"عبير ومصطفى".. جمعهما الحب وفرقتهما حرب الأسد - It's Over 9000!

"عبير ومصطفى".. جمعهما الحب وفرقتهما حرب الأسد

بلدي نيوز – (ليلى حامد)
كتب إليها آخر الحروف على منديلٍ قماشي، كان احتفظ به لنفسه وقد طرزته والدته ليهديه لحبيبته بعد تخرجهما من الجامعة، وإن كانت أمه موافقةً على الارتباط على مضض.
"مصطفى، وعبير" جمعهما مقعد الدراسة والثورة، وفرّقت بينهما تقاليدٌ اجتماعية في أصلها ترجع إلى اختلاف طائفتهما، وكذلك الحرب التي فرضها نظام الأسد على معارضيه.
يعيش "مصطفى" ابن مدينة دمشق في مدينة إدلب، متنقلاً بين الجبهات مع أحد فصائل الجيش الحر، رافضاً الالتزام بفصيل عسكري، والزواج.
يترنم يومياً مصطفى بترداد أغنية فيروز "سألتك حبيبي لوين رايحين"... حتى يصل إلى تلك الكلمات التي يغنيها ثم يمسح دمعاتٍ من عينيه... "من مين خايفين؟"، مؤكداً لمراسل بلدي نيوز أن اللحن والحروف تكاد تحاكي قصته.
يروي مصطفى لبلدي نيوز، "هتفنا للحرية... تقاسمنا حمل علم الثورة... عادت عبير تلك الليلة إلى منزلها... لأول مرةٍ تعانقني وهي التي اعتدتها محافظةً على تلك المسافة بيننا... امتلكتُ يومها وطني ورجولتي... أخرجتُ المنديل من جيبي، وضعته بين راحتيها، كنت كتبت لها قصيدة بالعامية المصرية لشاعرٍ ﻻ أعرفه، وكثيراً ما رددتها في حضورها الصباحي إلى الجامعة".
يتابع، "إحساس اللحظات الأخيرة مؤلم، مجرد إحساسٍ بالنهاية يدفعك للإصرار على إبقاء من تحب، لكن دون جدوى".
يتوقف للحظات عن الكلام.. أثناء حديثه مع مراسل بلدي نيوز ثم يُخرج سيجارته ويشعلها، ثم ينفث في الهواء بعمقٍ... ويشرب رشفة قهوةٍ كان أعدها منذ ساعتين قبل وصولنا، ويكمل حديثه، "صَعَدَتْ عبير سيارة عصام... كنتُ آمنه على نفسي، لوحت لي بيدها مشيرةً بالنصر، رويداً ابتعدت ولم يرجع عصام ولا حتى عبير، اعتُقلا على طريق الصفصاف من حاجزٍ مؤقت".
يسترسل مصطفى بحديثه قائلاً، "السادس والعشرون من الشهر السادس عام ألفين واثني عشر كان يوماً حاسماً، مفصلياً بتاريخ منطقتنا، محاولة اقتحامٍ فاشلة من قوات الأسد، تصدى لها شبابُ الجيش الحر، وبقيتُ محاصراً داخل مدينتي، ولا أظنني يومها ثأرت لعبير، التي أصبحت نزيلة الزنزانة، وهي التي تكاد رقة يديها تشابه وريقات الياسمين"، حسب وصفه.
تهمتها بحسب مصطفى، المشاركة في أعمال تمس الأمن القومي، والتظاهر مع "الإرهابيين"، غير أنّ عظيم جرمها، أنها من الطائفة الدرزية، فهي تنحدر من محافظة السويداء التي أنجبت "سلطان باشا الأطرش"، والوشاية بها من أحد أقاربها الذي أرادها له، فرفضته لموقفه السياسي من الثورة، علمتُ تلك التفاصيل لاحقاً من والدتها التي طلبت مني الابتعاد عن عبير في حال خروجها من معتقلها، وناشدتني باسم الأمومة، والمحبة الصادقة".
يطفئ مصطفى سيجارته بقسوةٍ في صحن السجائر الممتلئ بالأعقاب ويخرج أخرى، يشعلها، ثم يتأملها طويلاً، يشيح وجهه إلى النافذة، العتمة تلف المكان خارجاً، ينهض سريعاً ويجلس قريباً من تلك الشرفة، مسنداً رأسه إلى الجدار الذي حفر فوقه عبارةً بسيطة "عبير ﻻ تنسي سيرة الحب".
ما يلبث أن يُخرج دفتراً ملطخاً بالدم، يقول بأنه دمه في إحدى المعارك قبل تهجيرهم إلى إدلب، بعد أن انتقل من قدسيا خلسة ليقاتل في الغوطة الشرقية، مستطرداً، "اخترت الغوطة لأنها أقرب إليها، كنتُ أنوي اختطافها إن حدث وحررنا دمشق، سمها حماقة، طيش، لكنني كنتُ سأفعل ما يجعلني أنال وطني وحبيبتي، وهذا دفتر ذكرياتنا، مجرد تواريخ خطتها بيدها ووقعتها بكلمة، بحبك يا صافي القلب".
جمعتهما تظاهرات بلدة قدسيا في الريف الغربي للعاصمة دمشق، ولم يكن وحده المقعد الخشبي البني في كلية الإعلام من عانق لحظاتهما وشهد يداها تغفو بين يديه في البرد، وأثناء المحاضرة في الجامعة.
ينتظر "مصطفى" ذلك اليوم الذي تتحرر فيه سوريا من نظام الأسد، ولديه من الأمل بقدر عشقه -كما يقول- يومها سيسجد على تربة دمشق، ثم يبحث عن عنوان عبير التي عرف أنها لم تتزوج، ولولا العهد الذي قطعه أمام والدتها لاختلف الأمر، وإن كان بين الحين والآخر يحاول أن يهاتفها.
يختم مصطفى، "عبير تنتظر مثلي وطناً لا تلتصق به كنية الأسد، ولحظة عناقٍ طويلة، تنثر فيها شعرها الطويل الأسود فوق كتفي، أخبرتني بذلك إحدى صديقاتنا التي تعاطفت معنا، على الرغم من أنها موالية للأسد".
سيرة الحب... كتبتها الحياة داخل مناطق سيطرة المعارضة والنظام، تشابه في مضمونها حكاياتٌ احتفظ بها بعض الشباب لنفسه، ﻻ يُعلم نهايتها.

مقالات ذات صلة

صحيفة إسرائيلية: النظام وإيران يطوران أسلحة كيماوية ونووية في سوريا

ارتفاع حصيلة قتلى قوات النظام وميليشيات إيران بالغارات الإسرائيلية إلى 150

قضائيا.. مجلس الشعب التابع للنظام يلاحق ثلاثة من أعضائه

روسيا تعلن استعادة 26 طفلا من شرق سوريا

صحيفة غربية: تركيا تعرض على امريكا تولي ملف التظيم مقابل التخلي عن "قسد"

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية