فورين بوليسي - (ترجمة بلدي نيوز)
يبدو أنه وبمساعدة من روسيا قد يستطيع نظام الأسد الدكتاتوري من تجنب العقوبات لاستخدامه المواد الكيماوية ضد شعبه ، فقد عُطّلت الجهود الدبلوماسية لإدارة أوباما لجعل النظام السوري يدمّر كل مخزونه من الكلور والقنابل البرميلية على أساس أن النظام السوري يستخدمها في هجمات ضد البلدات والمدن التي تسيطر عليها المعارضة، وفقاً لمصادر دبلوماسية.
ففي الشهر الماضي، حاولت الولايات المتحدة حشد دعم لقرار يدين استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية في المجلس التنفيذي التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والوكالة الدولية للطاقة، حيث سعت الولايات المتحدة لتجريد دمشق من حقوقها في التصويت في الوكالة إذا ما لم تسمح بتدقيق دولي أوسع في أنشطة الأسلحة الكيميائية المشتبه بها.
وفي مواجهة معارضة من روسيا والبلدان النامية، تقول مصادر دبلوماسية بأن واشنطن سحبت هذا الإجراء مؤخراً، إذ تراجعت الولايات المتحدة يوم الجمعة، لتفسح المجال لتسوية تقدمت بها اسبانيا يدين استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري وتنظيم الدولة، كُلِّف فيه جهاز رقابة الأسلحة الكيميائية لإجراء عمليات التفتيش في المواقع السورية، بما في ذلك المطارات التي ترتبط بأنشطة الأسلحة الكيميائية، في حين أن تلك الاجراءات تؤول دون فرض أي عقوبات على الأسد، أو إجباره على الإعلان عن مخزونه من الكلور والقنابل البرميلية ّ!
وقال مسؤولون أمريكيون وأوروبيون بأنهم كانوا يأملون في رد أكثر صرامة، ولكن تصويت اليوم قد شهد تقدماً هاماً في الجهود المبذولة لخنق الجناة لاستخدامهم للأسلحة الكيميائية، وخصوصا تقييد تصرفهم السياسي في مقر الأمم المتحدة.
إن قرار يوم الجمعة يعطي وكالة الرقابة الكيميائية تفويضاً لإجراء عمليات تفتيش مرّتين سنوياً في منشأتين - في برزة وجمرايّة - حيث وجدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية آثاراً لغاز الأعصاب غير المعلن عنها، بما في ذلك غاز السارين و VX، بينما يزعم النظام السوري بأن تلك المختبرات لم تلعب أي دور في برنامج الأسلحة الكيميائية السري في سوريا، ولكن الولايات المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية مقتنعون بعكس ذلك.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية لصحيفة الفورين بوليسي: "إن الولايات المتحدة تؤيد مشروع القرار الإسباني، في حين أنها كانت تفضّل بياناً أقوى ضد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، فإن المشروع الإسباني يوفّر أفضل فرص يتبناها المجلس التنفيذي".
كذلك فإن البريطانيين يؤيدون الأمر، إذ قال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في بيان له صدر بعد التصويت: "إن هذا القرار يؤكّد أن نظام الأسد وتنظيم الدولة هم المسؤولون عن استخدام الأسلحة الكيميائية المقيتة ضد المدنيين في سوريا"، مضيفاً: "إن هنالك إصرار واضح في المجتمع الدولي للقبض على أولئك الذين استخدموا هذه الأسلحة الشنيعة لحسابهم، وستواصل المملكة المتحدة العمل مع شركائها الدوليين لضمان العدالة للضحايا، ومنع استخدام هذه الأسلحة الشنيعة من قبل أي شخص، في أي مكان".
إن هذه الانتكاسة من المرجح أن تشكل اختباراً مبكراً للرئيس المنتخب دونالد ترامب حول كيفية تمسك إدارته بحزم بالمعايير الدولية بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري، المُوقّع الوحيد على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية والذي قد استخدمها منذ دخلت المعاهدة حيّز التنفيذ.
فخلال حملته الانتخابية، شدّد ترامب على ضرورة التعاون مع النظام السوري وداعمه الروسي، لمضاعفة الحرب ضد تنظيم الدولة والذي اتّهم أيضاً باستخدام الأسلحة الكيميائية.
وقد نفذ النظام السوري هجمات بالأسلحة الكيميائية منذ عام 2012، كما تقول الولايات المتحدة وأوروبا، وفي وقت لاحق من عام 2013 وبعد استخدام قوات الأسد للأسلحة الكيميائية وعبور خط أوباما الأحمر، وافق النظام على تفكيك برنامجه للأسلحة الكيميائية المستمر منذ عقود تحت إشراف دولي والانضمام إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية، ومنذ ذلك الحين فإن الجزء الأكبر من برنامج الأسلحة الكيميائية المعلن عنها في سوريا قد دمّر، بما في ذلك أكثر من 1300 طن متري من خردل الكبريت وغيره من سلائف الأسلحة الكيميائية.
ولكن هنالك أدلة متزايدة على أن النظام السوري قد احتفظ سراً ببعض عناصر برنامجه الكيميائي، ولا يزال مستمراً في تسليح المواد الكيميائية مثل الكلور والذي لا تحظره اتفاقية حظر الانتشار الكيميائي، بينما استنتج مؤخراً فريق من خبراء الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأن النظام السوري استخدم لأكثر من مرة الأسلحة الكيميائية في هجماته على المدن التي تسيطر عليها المعارضة في أعوام 2014 و 2015.
وقد تحدثت الولايات المتحدة مع روسيا حول توسيع تفويض المفتشين الدوليين، في حين شكّكت روسيا في جدوى التحقيقات، قائلة بأنها تود أن ترى فريق المفتشين يحولون تركيزهم إلى سعي المنظمات الإرهابية في سوريا لإنتاج أسلحة كيميائية، كما أنها جعلت من الواضح بأنها لا ترى أي حاجة لفرض عقوبات على سوريا في مجلس الأمن الدولي.
وفي الشهر الماضي، قال سفير الولايات المتحدة لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية -كينيث وارد بأن استخدام سوريا المؤكد لقنابل الكلور قد عبر خطاً أحمر آخر، قائلاً: "بعد أن ثبت استخدام النظام السوري للكلور كسلاح كيميائي، بات مطالباً الآن تحت بنود اتفاقية الأسلحة الكيميائية، بإعلان وتدمير كل مخزونه من الكلور وأي مخزون آخر من المواد الكيميائية السامة"، مضيفاً: "يجب على النظام السوري أيضا ًالإعلان وتدمير جميع الذخائر المرتبطة بها كالقنابل البرميلية فضلاً عن المعدات والمنشآت المستخدمة لإنتاج هذه الأسلحة الكيميائية".
كما أنه دفع أيضاً لتمرير مشروع القرار الذي يتطلب على النظام السوري أن يخضع للتفتيش كل المواقع التي يشتبه في صلتها بالأسلحة الكيميائية، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر، المرافق الكيميائية، ومصانع القنابل البرميلية، أو أنه سيفقد حقوق التصويت وغيرها من الامتيازات في جهاز رقابة الأسلحة الكيميائية، كما أن اقتراح الولايات المتحدة قد يتطلب أيضاً على الأسد الإعلان عن كامل مخزونه من المواد الكيميائية الصناعية السامة، بما في ذلك الكلور أو الذخائر القادرة على إطلاق أسلحة كيميائية، وذلك في غضون 30 يوماً.
لقد منعت روسيا القرار من يتم اعتماده بتوافق الآراء، مما اضطر الأميركيين على إدراجه للتصويت، ومع ذلك فإن روسيا قد أشارت إلى أنها ستستخدم حق الفيتو ضد أي جهد في مجلس الأمن لفرض عقوبات على النظام السوري لاستخدامه الأسلحة الكيميائية ضد شعبه.
في الوقت نفسه، في لاهاي، واجهت واشنطن معارضة من البلدان النامية، التي جادلت بأن مجلس الأمن هو المكان الأنسب لفرض عقوبات على دولة عضو، وفي محاولة لرأب الصدع سحبت واشنطن مشروع القرار مفسحة المجال للقرار الإسباني الذي يدين أنشطة الأسلحة الكيميائية السورية، ولكنه يتوقف عند حد التهديد بالعقوبات.
ووفقاً لرويترز فقد اعتمد هذا القرار في يوم الجمعة بتأييد 28 صوتاً دولياً، بينما صوتت كل من روسيا والصين والسودان وإيران ضده، وامتنعت تسع دول أخرى عن التصويت.
وعلى الرغم من إخفاق خططهم الأولية، يقول مسؤولون أمريكيون بأنهم لا يزالون ملتزمين بالقبض على جميع مرتكبي هجمات الأسلحة الكيميائية ووضعهم أمام المساءلة، ولكن الوقت لربما قد بدأ ينفد بالنسبة لإدارة أوباما لتأمين الدعم في الأمم المتحدة لفرض عقوبات صارمة على نظام الأسد، وفي غضون ذلك يقول مسؤولون أمريكيون، بأنهم يأملون بأن يكون باستطاعتهم على الأقل تأمين تمديد لعمل المفتشين للقيام بعملهم على أكمل وجه.
في حين أن الهدف من تلك الإجراءات كما يقول مسؤول في وزارة الخارجية، هو "إرسال رسالة واضحة بأن استخدام الأسلحة الكيميائية لن يتم التسامح معه مطلقاً"!