بلدي نيوز – (ميرفت محمد)
على أرض الواقع، ربما يجب التسليم أن الفاعل الروسي هو المهندس الرئيس لعلاقات النظام السوري وتعاملاته وسياساته المحلية والخارجية العسكرية منها أو الإدارية أو الاقتصادية أو الأمنية.
إذ انخرط الروس بتفاصيل المشهد السوري، عبر أربع أدوات متوازية؛ أولها الحل العسكري؛ وما يستلزمه من ادعاءات إعلامية؛ وأدوات التحكم والتبعية الاقتصادية؛ بالإضافة إلى خطة "النصر" السياسية، إذ تشكل هذه الأدوات بمجموعها مناخاً مناسباً لتعميم مقارباتها السياسية على الجغرافية السورية من جهة، وتعزز من قدرتها على التحكم بكافة المسارات واتجاهاتها.
وفيما يبدو أنه من الأهداف الروسية إعاقة مد خط نقل الغاز من قطر باتجاه أوروبا عبر سوريا، بغية صد مساعي أوروبا في تخفيف اعتمادها على الغاز الروسي، تتلاحق الجهود الروسية في استثمار الطاقة السورية والسيطرة عليها، بالبر والبحر، إذ باشرت مؤخرًا شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية أعمال الصيانة لمناجم "الشرقية وخنيفيس" للفوسفات والتي تعد الأكبر والقريبة من مدينة تدمر الأثرية، حيث تعد كمية الفوسفات في سوريا كبيرة نسبياً، وتعد من أبواب الإيرادات التي تدعم خزينة الدولة.
غايات التبعية الاقتصادية
في بداية حديثه، يشير الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية (معن طلّاع) إلى تعدد أسباب دعم الإدارة الروسية للنظام السوري، إذ تتعدى الأسباب الجيوسياسية والأمنية لتشمل غايات التبعية الاقتصادية لاسيما فيما يتعلق برغبة موسكو امتلاك القدرة على تعطيل اتخاذ أي قرار يتعلق بقطاعات الطاقة، والتحكم في خارطة طرق الإمداد المحتملة المرور من سوريا.
وحسب (طلّاع) تحرص موسكو على أن تكون لها كلمتها في منطقة الغاز الناشئة في شرق المتوسط، التي تشمل قبرص وإسرائيل ولبنان وتركيا، ويوضح: "تحاول الإدارة الروسية تعزيز ذلك عبر سياستين: الأولى تتعلق بضرورة عمل الشركات الروسية على الاستثمار أو الهيمنة للمخزون الطاقوي المكتشف في المنطقة، والثانية تستند على سياسة الدعم والمساندة الاقتصادية لنظام الأسد للحصول على امتيازات مهمة في مجال الطاقة وخطط إعادة الإعمار".
فيما يتعلق بإيران، يوضح (طلّاع) خلال حديثه لـ"بلدي نيوز" أنه تبدو الأسباب الاقتصادية تحتل مرتبة متأخرة في سلم أولويات السياسة الإيرانية في سوريا، وذلك لصالح الأسباب الجيوسياسية والأمنية ورغبة طهران بالحفاظ على سيطرتها على دمشق، المركز الحيوي في مشروعها الإقليمي، هذا من جهة ومن جهة أخرى تكرس سياساتها العسكرية لصالح الحفاظ على خطوط الإمداد الأسلحة لحزب الله وخطوط إطلالتها على المياه الدافئة وكل تحركاتها في البادية والقلمون وحتى تلك التحركات على الطرف العراقي تصب في صالح أمور أمنية ومصالح في اعتمادها من التحالف الدولي كشريك رئيسي في مكافحة الإرهاب.
وييبن (طلّاع) أنه "عملياً لا تعارض ولا تنافس استراتيجي بين طهران وموسكو، فالعلاقة بينهما علاقة قائد محور وعضو رئيسي في هذا المحور، فطهران لا ترى خياراً ناجعاً لها سوى تمتين هذا التحالف وكذلك موسكو التي ترى حاجة في الاتكاء على طهران لأسباب تتعلق "بالنجاعة العسكرية".
رهن مستقبل سوريا الاقتصادي
يعتبر أستاذ الاقتصاد واستراتيجيات الإدارة (د.عبد الرحمن جاموس) أن الموضوع الأخطر في تاريخ سوريا هو إبرام اتفاقيات مع الاتحاد الروسي وإيران دون أن تعرض بنود الاتفاق الرئيسية.
ويستشهد (جاموس) بما تم الحديث عنه مؤخراً حول توقيع عقود بين شركات روسية ووزارة النفط والثروة المعدنية السورية، مضيفًا لـ"بلدي نيوز": "الغريب في الأمر أن الشركة ستلتزم في تحرير وحماية مناطق الآبار والمنشآت النفطية والمناجم مقابل حصولها على نسبة كبيرة من الإيرادات لفترة غير معلومة، مما يعني رهن مستقبل سوريا الاقتصادي بيد شركات أجنبية"، ويشدد (جاموس) على أن الأخطر هو أن تكاليف العمليات العسكرية اللازمة لا تندرج ضمن بنود الاتفاق، مما يعني أن التكاليف ربما ستدفع بشكل منفصل ومن الخزينة السورية، إما نقداً أو على شكل قروض، موضحًا: "كلنا نعلم أن العمليات العسكرية مستمرة وبالتالي إذا استمرت الحرب لسنين تصبح الإيرادات النفطية لا تغطي التكاليف العسكرية التي تم دفعها".
وفيما يتعلق بصفقة الفوسفات التي يتم الحديث عنها الآن، يرى (جاموس) أن هذه العقود لا يمكن تسميتها إلا بـ "صفقات التسليم" للروس والإيرانيين، حيث تمر سوريا في مرحلة جني المكاسب وطبيعي أن تحصل منافسة بين الروس والإيرانيين، وتابع القول: "سبق أن أبرمت اتفاقيات مشابهة مع إيران مثل تسليم خمسة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية وألف هكتار لإنشاء مستودعات ومحطات للنفط والغاز، ورخصة تشغيل للهاتف المحمول، ومشاريع لتربية الماشية".
اتفاقيات مكنت موسكو من الاقتصاد السوري
يشدد الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية (معن طلّاع) على أن موسكو استندت إلى "دوافع مساندة الدولة اقتصادياً" لتثبيت عدة اتفاقات وتفاهمات تسهم في تعزيز تحكمها في خارطة الطاقة من جهة وتكرس تبعية الدولة السورية الاقتصادية لموسكو واحتكارها لمواردها.
ومن هذه الاتفاقيات، ما وقع في مجال الطاقة بين وزارة النفط والثروة المعدنية السورية وشركة (سيوز نفط) الروسية، والتي حصلت موسكو بموجبها على حق التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الممتدة من جنوب شاطئ طرطوس إلى محاذاة مدينة بانياس وبعمق عن الشاطئ يقدر بنحو 70 كيلو مترًا وبمساحة إجمالية تصل إلى نحو 2190 كيلو مترًا مربعًا، بالإضافة إلى حق التنقيب في حقل قارة في حمص الذي يحوي على 437 بليون متر مكعب من الغاز حسب تقديرات هيئة المسح الجيوبوليتيكة الأمريكية، والتي أكدت أن الساحل الشرقي للمتوسط يحتوي على مخزون من الغاز يقدر بـ 700 بليون متر مكعب.
ويشير (طلّاع) إلى أنه يظهر تهافت الروس على دعم النظام السوري للحؤول دون سيطرة أحد غيرها على هذا المخزون ومنافستها على أسواقها، حيث تم توقيع ثلاثة بروتوكولات للتعاون في المجال الجمركي بين مديرية الجمارك العامة وهيئة الجمارك الفيدرالية في روسيا الاتحادية في أواخر عام 2016، وذلك حول تنظيم المعلومات التمهيدية ما قبل وصول البضائع والمركبات التي يتم نقلها بين البلدين وتبادل المعلومات المتعلقة بالقيمة الجمركية للبضائع المنقولة بين روسيا الاتحادية وسوريا والتعاون في مجال تبادل المعلومات والمساعدة المتبادلة وفقا للنظام الموحد للأفضليات التعريفية للاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
كما عملت روسيا على توسيع التعاون بمشاريع نفطية ضخمة تتعلق بالتنقيب واستخراج النفط والغاز وإعادة بناء البنية التحتية للطاقة وتطويرها، كما تم توقيع اتفاق "القمح والوقود مقابل مشاريع إعادة الإعمار"، إذ طلبت حكومة النظام في آذار /2016، من موسكو، تزويدها بالقمح والوقود لتخفيف حدة النقص والمعاناة الناجمة عن الحرب، وعرضت في المقابل – على لسان وليد المعلم - إعطاء الشركات الروسية أولوية في إعادة الإعمار.
وقامت روسيا بتأسيس عدة معامل روسية، بالتوازي مع حركة الاستيراد والتصدير بين الجانبين، وخلال شهر آب 2016، رصد رجال أعمال روس 250 مليون دولار لتأسيس معامل من أجل إنتاج البطاريات والإطارات، ومعمل لإنتاج البيرة ومشروع لإقامة معمل للبرادات والغسالات والأفران وآخر لإقامة محولات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أعلنت الشركة الروسية المصنعة لسيارات "لادا"، أنها دخلت الأسواق السورية بأسعار منافسة.
واهتم الروس بسياحة الحرب الروسية في سوريا، إذ افتتح الروس العام الحالي بإعلان شركة روسية حصولها على رخصة تشييد سياحية، بعد تقديمها لمخططات استثمار موقع جول جمال السياحي في اللاذقية، بكلفة إجمالية وصلت إلى 22 مليون يورو، وفي المقابل، أعلنت إحدى الشركات الروسية السياحية تنظيم رحلات إلى خطوط الجبهات في سوريا، وحجزت علامتها التجارية بعنوان "سياحة الأسد"، كما عملت روسيا على توسيع مرفأي اللاذقية وطرطوس، إذ ذكرت وكالة "سبوتنيك" الروسية، أن وزارة النقل التابعة للنظام اتفقت مع شركتين روسيتين لتطوير وتوسيع مرفأي طرطوس واللاذقية.