بلدي نيوز – (نور مارتيني)
تشهد مدينة حلب حملة همجية، يشنها الطيران الروسي والتابع لنظام الأسد، في محاولة لاستعادة السيطرة بشكل كامل على المدينة، التي بات القسم الشرقي منها، والخاضع لسيطرة المعارضة السورية، عبارة عن أنقاض أبنية مهدمة، يسكنها قرابة ربع مليون نسمة، فيما تخضع هذه الأحياء لحصار شديد منذ عدة أشهر.
غير أن اللافت فيما يتعلق بحلب، هو تراجع الدور الإيراني، وغياب قريتي "نبل والزهراء" الشيعيتين عن أضواء الإعلام، في الوقت الذي كانت أخبارهما تتصدر نشرات الأخبار قبل نحو عامين، فضلاً عن استهداف الطيران الروسي عدة مرات لقوات "حزب الله" تحديداً في محافظتي حلب وإدلب، فيما يمكن قراءته على أن ثمة صراع خفي بين روسيا وإيران للسيطرة على سوريا، تحديداً بعض المواقع الاستراتيجية في شمالها.
ويبدو أن محافظة حلب، بما فيها من مواقع عسكرية، ومعامل الدفاع، ومركز البحوث العلمية، تقع على رأس اهتمام الفريقين، لأن من سيسيطر عليها، هو من سيرسم ملامح البلد المستقبلية.
فإيران تسعى لبسط سيطرتها على حلب لتتمكن من السيطرة على هذه العناصر، التي تشكل رافعة مهمة لمشروعها في المنطقة، والذي ترمي من خلاله إلى تعزيز محور "الممانعة والمقاومة"، وهو ما سيستدعي التقسيم بشكل أو بآخر، فيما تسعى روسيا إلى إعادة سوريا بكاملها للنظام، لأنها عملياً أصبحت عبارة عن "سلطة أمر واقع"، بعد استجلاب أسطولها البحري، وتنصيب قواعد صواريخ إس 300 في المنطقة، ما حولها فعلياً إلى سلطة احتلال.
تتضح ملامح هذا الصراع على حلب، في التصريحات الصادرة عن رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء "محمد حسين باقري"، والذي صرّح أن "إيران صنعت في مدينة حلب السورية الصواريخ التي استخدمت ضد الكيان الإسرائيلي خلال عدوانه على لبنان في تموز 2006"، موضحاً المشاكل التي واجهت البلاد على طريق الحصول على السلاح خلال "سني الدفاع المقدس" وقال إنه "أثناء الحرب كانت الدول تتجنب تزويدنا بالصواريخ تحسبا من الاتحاد السوفيتي، وقد أبلغتنا سوريا أن حارس مخازن صواريخها روسي، ولايمكننا أن نزودكم بالصواريخ، فيما قامت ليبيا بتزويدنا بعدد محدود من الصواريخ، ووضعت لنا شروطا لاستخدامها، ولكن نفس سوريا هذه وصلت إلى وضع قامت فيه إيران خلال السنوات الماضية بإنشاء وحدة لصناعة الصواريخ لها في حلب، وأنتجت صواريخ جرى استخدامها ضد إسرائيل في حرب تموز."
فيما أعلن أحد المسؤولين الروس أنه "من المرجح استخدام السفن الحربية لتعزيز هجوم نهائي على شرق حلب المحاصر في سوريا خلال أسبوعين".
حول رؤيته للتنافس الروسي- الإيراني للسيطرة على حلب، يقول الصحفي السوري "علي الإبراهيم": "بالفعل الصراع الروسي الإيراني واضح للسيطرة على مدينة حلب، رغم أن الوجود الإيراني في حلب أكبر بكثير، خاصة في معامل الدفاع والتي تعتبر من أكبر معامل تصنيع السلاح في الشرق الأوسط، والتي يتواجد فيها قوات وخبراء إيرانيون لتصنيع السلاح ومنها ما تم تصنيعه خلال السنوات السابقة وإمداد حلفاء إيران به، من ميليشيا حزب الله والميليشيات الشيعية في العراق"، ويلفت "الإبراهيم" إلى أن "روسيا تحاول أن تتواجد بشكل أكبر في الساحل السوري، لضمان وجود قاعدة مستمرة لها وحماية مصالحها، لكن خلال فترة الثورة نلاحظ وجود تقارب كبير بين الروس والإيرانيين، بما يخص نقاط السيطرة وتوزع العدة والعتاد العسكري، منها في حلب وريف دمشق"، كما يلفت الصحفي السوري "علي الإبراهيم" إلى أن الصراع من وجهة نظره الخاصة "هو شكلي وليس ضمنياً، خاصة في تقاطع المصالح بين الطرفين، وللأسف لا يمكن استغلال هذه الجزئية لمعركة تحرير مدينة حلب، خاصة بعد التقارب الأميركي-الإيراني". ويختم "الإبراهيم" بالقول: "الجميع ينظر لإيران كعدو إلا أنه يسعى جاهدا للتقرب منها، وأولويات (الدول العظمى) حاليا ًهي القضاء على داعش، وليس الضغط على إيران ونظام الأسد والروس لوقف تصنيع السلاح وإمداده الميليشيات الإرهابية كحزب الله والميليشيات العراقية به".
تصريحات "باقري" الأخيرة، توحي أن ثمة نار تحت الرماد، وأن شهر العسل الروسي- الإيراني شارف على الانتهاء، خاصة مع تصريحات روسيا حول استخدام أسطولها في حلب، سيما وأن التسريبات لطالما أوضحت أن أهم شروط إسرائيل، التي وضعت للاعبين في سوريا، هي "عدم حدوث تغيير استراتيجي يضر بإسرائيل" ومنع وصول أسلحة غير تقليدية لحزب الله، وكذلك "منع حصول تغيّر استراتيجي في سوريا يخدم حزب الله". وهي الرسالة التي أوصلتها روسيا مراراً لإيران من خلال الضربات "الخاطئة" لحزب الله.