معركة حلب وآفاق المواجهة - It's Over 9000!

معركة حلب وآفاق المواجهة

بلدي نيوز- (تركي مصطفى)
تمهيد
يناقش هذا الملف المعركة الدائرة في مدينة حلب بين "جيش حلب" والفصائل الإسلامية من جهة, وقوات الأسد والميليشيات الشيعية المدعومة بالطيران الحربي الروسي وذاك التابع للأسد من جهة ثانية.
ونمهد لهذا الملف باستعراض تحليلي موجز للأهمية الاستراتيجية لمدينة حلب ككبرى مدن الثورة, في بعدها العسكري المتصل بنتائج المعركة وتداعياتها . 
ثم يتناول الملف بالتحليل جوانب هذه المعركة, خططا وتفاعلات ونتائجاً, ونقف على احتدام الصراع وآفاقه المحتملة بعد الحصار المطبق على المدينة المحررة اعتمادا على توجه عجلة الحرب ومحركاتها الدولية التي جعلت من المدينة التاريخية ركاما من الحجارة بفعل القصف العشوائي الذي استهدف كل شيء بحجة محاربة الإرهاب.
مقدمة
دخلت حلب خط المواجهة المسلحة منذ عام 2012 م عندما قرر "لواء التوحيد" بقيادة عبد القادر الصالح (حجي مارع) تحرير مدينة حلب من قبضة نظام الأسد, فسيطر الثوار على غالبية أحياء المدينة ابتداء من حي الخالدية وصولا إلى حي الراموسة في الجزء الجنوبي الغربي مرورا بأغلب أحياء المدينة القديمة في الشمال الغربي من المدينة (باب الحديد, باب المقام, باب النيرب, باب أنطاكية, باب قنسرين, باب جنين, باب النصر) وغيرها من الأحياء القديمة التاريخية.
ومع مستجدات الحرب والموقف الدولي والإقليمي المتواطئ إزاء الهجمة العدوانية التي يشنها الطيران الروسي على مدينة حلب والميليشيات الشيعية التي دكت على مدار سنة كاملة المدينة فحوصرت بشكل كامل في صيف عام 2016م. بدأت تنحاز فصائل المعارضة المسلحة من الأحياء الطرفية إلى داخل المدينة في الأحياء ذات المباني الأكثر كثافة.
أسباب خسارة فصائل الثورة لأغلبية أحياء حلب
*أسباب سياسية: غياب العقل النقدي الثوري, وتجاهل مراجعة الهزائم المتلاحقة بدءاً من القصير ويبرود والزبداني مرورا بحمص القديمة وداريا ووقوف المعارضة السياسية صامتة بلا حراك .
*أسباب عسكرية: بعد سيطرة الميليشيات الشيعية على طريق الإمداد "الكاستيلو", فقدت فصائل الثورة داخل مدينة حلب حيويتها في شهر فبراير/شباط، وسبقه سيطرة الميليشيات الشيعية بمساندة الغارات الروسية من قطع ممر الإمدادات فيما يسمى ممر إعزاز، وهو ممر حيوي كان يستخدمه الثوار ويربط بين بلدة إعزاز  في شمال سوريا على الحدود التركية ومدينة حلب.
وعززت الميليشيات الشيعية مواقعها بتقدمها نحو الطريق الرئيسي "الكاستيلو" الذي يقود إلى الأحياء الشرقية من حلب، الأمر الذي أدى إلى خنق خط المساعدات الذي يمد الثوار بالإمدادات، وقبل ذلك خسارة الريف الشمالي.
*أسباب تكتيكية: تعود إلى استعجال فصائل الثورة غير المدروس لكسر الحصار عن مدينة حلب في ملحمة حلب الكبرى مطلع أغسطس /آب الماضي حين اختارت فصائل الثورة طريقا شائكة للوصول إلى حلب الشرقية تاركين الخاصرة اليمنى التي تتمركز فيها الميليشيات الشيعية في الحاضر والوضيحي جنوب غرب حلب تعمل بحركة مريحة في استهداف طريق الإمداد بشكل متواصل، علاوة على فشل فصائل الثورة في اقتحام معمل الإسمنت الذي تتمركز فيه قوات "حزب الله" الشيعي اللبناني, فكان ذلك بداية خسارة المدارس العسكرية في منطقة الراموسة.
استمرت الأخطاء في المحاولة الثانية لكسر الحصار عبر ضاحية الأسد- منيان للهجوم على حلب الغربية، التي اصطدمت بتحصينات نظام الأسد والميليشيات في الأحياء العمرانية الحديثة والمتباعدة ما أعاق دخول "جيش الفتح" عبر محور حلب الجديدة أو مشروع 3000 شقة.
*الخلافات بين الفصائل داخل مدينة حلب: هاجمت حركة نور الدين الزنكي وكتائب أبي عمارة وجبهة فتح الشام تجمع (فاستقم كما أمرت), بصرف النظر عن أي سبب كان, مما أدى إلى انهيار الثقة بين الفصائل داخل المدينة المحاصرة, وانعكس ذلك سلبا على الروح المعنوية للمدنيين والناشطين في المؤسسات الثورية.
*عدم توازن القوى العسكرية: إن الذي دفع المعارضة إلى الانحياز من الأحياء الشرقية والشمالية إلى الأحياء الجنوبية, القصف الكثيف من  الطيران الروسي, وذاك التابع لنظام الأسد, بكافة أنواع الأسلحة من قنابل فوسفورية وعنقودية ونابالم محرم دوليا,حيث تعرضت منطقة الراشدين وهي الواقعة في الطرف الغربي من حلب لأكثر من 400 غارة جوية, واستخدام صواريخ بعيدة المدى من البوارج الروسية الراسية قبالة مدينة طرطوس, بينما يقاتل الثوار بأسلحة بسيطة ورشاشات متوسطة, علاوة على استقدام آلاف المرتزقة الشيعة للعمل على كل محاور المدينة.
ثانياً- العامل الدولي: إن خطة إسقاط مدينة حلب المحررة جاءت نتيجة تعاون بين الروس والأمريكيين بالإضافة إلى قوى إقليمية أخرى, فالروس حاولوا من خلال عدوانهم على الشعب السوري مقايضة مدينة حلب بتسوية أوضاع دولية شائكة بينهما مثل "أوكرانيا والدرع الصاروخي ورفع العقوبات عنها"، في الوقت الذي أدارت أميركا ظهرها للروس وتركت حلب عرضة للموت والدمار بحظرها عن فصائل الثورة, الأسلحة المضادة للطيران, وبالتزامن مع التحضير للانتخابات الأمريكية, بدأ التصعيد العسكريّ على الأرض من قبل نظام الأسد والميليشيات الشيعية, وبإسناد جوي روسي مدمر, ومنذ اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد الطائفي, ومع استطالة وتمدد الصراع وما حققته فصائل الثورة من نتائج معتبرة إثر تحريرها مناطق مهمة، سارعت إدارة أوباما بإمكانياتها للحيلولة دون نجاح الثورة السورية, وتحويل مسارها, وتغيير اتجاه الصراع في المنطقة, وذلك بالتغاضي عن جرائم نظام الأسد والاكتفاء بتدمير الأسلحة الكيماوية التي تشكل خطرا على إسرائيل، ومنحه فرصاً للقتل بطرق مختلفة كالبراميل المتفجرة المحملة بغاز الكلور القاتل, والعمل على تشويه الثورة من خلال ربطها بالإرهاب من جهة, وتنصيب واجهة سياسية لا تمثل الثورة السورية من جهة أخرى (المجلس الوطني - ائتلاف  قوى الثورة) . كما تفاهمت مع روسيا وسهلت تدخلها العسكري المباشر إلى جانب نظام الأسد رغم التباين السياسي بينهما في قضايا دولية خارج الصراع في سوريا.
الأهمية الاستراتيجية لمدينة حلب
تعتبر حلب الجزء الأكثر أهمية في الثورة السورية, فموقعها المحاذي للحدود التركية عبر منطقتي إعزاز وعفرين أعطاها إطلالة واسعة للاتصال بأوروبا عبر تركيا, وما يتبع ذلك من قيمة جيواستراتيجية.
كما أن طبيعة المدينة كعاصمة اقتصادية لسورية أعطاها ميزة اقتصادية في زمن السلم والحرب.
لذلك كانت حلب داخلة في حسابات العمليات العسكرية للثورة السورية حيث بدأت هذه العمليات في عام 2012م.
كما تكمن الأهمية الاستراتيجية لحلب في كونها إحدى أهم النقاط الواصلة بين الشطرين الشمالي والجنوبي من سوريا, ويعزز موقعها السيطرة على شبكة الطرق البرية المؤدية إلى العاصمة دمشق.
عسكريا: تكتسب هذه الطرق أهمية استراتيجية في الحرب القائمة كطريق خناصر-حلب الذي تحكمت به قوات نظام الأسد رغم تهديد فصائل الثورة لهذا الطريق مرارا.
هنا تجدر الإشارة إلى أن من بين المسائل التي ركزت عليها الميليشيات الشيعية السيطرة التامة على مفاصل الطريق الوحيد بهدف إحكام القبضة على المدينة بوصفها مركز ثقل جغرافي مثلما أنها مركز ثقل سكاني, ومركز للحراك الثوري والتحشيد الجماهيري الداعم للثورة.
في ظل هذه المعطيات يمكن تفسير التعامل المبكر مع حلب حيث هاجمتها قوات الأسد في عام 2011 م لخنقها قبل الانفجار حيث اعتقلت غالبية الناشطين والمعارضين واقتصر الحراك الثوري على قصر العدل والمدينة الجامعية وتمدد الحراك في أرجاء المدينة وسط حملة قمعية قامت بها قوات الأسد وميليشيا الشبيحة، الأمر الذي دعا "لواء التوحيد" وفصائل معارضة في ريف حلب إلى دخول المدينة والسيطرة على غالبية أحيائها.
مجريات المعارك في مدينة حلب:
تكشف المعارك في حلب بعد خسارة فصائل الثورة الجزء الأكبر من المناطق المحررة ملامح للخطط العسكرية والتكتيك المتبع والنتائج التي سيجري الوقوف على مفرداتها بالقدر الذي يرصد ما يجري ويفسر تفاعلاته المهمة لما بعد حلب.
أولاً- فصائل الثورة المسلحة في حلب:
تشمل عدة ألوية عسكرية أسست خلال فترة الثورة وتملك أسلحة خفيفة ومتوسطة اغتنموا جزءاً منها في مواجهات سابقة مع قوات نظام الأسد وشكلت بعد الحصار ما يسمى (جيش حلب) بالإضافة إلى تشكيلات عسكرية أخرى يتم التنسيق بينهما أثناء خوض المعارك المشتركة.
ثانيا- قوات نظام الأسد والميليشيات الشيعية والطائفية:

تمثل هذه القوات الطرف المواجه لفصائل الثورة وتتكون من (حزب الله الشيعي اللبناني, حركة النجباء الشيعية العراقية, لواء فاطميون الشيعي الأفغاني, قوات (ب ي د) الكردية, لواء القدس الفلسطيني) ويملكون أسلحة ثقيلة ويستخدمون عربات أمريكية من نوع "همر" جاؤوا بها من العراق, حيث تدعم واشنطن الحشد الشيعي الذين هم جزء منه, إضافة إلى دبابات روسية الصنع ومن بقايا قوات نظام الأسد ومهمتها أمنية لوجستية علاوة على دعمها بالطيران الروسي وذاك التابع لنظام الأسد.
خطط المواجهات: جرى القتال في حلب وفق خطط ارتبطت بالعلاقات الروسية الأمريكية فرضها تدافع الأحداث السياسية والعسكرية.
فروسيا التي وضعت حلب في المزاد العلني لمساومة واشنطن على تسوية قضايا دولية كأوكرانيا والدرع الصاروخي ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها, لم تقنع واشنطن التي تركت حلب عرضة للتدمير الوحشي بمنعها أسلحة مضادة للطيران .
لذلك اتبعت روسيا في خططها العسكرية سياسة إراقة الدماء وإرهاق واستنزاف فصائل الثورة المسلحة داخل المدينة من خلال فرض حصار خانق على الأحياء المحررة بعد إحكام سيطرتها على طريق "الكاستيلو".
وهذه الاستراتيجية الهدف منها إنهاك الخصم والتحول إلى وضعية الهجوم وتطويره بالتركيز على قصف الأحياء المحررة بكافة أصناف الأسلحة الفتاكة المحرمة دوليا سواء من خلال الطائرات الحربية الروسية أو صواريخ أرض- أرض أو المدفعية الثقيلة.
ومن خلال عمليات الالتفاف التي قامت بها الميليشيات الشيعية المهاجمة وقوات الشبيحة المساندة لها في أكثر من حي سقطت مواقع عديدة كمدينة هنانو والصاخور والهلك شرقي حلب, ووضع مقاتلو الثورة بين فكي كماشة بفعل ذلك الالتفاف وباستثمار ضربات الطيران الوحشي ووسائط النيران الأخرى, إذ بلغت تلك الغارات في يوم واحد 120غارة بهدف منع أية محاولة للتجمع وشن هجوم مضاد .
وكان هدف تلك الغارات التي تجاوزت خلال الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 320 غارة والهدف منها قتل أكبر عدد من المدنيين وتدمير المباني بمن فيها وإضعاف الروح المعنوية عند المقاتلين الذين تجمعوا في أحياء حلب الجنوبية الغربية, ومهد للاستيلاء على جبل بدرو ومنطقة طريق الباي والقاطرجي والشعار.
تفاعلات المعركة ونتائجها:
ارتبطت معركة حلب بالمعارك التي دارت في الطرف الغربي من المدينة عندما هاجمت قوات الثورة المسلحة المدارس العسكرية وتمكنت من فك الحصار عن مدينة حلب لمدة شهر, وخاضت معركة أخرى في الطرف الغربي من المدينة وتمكنت من الاستيلاء على حي الضاحية ومنيان وقسم من حلب الجديدة.
وفشلت في كسر الحصار عن المدينة لأسباب تتعلق بخطط المعارك والخيارات الاستراتيجية الخاطئة, عندما اتخذت من مناطق محصنة طريقا لها, بدلا من اختيار طرق أسهل
عبر محور الحاضر- الوضيحي- معمل الإسمنت، حيث توجد القوة الضاربة لمعاقل الميليشيات الطائفية.
ويمكن الإحاطة بالنتائج الأولية:
-تسيطر الميليشيات الشيعية وقوات الشبيحة على 50 بالمئة من الأحياء المحررة في حلب.
-لا تزال عدة أحياء بحوزة فصائل الثورة مع تقدم للمليشيات الشيعية في بعض الأحياء الشرقية مثل باب النيرب.
تداعيات معركة حلب:
ترتبط السيطرة على حلب ارتباطا وثيقا بخطط نظام الأسد المستقبلية في توسيع دائرة الصراع مثل: ريف حلب الجنوبي والغربي وصولا إلى محافظة إدلب، وربما يكون ذلك مدخلا لمواجهة عسكرية تفضي إلى نتائج لا تزال مرتبطة بالتفاهمات الدولية فيما بعد حلب.
لذلك يستميت نظام الأسد والميليشيات المساندة له للاستيلاء على كامل المدينة تمهيدا للدخول إلى مناطق أخرى وحصر مقاتلي الثورة في حيز جغرافي مغلق.
لكن الأسد لا يملك القرار أو الإرادة السياسية لأنه واقع تحت حسابات ومصالح روسية, كما أن الولايات المتحدة لا يسرها انتهاء الحرب في سوريا عموما, فإطالة الحرب تستنزف كافة أطراف الصراع.
أما بعض الدول الاقليمية تنظر إلى تحقيق أمنها الداخلي بصرف النظر عن نتائج معركة حلب.
خلاصة- آفاق المواجهة المحتملة في حلب:
كل معركة يكون فيها طرف خاسر وآخر منتصر, وخسارة حلب ليست سهلة بنتائجها على الثورة, وليست هي نهاية المطاف, فما الذي أعدته المعارضة المسلحة للحفاظ على ما تبقى من أحياء محررة, خاصة أن ما جرى يدفع الفصائل للقتال مجددا لكسر الحصار واستعادة ما خسروه؟.
الإجابة عن هذا السؤال يتوقف على الإرادة السياسية التي كانت سببا في نتائج معركة حلب الجارية, فالواجب تحرير الإرادة السياسية من الحسابات الضيقة والمخاوف المتعلقة كي لا تسقط ما تبقى من حلب المحررة, أما إذا ظلت على حالها فإن معارك أخرى في انتظار مناطق أبعد من حلب وتستمر حتى يوقفها حل سياسي .
كما أن عقبة أخرى تقف أمام عجلة الحرب وهي المواقف الدولية التي يمكن رصدها من خلال تلاعبها بمسار الثورة السورية التي لا يمكن إطفاء شعلتها.

مقالات ذات صلة

توثيق مقتل 89 مدنيا في سوريا خلال تشرين الثاني الماضي

النظام يواصل استهداف ريف حلب بالطائرات "الملغمة"

جرحى مدنيون بقصف لقسد على الباب شرق حلب

إسماعيل بقائي "نؤكد أهمية الجهود المشتركة في ضمان أمن واستقرار المنطقة"

قوات عشائرية تغلق معبر الحمران شرق حلب

تصريح من الأمم المتحدة بشأن تصعيد روسيا والنظام شمال غرب سوريا