بلدي نيوز - (محمد العلي)
اشتعلت شرارة الصراع في منطقة شرق الفرات من جديد، عقب تقدم فصائل "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا باتجاه بلدة "عين عيسى" الاستراتيجية في ريف الرقة الشمال، يوم الجمعة 18 من ديسبمر/كانون الأول الجاري، حيث تمكنت الفصائل من فرض سيطرتها على قريتي "المشيرفة وجهبل غربي" المحاذيتين للطريق الدولي M-4 وعلى مقربة من بلدة "عين عيسى".
وبعد هدوء جزئي دام لمدة يومين، شنّت قوات الكوماندوس التابعة لقوات سوريا الديموقراطية "قسد" مساء الأحد 20 من الشهر الجاري هجوماً تجاه المواقع التي خسرتها حديثاً في قرية "جهبل غربي"، دون أن تتمكن من فرض سيطرتها على تلك المواقع، تزامناً مع ورود أنباء تفيد بوقوع خسائر في صفوف فصائل الجيش الوطني على هذا المحور.
الدور الأمريكي
وبحسب الإعلامي الكردي "سمير متيني"؛ فإن قوات سوريا الديمقراطية تواصلت مع الإدارة الأمريكية لمساندتها في صد الهجوم تجاه "عين عيسى"، والضغط على الجانب التركي للالتزام بخط الهدنة السارية منذ 25 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2019، إلا أنّ الإدارة الأمريكية علقت الاتصال مع قوات "قسد" إلى حين تنفيذها لثلاثة مطالب أمريكية هي، "فك ارتباط قوات سوريا الديمقراطية بحزب العمال الكردستاني، وانتداب ممثلين فاعلين لها للمجلس الوطني الكردي، والانفتاح على كافة التيارات السورية والتقارب منها".
الأمر الذي اعتبره "متيني" رسالة صريحة من الولايات المتحدة الأمريكية بأنها غير جادة في تحالفاتها مع قوات سوريا الديمقراطية خارج المصالح الأمريكية.
كما طالب "متيني" خلال بث مباشر عبر مواقع التواصل الإجتماعي قيادة قوات "قسد" السياسية والعسكرية بانتهاج سياسة جديدة في حماية مناطقها وعدم تكرار سيناريو "عفرين ورأس العين وتل أبيض" من جديد، مشيراً إلى ضرورة إدخال قوات "البيشمركة" ونشرهم على خطوط التماس مع القوات التركية وفصائل الجيش الوطني.
دور روسيا ونظام الأسد
وفي السياق، نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن قيادي لم تسمه من "مجلس عين عيسى العسكري"، قوله إن اجتماعا عقد يوم السبت 5 من ديسمبر الجاري، في القاعدة الروسية بعين عيسى ضم قادة أكراد وضباطا من قوات سوريا الديموقراطية ومسؤولين من الجيش الروسي، أبلغ فيه الضباط الروس، قيادة "قسد" أن التهديدات التركية جدية في اجتياح البلدة، وطلبوا تسليمها إلى قوات النظام، إداريا وعسكريا، لقطع الطريق أمام ذاك التهديد.
واقترح الجانب الروسي على قيادة "قسد"، أن يقيموا مربعا أمنيا بمركز البلدة، يضم مؤسسات الإدارة ومكاتبها على غرار مربعات النظام الأمنية في مدينتي القامشلي والحسكة، شريطة رفع علم النظام السوري وافتتاح مؤسسات الدولة، بهدف قطع الطريق أمام الهجمات التركية ومنع تنفيذ هجوم واسع، وفقا للمصدر.
وأضاف، أن قيادة "قسد" رفضت العرض الروسي لأن مشروعهم قائم على أراضٍ لم ينالوها عن هبة أو عن طريق المكاسب السياسية وإنما بذلوا آلاف الأرواح للسيطرة عليها من تنظيم "داعش".
بدوره أكد القيادي لواء الشمال الديمقراطي "محمود حبيب" والعامل في منطقة "عين عيسى" أنهم أبلغوا الجانب الروسي بضرورة الالتزام بتعهداته ومساندتهم في رد الهجوم التركي، مؤكدا أن قوات سوريا الديموقراطية "لا تحتاج حليفا مجانيا" وأنها ستعمل على طرد القوات الروسية وقوات نظام الأسد من مدينتي "الحسكة والقامشلي" وكامل منطقة شرق الفرات، في حال سمحت بتقدم القوات التركية وفصائل الجيش الوطني إلى أبعد من خطوط الهدنة القائمة منذ نهاية نوفمبر 2019.
وفي السابع من ديسمبر الجاري، عملت القوات الروسية على إنشاء قاعدتين عسكريتين بمحاذاة الطريق الدولي M-4 ليصبح مجموع قواعدها العسكرية في منطقة "عين عيسى" ثلاث قواعد عسكرية حامية لمصالحها وامتيازاتها في الطريق السريع، حيث من المخطط أن تبدأ بتسيير دوريات "روسية - تركية" مشتركة بمسافة نحو 100 كيلومتر، المحاذية لمنطقة عمليات "نبع السلام".
من جانبها، قال المستشارة الإعلامية في حكومة نظام الأسد "بثينة شعبان" خلال لقاء أجرته عبر تلفزيون الميادين أنّ حكومتها قدمت مسودة تحوي عدة نقاط خلال لقاء جمع بين ممثلين عن حكومة الأسد وقوات سوريا الديموقراطية خلال ديسمبر الجاري، منها الاعتراف بوحدة الأراضي السورية تحت علم النظام السوري وإدارة مؤسساته الأمنية والعسكرية والمدنية، بيد أن "قسد" رفضت تطبيق أي من بنود المسودة في مناطق سيطرتها.
تركيا
وأطلقت القوات التركية وفصائل الجيش الوطني المدعوم من قبلها عملية "نبع السلام" في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول من العام 2019، وأعلنت تعليق العملية في 25 نوفمبر من العام ذاته، دون أي تصريح بانتهاء العملية التي حققت جزءاً من أهدافها.
وهدفت العملية إلى إنشاء ما وصفته الحكومة التركية بـ"الممر الآمن" الذي تنوي تركيا من خلاله إبعاد الوحدات الكردية لمسافة 32 كيلومترا عن حدودها، وتسليمها لفصائل المعارضة السورية المقربة منها، خشية قيام دولة أو كيانٍ مبني على أسا س عرقي بالقرب من حدودها وتهديد أمنها القومي.
وعلمت بلدي نيوز من مصادر خاصة أنّ القوات التركية طلبت من فصائل الجيش الوطني التحضير لاستئناف عملية "نبع السلام" دون تحديد الوجهة القادمة، ذلك عقب فشل مفاوضات تركية روسية تتعلق بملفي "إدلب ومنبج" جرت منتصف سبتمبر/أيلول من العام الجاري.
أهمية "عين عيسى"
وتحظى بلدة عين عيسى بأهمية خاصة في خريطة الشرق السوري، ولها موقع استراتيجي بارز حيث تقع على مفترق طرق يؤدي إلى مدينة الرقة من جهة وتل أبيض وريف الحسكة من جهة وعين العرب ومنبج من جهة أخرى، وتموضعها على الطريق الدولي M-4 والذي تحاول روسيا فتحه منذ أكثر من عام، بدءا من المناطق التي يمر بها في إدلب، وصولا إلى الحدود السورية العراقية، إضافة لاعتبارها من قبل "قسد" عاصمة إدارتها المدنية لمنطقة شرق الفرات، حيث تعقد فيها الاجتماعات مع التحالف الدولي والوفود الدولية التي تزور مناطق سيطرتها، لا سيما أنها عقدت في البلدة الاستراتيجية عشرات المؤتمرات.
ومع اتضاح وجهة تركيا العسكرية في الفترة الحالية، في منطقة جنوب الطريق الدولي M-4 وأبعد من حدود الممر الآمن، تبدو أنها معركة ذات جدوى سياسي أكثر من كونها عسكرية، تهدف للضغط على الجانب الروسي وتهديد مصالحه في منطقة شرق الفرات وزجه في موقع المواجهة مع قوات سوريا الديموقراطية، لتحريك ملفات عالقة، منها مصير طريق M-4 في المنطقة الواقعة بين مدينة "سراقب" شرقي إدلب وقرية "عين حور" بريف اللاذقية الشمالية وتحديد مصير منطقة جبل الزاوية الذي انتشرت القوات التركية في كافة بلداته وقراه وتضاريسه، بالتزامن مع إعلان نظام الأسد وروسيا نواياهم إطلاق عملية عسكرية جديدة في محافظة إدلب.