سوريا... صور من الحرب الأهلية الإسبانية والجحافل الخارجية - It's Over 9000!

سوريا... صور من الحرب الأهلية الإسبانية والجحافل الخارجية

الجزيرة

كما كان الحال في الحرب الأهلية الإسبانية، فإن "الجحافل الخارجية" تعقّد من حل النزاع في سوريا، وقد ركزت تقارير وسائل الإعلام مؤخراً حول دور الميليشيات الشيعية العراقية في معركة حلب، ودور الجحافل الأجنبية الأساسي في القتال بالنيابة عن النظام السوري.
وبالرغم من اختلافاتهم، فقد شهدت كل من الحرب الأهلية الإسبانية والحرب السورية تدخلاً لجحافل أجنبية، حيث وحدات كاملة من الجيوش النظامية والميليشيات والقوات الجوية لدول أخرى، قاتلت أولئك الذين اختاروا الكفاح من أجل الدفاع عن قضية إيديولوجية.
واحتفالاً بالذكرى السنوية ال 80 للحرب الأهلية الإسبانية والتي بدأت في يوليو من عام 1936، تقارن هذه المادة دور الجحافل الأجنبية في ذلك الصراع مع دورها في الحرب السورية، حيث تكمن أهمية الجحافل الأجنبية في كلا الصراعين بكونها دفعت بزخم عسكري هائل لصالح كل من الديكتاتورين فرانسيسكو فرانكو وبشار الأسد.

- اعتماد الأسد على الجحافل الأجنبية:

لقد اعتمد فرانكو في حربه على الجحافل الأجنبية من إيطاليا الفاشية -هيئة المناطق - تروبي فولونتاري، وألمانيا النازية - فيلق كوندور، وكتيبة كاملة من المغاربة، والريغولاريه، بينما يعتمد الأسد في حربه على الجحافل الأجنبية القادمة من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية، وألوية من القوات الأفغانية الشيعية -لواء فاطميون والشيعة الباكستانيين -لواء زينبيون.
والسؤال هو لماذا يحتاج كل من فرانكو والأسد إلى هذه الجحافل الأجنبية، وماذا كان تأثيرهم على استمرار الحرب في سوريا؟
لقد قارنت في مقالتي السابقة الديناميكيات الإجمالية لكل من الحربين، و "الأهداف التحليلية" بمقارنة الجنرال فرانكو وزمرته، مع بشار الاسد ونظامه، كما قارنت ما بين الحكومة الجمهورية في اسبانيا مع الثوار السوريين بسبب التشابه الصارخ فيما بينهما - كون قدرات كلاهما القتالية كانت قد شُلّت من خلال الاقتتال الداخلي فيما بينهما، والذي أضعف في النهاية من قواهم، ومن ناحية أخرى، فإن كلاً من قوات فرانكو والأسد لم تعانيا من أي اقتتال داخلي عسكري جدي، على الرغم من وجود خلافات وخصومات سياسية حادة في كل من تحالفاتهم.
كما امتاز كل من فرانكو والأسد بأسلحة متطورة تدعم مقاتليهم، لكن ومع ذلك فما زالت هذه الميزة غير كافية لتحقيقهم فوزاً صريحاً، إذ كان كل منهما في حاجة للدول الأجنبية لتوفير المزيد من الأسلحة والخبرة في كيفية استخدامها، وأخيراً ..فإن كلاً منهما على حد سواء اعتمد على جحافل أجنبية من دول الأخرى نظراً للمشاكل التي واجهوها في القوة البشرية.
وفي حين بقي الضباط موالين لفرانكو، انشقت الرتب الأدنى إلى الجانب الجمهوري، وكذلك كان الحال في أنماط الانشقاقات من جيش الأسد لصالح الثوار، وكان كل من فرانكو والأسد قد سدّا نقص تلك الأعداد في قواتهم العسكرية بتجنيد مؤيديهم للقتال، ومن ثم في وقت لاحق استوردوا المليشيات من خارج البلاد.
ولكن كانت التركيبة السكانية لكل من الشعبين في كل صراع مختلفة تماماً، فقد كان سكان إسبانيا متجانسين دينياً بشكل نسبي، وإن كان ذلك مع وجود اختلافات معينة في التدين والثقافة ما بين الكاثوليك والكاتالونيين، الباسك، وقشتالة، كما استطاع فرانكو أيضاً الاستفادة من قاعدته العسكرية في إسبانيا والتي مثلت اتجاهات محافظة، وقوية بشكل خاص في شمال إسبانيا، ولكنه كان أيضاً بحاجة إلى وحدات عسكرية أجنبية لسد النقص في صفوفه.
ورغم أن الحرب السورية لا يمكن مطلقاً أن تعزى فقط إلى مجرد صراع طائفي، فإن الوحدات العسكرية والأمنية الأساسية التي يعتمد عليها النظام، مثل الحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة، والشبيحة شبه العسكريين (والذين تمت إعادة تسميتهم لاحقاً باسم قوات الدفاع الوطني)، قاموا بشكل غير متناسب برسم قاعدة علوية بحتة.
لقد كانت هناك حدود معينة لمدى الفترة التي سيتمكن فيها النظام السوري من الصمود والدفاع عن نفسه من حيث الموضوعية، عندما باتت أعداد المقاتلين الموالين له والذي يمكنه الاعتماد عليهم، أقلية في سوريا، تلك الأعداد التي باتت تتضاءل بشكل ملحوظ من خلال استنزافهم في ساحات المعارك.

-عودة الأسد لوضعية الهجوم:

كما كانت هناك أيضاً حدود للمدى الذي يمكن لكل من فرانكو والأسد على حد سواء المحافظة فيه على الروح المعنوية لمقاتليهم الذين يشهدون قتالاً متواصل دون تحقيق انتصارات كبيرة تذكر.

فمن الناحية المثالية، فإن هذا العامل يجب أن يفلح في التوصل إلى حل للحرب، إذ يجب على انخفاض أعداد القوى المقاتلة لصالح النظام أن يجبره على الاعتراف بأن الصراع قد وصل إلى طريق مسدود، ويدفعه للتفاوض على مصيره.

ومع سقوط إدلب في أيدي فصائل الثوار السوريين، وتدمر لصالح تنظيم الدولة في مايو/أيار من عام 2015، ظهر نقاش حول المستقبل الهش للنظام السوري، حيث قام مروان بشارة بالسؤال حينها: "أهي حقاً بداية النهاية للأسد ونظامه المهترئ منذ عقود؟"، بينما جاء في عنوان مقال في صحيفة الغارديان: "في خضم أنقاض سوريا، هل بات بشار الأسد الآن في مواجهة النهاية؟"
كما لمّحت في أبريل عام 2015 وكالة فرانس برس في المادة لها إلى تزايد معدلات الفرار من الخدمة في أوساط جيش النظام، وحتى اعترف الأسد بنفسه علناً بأن جيشه عانى انتكاسات حقيقية بعد خسارته لإدلب لصالح الثوار، بالإضافة إلى مكاسبهم في كل من درعا وريف دمشق، لقد واجه الأسد في تلك المرحلة طريقاً مسدوداً، وكان حينها يشعر بالضغط المباشر للتفاوض على تسوية للحرب السورية.
وبعد بضعة أشهر، وتحديداً في سبتمبر 2015، تدخلت القوات الجوية الروسية، محطمة حالة جمود الأسد، وفي هذه اللحظة كان الدور الحاسم للقوة الجوية الخارجية يعيد إلى الأذهان كيف كان لفرانكو سيطرة كاملة على الجو، بسبب مشاركة القوات الجوية الألمانية والإيطالية، حيث أن القصف المدان لبلدة غيرنيكا بإقليم الباسك يمكن تشبيهه بأي مدينة سورية منكوبة اليوم.
جنباً إلى جنب مع الدعم الغزير من إيران وجحافلها الأجنبية الطائفية المختلفة، بات نظام الأسد قادراً على العودة إلى وضعية الهجوم، ولعل هذا هو السبب في أن الأسد لا يشعر اليوم بأي حاجة للتفاوض الجدي في محادثات السلام الحالية.
إن استخدام الجحافل الأجنبية، بالإضافة إلى المقاتلين الأجانب، ليست مجرد عملية ديناميكية حكراً على تحالفات نظام الأسد، ولكن شهدنا ذلك أيضاً في الصراع الدائر في أوكرانيا.
إن المقارنة التي أقوم بإجرائها في مقالتي هذه، ليست لأقول بأن التاريخ يعيد نفسه، ولكن لتسليط الضوء على الجانب المدمّر لكلا الحربين، إن الجحافل الخارجية لا تملك أي حصة من الأرض التي يقاتلون فيها، في الوقت الذي لا يمتّون فيه بأي صلة للمجتمعات المحلية التي تتحمل العبء الأكبر من العنف.
إن هذا الانفصال ما بين المقاتلين الأجانب والمحليين يجعل من مهمة حلّ الحرب السورية أمراً أكثر تعقيداً، وكما كان الحال في الحرب الأهلية الإسبانية، فإن الجحافل الخارجية تعقّد من حل النزاع في سوريا.

-إبراهيم المراشي: الأستاذ المساعد في قسم التاريخ، في جامعة كاليفورنيا الحكومية.
-سان ماركوس: المؤلف المشارك لكتاب القوات المسلحة في العراق: تاريخ تحليلي.

مقالات ذات صلة

"جعجع" يكشف سبب طلب نظام الأسد من لبنان تفكيك أبراج المراقبة على الحدود

قسد تعتدي على نشطاء خلال إحياء ذكرى الثورة السورية بمدينة الرقة

"السورية لحقوق الإنسان" تصدر حصيلة بأعداد الشهداء خلال سنوات الثورة

بيان مشترك لأبناء درعا والسويداء قبيل عيد الثورة

سفير النظام يلتقي مسؤولا سعوديا في الرياض

الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على شخصيات وشركات داعمة لنظام الأسد