middleeasteye – ترجمة بلدي نيوز
في 17 تموز، قامت قوات بشار الأسد، بدعم من ميليشيات YPG الكردية ومقاتلي حزب الله اللبناني، بالاستيلاء على طريق الكاستيلو شرقي حلب، الطريق الوحيد للدخول والخروج من الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة السورية في المدينة، لقد أعاق ذلك توزيع المساعدات الإنسانية إلى أكثر من300،000 شخص يعيشون في هذه الأحياء، بالإضافة لعرقلة إجلائهم إلى مناطق أكثر أمناً.
يلقي هذا الحصار بظلاله القاتمة على سكان حلب الشرقية، والذين يعيشون تحت سياسة تجويع ممنهج فرضتها ظروف الحصار: لقد أصبح هنالك شحٌّ كبير في المواد الغذائية الأساسية، بينما أصبحت المستلزمات الطبية المنقذة للحياة نادرة على نحو متزايد، ولأن الأسعار قد ارتفعت جداً نتيجة لذلك، فإن معظم سكان حلب الشرقية أصبحوا في مواجهة خيارين لا ثالث لهما، إما الاستسلام لقوات الأسد أو الموت جوعاً.
لسوء الحظ، فإن وضع سكان حلب الشرقية، ليس بفريد من نوعه في البلاد.
- السوريون تحت الحصار
وفقا لتقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، اعتباراً من يوليو من عام 2016، فإن هنالك 13.5 مليون شخص في حاجة ماسّة لمساعدات إنسانية في سوريا، منهم ما يزيد عن 5،470،000 يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، بما في ذلك 550،000 من الأشخاص الذين يعيشون في 18 موقعا محاصراً - كما يسميها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
ومع ذلك فإن العديد من المراقبين، يجادلون بأن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يقلل من عدد المواقع المحاصرة، فضلاً عن أعداد السكان السوريين الذين يعيشون تحت الحصار المفروض من قبل قوات موالية للأسد، وتنظيم "الدولة"، ومن بين هؤلاء المراقبين منظمة "مراقبة الحصار الدولية" والتي تهدف لتزويد المجتمع الدولي بمعلومات موثقة بشكل شبه يومي، حول المجتمعات السورية المحاصرة.
لقد ثبتت حتى الآن، الصعوبة الشديدة في تقديم المساعدات الإنسانية لهذه المجتمعات: حيث أن قوافل الأمم المتحدة وشركائها تخضع لسلطة الحكومة التي يقودها الأسد، والذي نفى وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان الذين يعيشون تحت الحصار في حين قام بعرقلة وصولها، وعلى الرغم من أن قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 2139 لعام (2014)، 2165 (2014)، 2191 (2014)، 2254 (2015) و 2258 لعام (2015)، يأذن لوكالات الأمم المتحدة وشركائها بتقديم المساعدات إلى هذه المناطق دون موافقة الحكومة السورية.
إن عدم قدرة الأمم المتحدة على تقديم المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين يعيشون في الأماكن المحاصرة ولّدت غضباً دولياً أعقب اثنين من الأحداث الهامة: أولاً، الإستجابة المتأخرة للأمم المتحدة حول حصار مضايا، البلدة السورية الواقعة قرب الحدود السورية اللبنانية، ثانياً، إعادة النظر في خطة الاستجابة الإنسانية في عام 2016 حول سوريا.
في يناير كانون الثاني من عام 2016، في رسالة مفتوحة موجّهة إلى ستيفن أوبراين، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، اتّهم 112 من عمال الإغاثة الذين يعيشون في المناطق المحاصرة في سوريا الأمم المتحدة بأنها أصبحت "أداة سياسية للحرب"، كما احتجّوا على أن "سياسة النظام في الاستسلام أو الموت جوعا باتت تقتلنا حقاً، ولكن وبدلاً من استخدام الأمم المتحدة لصوتها في الاعتراض على ذلك، فإنها قامت بختم ختمها في الموافقة على ذلك الحصار."، وعلاوة على ذلك فقد جاء في الرسالة أيضاً "لأولئك الذين لا يزالون واثقين في نزاهة الأمم المتحدة، فإن القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير ظهرت قبل بضعة أسابيع، لقد أكّدت الأخبار بأن موظفي الأمم المتحدة وافقوا على طلب حكومة الأسد والذي قُدِّمَ في اللحظة الأخيرة، لإزالة عبارة "حصار" أو "محاصر" من جميع الصفحات الـ64 في خطتكم للاستجابة الإنسانية لعام 2016 -وثيقة جمع التبرعات الرئيسية للأمم المتحدة."
بعد وقت قصير من صدور هذه الرسالة المذكورة أعلاه، كتب أوبراين مذكّرة أكد فيها قائلاً: "يمكنني أن أؤكد لكم بأن الأمم المتحدة ليست مقرّبة من أي من الأطراف، وليست تتصرف بمثل تلك الطريقة لتشجيع استخدام تكتيكات الحصار، إن من واجبنا أن نكون محايدين ومستقلين، وأن نبقى على اتصال دائم مع جميع الأطراف للتفاوض لوصول المساعدات الإنسانية دون أي عائق وبشكل آمن لأولئك الذين هم في حاجة لها، وذلك بغضّ النظر عن كيف أو لماذا نشأت حاجتهم تلك".
وعلاوة على ذلك، أكّد أوبراين في تصريحه الأخير لمجلس الأمن الدولي، بأن "تنظيم إيصال المساعدات يجب أن يظل على عاتق الأمم المتحدة وشركائها على أساس الحاجة، إذ أن هذا الأمر يجب ألّا يخضع لأي اعتبارات سياسية أو غيرها".
في مايو 2016، استفاد أكثر من 5.5 مليون مدني سوري من المساعدات الغذائية للأمم المتحدة، ونحو 1.5 مليون من الإجراءات الطبية المقدمة، ومع ذلك يواصل البعض القول بأن ممثلي الأمم المتحدة يشعرون بالقلق من تنفير حكومة الأسد، في حين لاحظ غيرهم أن وصول المساعدات الإنسانية لا يزال غير متناسق وغير كاف بسبب القيود المفروضة على إيصالها.
إذا ما كانت الأمم المتحدة قد فشلت بأن تبقى محايدة أم لا، لا يزال موضع جدل بالنسبة لبعض المراقبين، ولكن وما هو واضح أنه واستخدام "سياسة الإستسلام أو التجويع" فإن النظام السوري يقوم علناً بانتهاك قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 2139 (2014)، 2165 (2014)، 2191 (2014)، 2254 (2015)، و2258 (2015)، والتي تدعو لوصول المساعدات الإنسانية دون أي عوائق أو عرقلة، وإمكانية العبور إلى جميع المناطق في سوريا، إن هذه الإنتهاكات تشير إلى وجود فشل واضح لمجلس الأمن الدولي، الهيئة الدولية المكلفة بحماية المدنيين في الصراعات، وفرض القانون الإنساني الدولي، وإحالة القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) للتحقيق في جرائم الحرب.
يمكن القول اليوم بأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن يقومان بالسماح لنظام الأسد باستخدام التجويع المنهجي للشعب السوري بشبه حصانة تقيه العقوبات.
- فشل المجتمع الدولي
كما جاء في البروتوكولات الإضافية لعام 1977 (البروتوكول الأول والبروتوكول الثاني) لاتفاقيات جنيف لعام 1949، فإن التجويع المتعمّد للسكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، هو جريمة حرب تخضع لإجراءات مقاضاة، بالإضافة إلى ذلك، وبموجب المادة 23 من إتفاقية جنيف الرابعة، فإن المساعدات الإنسانية للمدنيين ينبغي لها أن تتمتع بحق المرور الحر من خلال جميع خطوط القتال، إن كان المقصود بتلك المساعدات "الأطفال دون سن 15 والنساء الحوامل والنساء في حالات الولادة"، كما يمكن أن يتم حصول استثناء أوسع عندما يكون جميع أو جزء من السكان المدنيين في الأراضي المحاصرة غير مزودين بشكل كاف بالإحتياجات الرئيسية.
إن هذه القواعد تحكم على النزاعات المسلحة الدولية، والتي وفقا لشرح اللجنة الدولية للصليب الأحمر على المادة 2 من اتفاقية جنيف الأولى، لا توجد إلا إذا ما تمّ إشراك دولتين بشكل مباشر في الصراع، وبعض النزاعات المسلحة غير الدولية (الصراعات ما بين الدول والجهات الفاعلة الغير دولية، أو ما بين الجهات الفاعلة غير الحكومية).
للأسف الشديد، فإن هذه القواعد لا تحكم على الصراع ما بين السلطات في الدولة، في هذه الحالة، نظام الأسد - وشعبه - الشعب السوري.
ونتيجة لذلك فإن أي مقاضاة حول جرائم حرب تتعلق بالصراع السوري، ستعتمد على شكل قانون الحظر الدولي العرفي المطبّق في النزاعات المسلحة غير الدولية.
إن اللجنة الدولية، والتي تراقب إلتزام الأطراف المتحاربة باتفاقيات جنيف، تعتبر وجوب حظر استخدام سياسة تجويع المدنيين عمدا بكونه جزء من القانون الدولي العرفي، بغضّ النظر عن تصنيف ذلك الصراع، وبغض النظر عن تعريفه، إن كان صراعاً دولياً مسلحاً، أو نزاعاً مسلحاً غير دولي.
للأسف الشديد، لا يمكن قضائياً ملاحقة ومقاضاة من يقوم بتجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، أمام المحكمة الجنائية الدولية، فقط عندما يحصل ذلك في نزاع دولي.
لكن العزاء يكمن في أن مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية يمكن اتهامهم ومحاكمتهم بغض النظر عن ما إذا كان هنالك نزاع دولي مسلح أم لا، إذ أن أي محكمة مختصة بالجرائم ضد الإنسانية يمكنها محاكمة الأشخاص المسؤولين عن الظروف البغيضة التي تمرّ بها سوريا.
كما ورد في صيغة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الجريمة ضدّ الإنسانية المتمثلة "بالإبادة" لا تشمل فقط على القتل الجماعي المباشر والمتعمّد للمدنيين، ولكن أيضاً في الظروف التي تفرض عمداً على حياتهم والتي "يراد بها تدمير جزء من السكان،" بما في ذلك "الحرمان من الحصول على الطعام والدواء" بشكل يؤدي إلى موتهم، وهذا يجسّد بشكل كبير الوضع المأساوي في سوريا.
إلى أن تقوم المحكمة الجنائية الدولية بمقاضاة الأسد ومساعديه، لارتكابهم لجرائم ضد الإنسانية، سيستمر المجتمع الدولي بسياساته، بإسهامه في إدامة أمد الحرب في سوريا.
*تانيا إلديفونسو أوكامبوس: المحللة السياسية الإسبانية والمتخصصة في إستراتيجية الإتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط، والمتدربة السابقة في (وحدة الشرق الأوسط في المديرية العامة للبرلمان الأوروبي للسياسات الخارجية الأورو-متوسطية)، كما تحمل درجة الماجستير في تاريخ الشرق الأوسط.