في الملف السوري وإن كان ذلك غير معلن، ويقرأ الدور الإسرائيلي من خلال عدة جوانب، أولها حسب (زين الدين) أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المتواجدة في غرفة عمليات "الموك" في عمّان التي تدير الصراع في الجنوب السوري بالتنسيق بين العديد من أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية، مضيفًا: "من جهة أخرى التعاون الروسي الإسرائيلي كان واضحاً وعلى أعلى المستويات، فقد اجتمع قادة عسكريون من الجانبين عدة مرات، وأهم مطالب إسرائيل من روسيا هي ضمان عدم نقل السلاح إلى حزب الله عبر سوريا وكذلك ضمان أمن حدودها، وتنسيق الضربات الجوية ضد الأهداف التي تشكّل أي تهديد أمني بالنسبة لها، وهو ما حدث فعلاً عبر هجمات عدّة شنتها طائرات إسرائيلية على مواقع عسكرية داخل سوريا".
مشيرًا خلال حديثه لـ"بلدي نيوز" إلى إدراك الأردن لأهمية الدور الروسي وإنشاء مركز مراقبة مشترك في أواخر 2015 لتنسيق العمل الاستخباراتي وضمان عدم اقتراب الاشتباكات من حدودها، ويقول (زين الدين): "تخشى عمّان من ازدياد نفوذ الميليشيات الإيرانية وحزب الله في المناطق الحدودية، وكذلك تريد تأمين حدودها مع سوريا والعراق لضمان عدم تسلّل إرهابيي تنظيم (داعش) والقاعدة. فضلاً عن رغبة الأردن في إيجاد حل لتدفّق اللاجئين إلى أراضيها حيث هناك مليون ونصف لاجئ سوري في الأردن معظمهم في المخيمات".
إسرائيل هي القوة الأساسية جنوبي سوريا
يؤكد المحلل العسكري (راني جابر) أنه لا يمكن أن يمر أي اتفاق دولي يتعلق بسوريا وتحديدًا بالساحل أو الجنوب السوري دون موافقة إسرائيلية، ودون أن يكون هذا الاتفاق ضمن الرؤية الإسرائيلية للوضع في الجنوب السوري، خاصة مع إصرار إسرائيل على المحافظة على استقرار حكم النظام خلال الخمسين عامًا الماضية، هذا النظام الذي حافظ على هدوء جبهة الجولان الإستراتيجية.
ويضيف (جابر) لـ"بلدي نيوز": "إسرائيل هي القوة الأساسية جنوب سوريا وكل ما يحدث فيها ينعكس على أمنها على المدى المتوسط والبعيد، ما يجعلها مهتمة بأدق التفاصيل جنوبي سوريا وتسعى لجر الأحداث تجاه خدمة إستراتيجيتها باستخدام وسائل متعددة".