The New York Times – ترجمة بلدي نيوز
الأمم المتحدة - لأول مرة منذ بدء "الحرب السورية" منذ خمس سنوات، وافقت القوى العالمية يوم الجمعة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على تبني خطة لوقف إطلاق النار والاتفاق على عملية سلام ذات احتمالات بعيدة لإنهاء الصراع السوري.
قرار بالإجماع من قبل مجلس الأمن، هو ثمرة جهد عدة أشهر من قبل المسؤولين الأميركيين والروس، الذين كانوا على خلاف حول مستقبل سوريا، للعثور على المصالح الوطنية المشتركة لوقف القتل، حتى لو لم يتفقوا بعد على مستقبل سوريا في نهاية المطاف .
ولكن لا تزال هناك خلافات حادة يجب التوافق عليها بين المواقف الأميركية والروسية، وشك كبير حول ما إن كانت الخطة سوف تطبق على أرض الواقع، مع وجود قوات النظام التي تركت سورية في حالة خراب، وقتلت اكثر من 250.000 وأدت إلى نزوح أربعة ملايين لاجئ خارج البلاد وزعزعة استقرار الدول المجاورة.
وقال وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري": "إن المجلس لديه رسالة واضحة إلى جميع المعنيين بأن الوقت قد حان لوقف القتل في سوريا وتمهيد الطريق لتشكيل حكومة توحد سورية".
وفي وقت لاحق يوم الجمعة، أضاف كيري: "لا أحد هنا في مجلس الأمن يقول بأن الطريق لعملية سلام سيكون معبداً وسهلاً، بل هو معقد وسيبقى معقد، ولكن على الأقل سيطالب جميع الأطراف بالمجيء إلى طاولة المفاوضات".
ولكن القرار لم يُشر ما إذا كان "الرئيس السوري"، بشار الأسد، سيكون قادراً على خوض الانتخابات الجديدة، التي ستجرى في غضون 18 شهراً من بداية المحادثات السياسية.
وحسبما اتفق وزير الخارجة الأمريكي ونظيره الروسي سيرجي لافروف، هذه العملية ستبدأ في وقت مبكر من كانون الثاني، ولكن سرياً قال مسؤولون أنهم يعتقدون أن الأمر سيستغرق وقتاً أطول.
وقد توضحت الفجوة المتبقية بين الجانبين الروسي والأمريكي في نهاية المؤتمر الصحفي مساء، عندما أشار السيد كيري إلى أن 80 % من الضربات الجوية الروسية تقصف جماعات المعارضة التي تقاتل الأسد، وليس تنظيم الدولة، الأمر الذي رد عليه لافروف بقوله أن روسيا قد طلبت من أمريكا منذ شهرين ونصف تنسيق العمليات العسكرية.
ومع ذلك، فإن القرار الذي وافق عليه أعضاء المجلس الخمسة عشر بالإجماع، يعطي مباركة لمجلس الأمن للتوصل إلى حل سياسي لأول مرة. ومع ذلك، فإنه يشير إلى ضيق الفجوة الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو، فلا يزال من غير المؤكد إن كانوا قادرين على تهدئة المتنافسين في المنطقة وعلى رأسهم السعودية وإيران، والأصعب هو كيفية ترجمة التوافق الدقيق الذي تحقق على الورق إلى تغيير حقيقي على أرض الواقع.
على الورق، يبدو القرار الأممي مذهلاً لطموحه، فهو يضع تقرير مصير الرئيس الأسد تحت رعاية الأمم المتحدة، مما يجعل من الصعب على الأسد السيطرة على التصويت، وعلى وجه التحديد يتطلب من جميع السوريين بما في ذلك "السوريين في الشتات" بأن يشاركوا في التصويت، في صيغة وضعت في فيينا في تشرين الثاني، هذا وقد راهن جون كيري بأنه إن صوت جميع السوريين في الشتات _ فإن الأسد لن يفوز أبداً.
لكن الروس والإيرانيين قد منعوا أي مناقشة صريحة ما إذا كان الأسد، الذي يعتمد على موسكو وطهران للحصول على الدعم العسكري والمالي بسبب وضعه الحرج، ممكن أن يحاول البقاء في منصبه.
ومن إحدى مضاعفات هذا القرار، تصريح لافروف بعد التصويت أنه لن يكون هناك أي تحرك لتغيير النظام، واستشهد بصدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا كأمثلة_ حيث أدى التدخل الأمريكي إلى حالة من الفوضى.
وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع السيد كيري: "علينا أن نحاول تجنب الأخطاء التي ارتكبناها في الماضي، الشعب السوري هو من سيقرر مستقبله بنفسه، والذي يشمل أيضاً مستقبل الرئيس السوري".
ما تم إغفال ذكره من المحادثات هو الرجل الذي كان مركز العاصفة في سورية: وهو الأسد الذي رمى القنابل والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية وقام بمجازر وحشية أثارت سخط شعبه، بحيث يصر منتقدوه على انه لا يمكن أن يحكم البلد بعد الآن.
من جهته رد الأسد لمحطة تلفزيون هولندية يوم الخميس بازدراء وسخرية على احتمال صدور قرار من مجلس الأمن بتنحيته قائلاً: "لقد كنت أجهز أمتعتي للمغادرة، والآن أستطيع البقاء".
هذا وجاءت جلسة مجلس الأمن بعد اجتماع سابق في نيويورك مع كبار الدبلوماسيين من أكثر من اثني عشر بلداً ممن لهم حصص في الصراع، وكان من بينهم الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس، جنباً إلى جنب مع وزراء خارجية كل من تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي.
القرار يلتزم بما يعرف ببيان جنيف الذي تم التوصل إليه قبل ثلاثة أعوام ويعتبر حاسماً من قبل القوى الغربية، التي تقترح تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة.
وقال كيري للصحفيين بعد اجتماع المجلس أن الخطوات التي يتعين اتخاذها لتشكيل حكومة انتقالية ستتم في غضون ستة أشهر، نافياً بشدة أن يكون الاتفاق بشأن مصير الأسد قد تأجل، قائلاً بأنه ليس بأمر مرفوض بل هو فقط سيكون في الوقت المناسب".
إحدى العقبات أمام تنفيذ القرار، هو تحديد جماعات المعارضة التي ستشارك في المحادثات المزمع عقدها الشهر المقبل، وعما إذا كانت ستوافق على الجلوس الى طاولة المفاوضات بدون ضمان خروج الرئيس الأسد، وحتى الأسد لم يقل إن كان سيوافق على المشاركة - على الرغم من أنه سيكون تحت ضغط من روسيا وإيران للقيام بذلك.
كما أن اتفاق وقف إطلاق النار في سورية له تحدياته الخاصة، فليس من المتوقع تطبيقه على جميع انحاء البلاد - وبالتأكيد ليس على المناطق الشاسعة التي تحتفظ بها الدولة الإسلامية - وفكرة إرسال مراقبين لمراقبة تنفيذه يبدو أمراً غير وارد، وبالتالي القرار يعطي الامين العام لأمم المتحدة " بان كي مون" شهراً واحداً حتى يخبر مجلس الأمن كيف سيتم تنفيذ وقف إطلاق النار في سورية، وكيف ستتم مراقبته.
ومع أن هذا القرار يعد انتصاراً كبيراً للسيد كيري الذي جمع بين السعوديين والروس والإيرانيين في سلسلة من الاجتماعات في فيينا وفي أماكن أخرى خلال الثلاثة أشهر الماضية، إلا أن الولايات المتحدة تتراجع شيئاً فشيئاً عن موقفها السابق المطالب بتنحية الأسد فوراً - والذي كان موقف الإدارة الامريكية في عام 2011، ويبدو أنها الآن لا تريد إجباره على التنحي، فمع صعود تنظيم الدولة هناك خوف أن يشغل التنظيم أو جماعات إرهابية الفراغ في دمشق في حال ذهاب الأسد.
وقال كيري أن الهدف الأميركي المباشر هو هزيمة تنظيم الدولة، وأن العمل العسكري سيكون بالمضي قدماً إلى الحدود السورية الشمالية، لكنه أيضاً أوضح بأن من أهداف الولايات المتحدة، والذي ترفضه إيران وروسيا، هو إزالة الاسد لأنه فقد المصداقية الأخلاقية ليحكم البلاد، وإن كان المبتغى هو إنهاء الحرب فينبغي على الشعب السوري اختيار بديل عن الأسد.
في نهاية المطاف، تصور كيري لسورية هو من جهة واحدة حيث تريد الولايات المتحدة هزيمة التنظيم والخروج من عصر الأسد، لكن السعوديين يعتقدون أن العملية السياسية ستفشل، والإيرانيون يأملون فشلها في نهاية المطاف_ لتحتفظ إيران بأكبر قدر من السيطرة على مستقبل سورية ولتظهر قوتها في الشرق الأوسط.