تركي المصطفى . بلدي نيوز
المقدمة:
شهدت المنطقة في الآونة الأخيرة تطورات سياسية وعسكرية مهمة تتعلق بمستقبل لبنان وسوريا وفلسطين، خاصة بعد الأحداث التي تلت السابع من أكتوبر 2023. وقد تم تقديم وثيقة شاملة للحكومة اللبنانية، تضمنت بنودًا تمثل ضغوطًا كبيرة على ميليشيا حزب الله ونظام الأسد، وكان من المفترض أن يتم التعامل معها على أنها خيار صعب بين الموافقة والرفض، مع تهديدات بإمكانية تحولها إلى حرب شاملة. وفي هذا البحث، سيتم تحليل بنود الوثيقة المقدمة، وتقييم الأسباب التي قد تدفع حزب الله وحكومة لبنان إلى قبول أو رفض هذه الوثيقة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على العوائق الاستراتيجية التي قد تؤثر على قدرة حزب الله في تغيير المعادلة العسكرية على الأرض.
أولا: تحليل بنود الوثيقة
تمثل الوثيقة المقدمة من الأطراف الخارجية، وعلى رأسها إسرائيل، مجموعة من الاشتراطات التي تهدف إلى تقليص نفوذ حزب الله في لبنان وسوريا، وتقليص القدرات العسكرية الموجهة ضد إسرائيل. وفيما يلي استعراض لأهم بنود الوثيقة:
1- إنشاء آلية مراقبة دولية لحدود سوريا ولبنان:
تهدف هذه الخطوة إلى فرض رقابة دولية على الحدود بين سوريا ولبنان لمنع أي تهريب للأسلحة أو نقل للمقاتلين بين البلدين. هذا البند يشير إلى محاولات لتقييد حرية حركة ميليشيا حزب الله.
2- مراقبة عسكرية أمريكية كاملة للبنان:
يتضمن هذا البند السماح للولايات المتحدة بتوسيع رقابتها العسكرية على لبنان، وهو ما قد يزيد من تدخلاتها في الشؤون اللبنانية الداخلية ويعزز من هيمنتها على ميليشيا الحزب.
3- تسليم ميناء بيروت ومطارها:
من شأن هذا البند أن يمنح القوى الأجنبية السيطرة على المنافذ الحيوية في لبنان، مما قد يؤدي إلى تقويض قدرة ميليشيا الحزب على التحكم في شؤونه الداخلية.
4- تسليم الموانئ والمطارات والمنافذ الحدودية بالكامل:
هذا البند يتجاوز الميناء والمطار في بيروت ليشمل كافة المنافذ في لبنان، مما يعزز السيطرة على حركة الاقتصادية والدعم اللوجستي لميليشيا الحزب في لبنان.
5- نزع سلاح حزب الله بالكامل:
يُعتبر هذا البند من أخطر البنود، حيث يطالب بحل ميليشيا حزب الله كقوة عسكرية خارج إطار الجيش اللبناني. وهذا سيؤدي إلى تقليص قدرة ميليشيا الحزب على تنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل أو أي جهة أخرى.
6- تدمير الأنفاق وتفكيك الجناح العسكري لميليشيا حزب الله بالكامل:
يهدف هذا البند إلى إنهاء قدرة ميليشيا حزب الله على شن الهجمات عبر الأنفاق، وهو ما يمسّ إحدى أهم استراتيجيات الحزب في المواجهات العسكرية مع إسرائيل.
الأسباب والعوامل المؤثرة في قرار ميليشيا حزب الله وحكومة لبنان
الضغوط العسكرية والسياسية:
الوثيقة تمثل تهديدًا مباشرًا للوجود العسكري والسياسي لحزب الله في لبنان. من خلال بنود الوثيقة، يتضح أن هناك محاولة لتدمير البنية العسكرية لميليشيا الحزب وإضعافه بشكل كبير. وفي المقابل، إذا وافقت الحكومة اللبنانية على الوثيقة، فإنها قد تواجه تداعيات داخلية وخارجية كبيرة.
التحديات العسكرية لميليشيا حزب الله
يمتلك حزب الله أسلحة استراتيجية، بما في ذلك صواريخ باليستية بعيدة المدى، التي تشكل جزءاً مهماً من ترسانة إيران وحزب الله في صراعاتهما مع إسرائيل. ومع ذلك، هناك عدة عوائق تحول دون استخدام الحزب لهذه الأسلحة بشكل فعّال في الوقت الراهن.
ـ المراقبة العسكرية الإسرائيلية الشديدة على الحدود بين لبنان وسوريا.
ـ التعاون الأمني بين نظام الأسد وإسرائيل، حيث يقوم جناح عسكري أمني بنقل تحركات ميليشيا حزب الله إلى إسرائيل.
ـ عدم الثقة بين عناصر ميليشيا الحزب، مما يعقد من عملية نقل الأسلحة أو الكشف عن مواقع تخزينها.
القرار الإيراني بشأن الصواريخ الباليستية:
رغم أهمية الصواريخ الباليستية بالنسبة لميليشيا حزب الله، لم تتخذ إيران بعد قرارًا نهائيًا بشأن استخدامها من الأراضي السورية. فإيران، التي تسعى للحفاظ على مكتسباتها الاستراتيجية في سوريا، تتجنب المخاطرة بفقدان السيطرة على البلاد أو التأثير على وضعها الإقليمي في حال تم إطلاق هذه الصواريخ.
العواقب المحتملة للرفض أو القبول
ـ السيناريو الأول: قبول الوثيقة:
في حال وافقت الحكومة اللبنانية على بنود الوثيقة، فقد يترتب على ذلك تغييرات كبيرة في موازين القوى العسكرية بالمنطقة. وقد تفقد ميليشيا حزب الله قدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية مستقلة، مما يعزز احتمالية نشوب حرب أهلية لبنانية.
ـ السيناريو الثاني: رفض الوثيقة:
إذا قررت الحكومة اللبنانية وحزب الله رفض الوثيقة، فقد يترتب على ذلك تصعيد عسكري شامل. قد تبدأ إسرائيل في عمليات عسكرية ضد مواقع حزب الله في لبنان، بدءا من الجنوب وانتهاء بضاحية بيروت الجنوبية. وفي هذه الحالة، قد تجد ميليشيا الحزب نفسها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل في ظل غياب أي حماية دولية وإقليمية فعالة.
دور القوى الدولية والإقليمية
ـ الدور الأمريكي:
تعد الولايات المتحدة من اللاعبين الرئيسيين في هذه المعادلة، حيث تسعى إلى تقليص نفوذ ميليشيا حزب الله في لبنان. وقد أظهرت إدارة الرئيس بايدن ترددًا في منح إسرائيل الأسلحة اللازمة لضرب منشآت حزب الله في سوريا، لكن الوضع قد يتغير مع إدارة ترامب أو بعد ضوء أخضر سياسي.
ـ الدور الإيراني والسوري:
بينما تظل إيران القوة الداعمة الرئيسية لحزب الله، فإن القرار الإيراني، ممثلا في المرشد الأعلى علي خامنئي، دعا ميليشيا حزب الله اللبناني إلى قبول اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي ينص على بقاء حزب الله شمال نهر الليطاني. ونقل هذه الرسالة مستشار خامنئي، علي لاريجاني، خلال زيارة له إلى بيروت. وأكدت الرسالة أن خامنئي يدعم "إنهاء الحرب مع إسرائيل" وأن إيران ستقدم الدعم لميليشيا الحزب في مرحلة ما بعد الحرب، لمساعدته على التعافي وإعادة بناء قدراته. كما أن قرار إيران بعدم استخدام الأراضي السورية لإطلاق صواريخ على إسرائيل يتماشى مع استراتيجية إيران الطويلة الأمد لحماية مصالحها في سوريا وعدم تعريضها للخطر. وفي هذا السياق، يعتبر النظام السوري مجرد أداة في يد إيران، حيث لا يتخذ قرارات مستقلة بشكل فعلي.
الخاتمة:
تمثل الوثيقة المقدمة لحكومة لبنان وميليشيا حزب الله اختبارًا كبيرًا على المستوى العسكري والسياسي. على الرغم من أن الموافقة عليها قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في الوضع الداخلي والإقليمي، إلا أن هناك العديد من العوائق التي قد تمنع تنفيذ بنود الوثيقة بشكل فعّال. في ظل هذه الظروف، تبقى الخيارات العسكرية والسياسية مفتوحة، مع احتمالات التصعيد أو التسوية، حسب رد الفعل اللبناني وحسابات القوى الإقليمية والدولية المعنية.