بلدي نيوز – (نور مارتيني)
ينظر الغالبية على أن حلب ستكون بيضة القبان التي ستقلب المعطيات في سوريا، وفقاً لما يجري على أرضها من معارك تخوضها الفصائل العسكرية، فيما يرى البعض أن ما يجري على أرض "حلب" هو حرب استنزاف لجميع الأطراف الإقليمية والدولية المتورطة في هذه الحرب، بطريقة أو بأخرى، سيما وأنها جميعاً تمتلك وكلاء على الأرض، تخوض الحرب بدلاً منها.
يبدو أن المجتمع الدولي، يميل إلى السيناريو الثاني، بغية كسب الوقت، لتمرير أكبر قدر من الملفات السياسية العالقة، على حساب الشعب السوري، ويبدو أن ملف "إيران" و"حزب الله" هو أول الملفات التي تمكّنت هذه الدول من التخلّص منها، من خلال تجميع مقاتلي "حزب الله" في حلب، والذين استنزفوا تماماً في هذه المنطقة، بعد أن حلّ ملف إيران النووي، لتتورّط في مشاكل أكبر فأكبر، من خلال دعمها للحوثيين في اليمن، و"حزب الله" في سوريا، بالتزامن مع استنزافها اقتصادياً كنتيجة للتلاعب بأسعار النفط عالمياً، والذي كبّدها خسارات هائلة، وهو ذاته ما تسبب باستنزاف السعودية مادياً.
يأتي الجانب الميداني، من حيث خسارة إيران لمقاتليها على أرض حلب، حيث قالت وسائل إعلام لبنانية إن 36 قتيلاً من عناصر "حزب الله" قضوا خلال الشهر الحالي في سوريا، جلهم بمعارك مع الثوار في مدينة حلب وريفها.
ثاني المتورطين هو روسيا، التي تتضح معالم خلافها مع إيران من خلال استهدافها المتكرّر لقوات "حزب الله،" عدة مرات، ما دفعها إلى رأب الصدع مع "تركيا" بعد التصعيد بينهما على خلفية إسقاط تركيا طائرة روسية، وإصرار روسيا على الحصول على اعتذار من الأخيرة، غير أن هذا لا ينفي أن روسيا خسرت اقتصادياً بسبب الحرب في سوريا، خاصة خلال فترة الخلاف مع تركيا، ووقف صادرات تركيا إليها، هذا على الصعيد الاقتصادي، أما على الصعيد السياسي، فقد تسببت سياسة الأرض المحروقة التي صعّدت من وتيرتها خلال الأشهر الأخيرة، بدخولها في حالة صدام مباشر مع أوروبا وأمريكا، وهو ما تجلى في جلسات مجلس الأمن الأخيرة، والتي أسفرت عن تهديدها بفرض عقوبات عليها من قبل دول الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، فقد خسرت أمريكا، دورها الريادي في العالم، لتظهر كتابع لروسيا، فيما تركيا تدخل في مواجهة مباشرة مع "وحدات الحماية الكردية" المنبثقة عن "حزب العمل الكردستاني"، من جهة، ومع شركة المساهمة المغفلة، المسماة تنظيم "الدولة"، والتي يتحكم بها الممول، وفق أجندته الخاصة.
حول رؤيته لما يجري في حلب، يقول ممثل تجمّع "ثوار سوريا"، الناشط السياسي والصحفي "عمر إدلبي": "أعتقد أن الثوار جادون في عملياتهم العسكرية لكسر الحصار عن الأحياء الشرقية، وطرد قوات الأسد من الأحياء الغربية"، موضحاً أن "عملياتهم الأخيرة تميزت بتنويع تكتيكاتهم القتالية، وخاصة اعتمادها على المفخخات والالتحام المباشر بالعدو، بهدف تحييد سلاح طيران الأسد وبوتين، وهو تكتيك يمكنهم من تحقيق نجاحات عسكرية، وفعلاً ساهم في تحقيق الثوار والفصائل الإسلامية المشاركة تقدماً ملحوظاً على أحد محاور القتال".
ويؤكد "إدلبي" أن"جدية الثوار في عملياتهم هذه، لا تقابلها جدية من الدول الداعمة في ضخ مزيد من العتاد والعدة لاستمرار تحقيق الانتصارات"، وأنّ الدول الداعمة حسب اعتقاده "تبحث عن ضغط عسكري على النظام وحلفائه من أجل تحريك المفاوضات السياسية، وإجبار الأسد وبوتين على الذهاب مجدداً إلى جنيف باستعداد أكبر للتنازلات".
كما يلفت الناشط السياسي والصحفي "عمر إدلبي" إلى أن "النظام بدوره، ومن خلفه حلفاؤه الروس والإيرانيون جادون في حسم معركة حلب لمصلحتهم" ووفقاً لرؤيته الخاصة، يعتقد "إدلبي" أن "الأيام القادمة ستشهد تصعيداً من قبلهم على كافة جبهات حلب ومن الصعب فعلاً أن يحافظ الثوار على زخم انتصاراتهم الأخيرة، ليس لنقص في كفاءاتهم القتالية ولا عزيمتهم، وإنما لأن العمليات العسكرية ترتبط بشكل مباشر بإرادة الداعمين الدوليين والإقليميين وهؤلاء لهم حسابات مختلفة عن حسابات ثوارنا".
ويوضح "عمر إدلبي" وجهة نظره بالقول "كلنا نذكر ما حصل بعد معركة (ملحمة حلب الكبرى) الأولى، ومعارك الساحل المتكررة، ومعركة كسب، وغيرها الكثير من المعارك التي اضطر الثوار فيها للتراجع عن مكاسبهم التي حققوها بالدم والتضحيات، تحت ضغط نقص الإمدادات، لذلك أخشى أن معظم هذه المعارك لن تكون أكثر من عمليات استنزاف، بلا أهداف كبيرة حاسمة، وفي حال استمر الحال على هذا المنوال حتى بعد مجيء إدارة أمريكية جديدة، فإن هذا يعني بوضوح عودة الحرب الباردة من البوابة السورية، وللأسف ستكون النتائج مزيداً من الدم السوري المسفوك، وإطالة عمر نظام القتل والإجرام في دمشق".
ويبقى الإنسان السوري، خارج حسابات الجميع، وأولهم "الدولة" التي يفترض أن تمثله، والجهات الدولية التي ينبغي أن تدافع عنه، وعلى رأسها الأمم المتحدة التي تدعم النظام السوري على مرأى العالم كله، ومسمعه.