بلدي نيوز – (خاص)
شغلت "حركة أحرار الشام الإسلامية"، وهي أول فصيل عسكري مسلح ينتهج الإيديولوجية الإسلامية في ظهوره، مراكز الدراسات والأبحاث التي تتبعت تاريخ الحركة المليء بالتناقضات، لتبدأ بالتلاشي بعد ثماني سنوات من انطلاقتها شمال سوريا، لتكون النهاية من مكان الانطلاق في سهل الغاب غربي حماة.
الولادة
في أيار من عام 2011، أعلن "حسان عبود" المعروف باسم "أبو عبد الله الحموي" تأسيس "كتائب أحرار الشام" انطلاقاً من ريف حماة الغربي، وانتهجت النهج الإسلامي الذي وصف بالمعتدل، فلاقت انتشاراً كبيراً والتفافاً من عشرات المكونات لتصل لمرحلة تشكيل "حركة أحرار الشام الإسلامية" والتي لعبت دوراً بارزاً في عمليات التحرير ضد النظام في جل المحافظات السورية.
حملت الحركة في أولى مراحلها شعار "مشروع أمة"، وتميزت بانضواء الكثير من الشخصيات الجهادية والمعتقلين السياسيين والإسلاميين في سجون النظام بعد أن أفرج عنهم في بدايات الأحداث؛ فكانت أولى خطواتها في الاندماج داخلياً ضمن "الجبهة الإسلامية" التي كانت بداية غير موفقة كونها لم تستطع الاستمرار.
تلقت الحركة أولى الضربات بعملية اغتيال كبيرة هزت أركانها في أيلول 2014، مع اغتيال جميع قادة الصفين الأول والثاني في الحركة في ريف إدلب الشمالي بعملية غامضة، ليحكم على الحركة بالزوال، إلا أنها استطاعت تجاوز هذه الضربة وأعادت ترتيب أوراقها، ولكن فيما يبدو بدأت تسير في طريق منحدر باتجاه السقوط منذ ذلك الوقت، بسبب التناقض والصراع الفكري ضمن الحركة.
ثورة شعب
اتفقت قيادة الحركة على تعيين "أبو جابر الشيخ" قائداً عاماً لها، وبدأت تسعى للعودة لموقها العسكري بين الفصائل، وبدأت بتغيير السياسة الداخلية والأهداف، وانتقلت من "مشروع أمة" لـ"ثورة شعب"، في انقلاب على كل المبادئ والشعارات التي رفعتها ونادت بها قيادة الحركة الأولى، في وقت سعت فيه للنهوض عسكرياً من خلال تحالفات مع جبهة النصرة منافستها في السيطرة في تلك الأثناء، وكان لها المشاركة في معارك وادي الضيف والحامدية.
وبعد انتهاء ولاية الشيخ هاشم الشيخ (أبو جابر) قائد حركة أحرار الشام الإسلامية واعتذاره عن قبول التمديد، اجتمع مجلس شورى الحركة واختار المهندس مهند المصري الملقب "أبو يحيى" من مدينة قلعة المضيق بسهل الغاب، واعتبرت فترة ولاية المصري نقطة التحول الأولى باتجاه انحدار الحركة وانقسامها، بعد أن عمل على تحول الحركة من الجانب العسكري للتدخل بالشؤون المدنية ومأسسة الحركة مقابل إهمال الجانب العسكري، ما تسبب بتذمر من قبل التيار المقاتل في الحركة وإعلانه تشكيل كتلة الأحرار داخل الحركة والتي انشقت في وقت لاحق عن الحركة، وشكلت جيش الأحرار بقيادة القائد السابق للحركة "هاشم الشيخ".
تيارات متناقضة
عادت "أحرار الشام" إلى الواجهة بشكل لافت مع دخولها ضمن "جيش الفتح" وكانت لاعباً أساسياً في حصار بلدتي "كفريا والفوعة"، وفرضت نفسها بقوة في المجال السياسي لتكون في الطرف الإسلامي المعتدل، وهذا ما أجج الصراع داخل الحركة بين التيارات المتناقضة، فبدأ يظهر للعلن الصراع بين السياسي والعسكري، وفشلت الحركة من جديد في تمكين نفسها، لتعصف بها سلسلة انشقاقات كبيرة على رأسهم قائدها السابق "أبو هاشم الشيخ" وقيادات بارزين من أصحاب الفكر المتشدد، وشكل "جيش الأحرار" كنواة من صلب الحركة ليستقل بنفسه تماماً عنها.
النأي بالنفس
عملت الحركة على النأي بنفسها عن الصراعات التي دارت بين فصائل الجيش الحر و"جبهة النصرة"، في الوقت الذي اتهمت فيه بأنها كانت راضية عن إنهاء العديد من المكونات العسكرية من الجيش الحر في شمال سوريا وفي مناطق عدة من الجنوب، ولم تستطع الحركة تجنب المواجهة مع القوة الصاعدة "جبهة فتح الشام" لاحقاً، لتقع في صدام مع حليف الأخير "جند الأقصى"، وتواجه الحركة عدواً كبيراً، لولا دعم فتح الشام لكانت خسرت الكثير من قوتها حينها.
المواجهة
ومع تنامي قوة "فتح الشام" التي تحولت لاحقاً لـ"هيئة تحرير الشام" كان هناك صراعاً بارداً بين الطرفين، كقوتين متنافستين في السيطرة وفي القوة والانتشار، تجلت هذه الحرب في من يسيطر على المعابر والمجالس والموارد الداخلية، لاسيما أن أحرار الشام كانت تدير معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا وكذلك معابر عدة مع مناطق سيطرة النظام، والتي تطمح القوة الصاعدة للسيطرة عليها.
ورغم كل التحرشات بين الطرفين هنا وهناك، وتدخل الشرعيين لحلول لم تكن إلا لتسكين الوضع لمرحلة الانفجار عام 2017، حيث واجهت "أحرار الشام" حرباً معلنة في ظل قيادة "أبو عمار العمر"، خططت لهذه العملية "تحرير الشام" بشكل جيد وأعدت لذلك خططا ومعسكرات لأشهر لحين ساعة الصفر، والتي اتبعت فيها سياسة تقطع الأوصال، فنالت من قوة الحركة التي انهارت في عدة مناطق أمام قوة تحرير الشام، وحوصر قادتها في باب الهوى لتضطر للتسليم بعد أن خسرت جل مستودعاتها وكتائبها في إدلب ومنطقة الحدود.
الانهيار
سلمت "أحرار الشام" معبر باب الهوى وخسرت مساحات كبيرة من المناطق لحساب "تحرير الشام" التي قوضت قوتها لحد كبير، وعادت قيادات الحركة لإعادة ترتيب صفوفها من جديد عسكرياً بعد أن خسرت الجانب السياسي أيضاَ بسبب المراوغة التي لعبها مكتبها السياسي وعدم قدرته على الاستجابة لمتطلبات الحلفاء دولياً جراء التضارب والصراع بين الجانبين السياسي والعسكري حتى قيل إن ورقة الحركة سقطت دولياً.
وعينت الحركة "حسن صوفان" الخارج حديثاً من سجون النظام، وفق عملية تبادل، قائداً عاماً لها، بعد أن أعلن "أبو عمار العمر" استقالته، إلا أن الصراع مع "تحرير الشام" لم ينته، لتعمل الحركة على بناء تحالفات جديدة تمكنها من الثأر من الجولاني الصاعد، فكانت في خندق واحد مع فصيلي الزنكي غربي حلب وصقور الشام في جبل الزاوية، وتمكنت من مساندة فصيل الزنكي إبان هجوم هيئة تحرير الشام على الفصيل غربي حلب واتساع رقعة المواجهة لريف إدلب، إلا أن هذا الانتصار لم يغير بالمعادلة شيئا، واضطرت الحركة للاندماج مع حلفائها ضمن "الجبهة الوطنية للتحرير" ليكون كتحالف أكبر في مواجهة الهيئة الصاعدة.
الوفاة
لم تحدث مسيرة "صوفان" أي جديد في تاريخ الحركة، والذي انتهت ولايته في آب 2018، واختير "جابر علي باشا" قائداً جديداً للحركة، ليقع في مواجهة جديدة مع هيئة تحرير الشام يبدو أنها الأخيرة، والتي بدأت أولاً مع فصيل الزنكي حليف الحركة غربي حلب في الأول من العام الجاري، وكانت أحرار الشام أحد المشاركين في صد هيئة تحرير الشام الطامعة في إنهاء الجميع.
وخلال أيام من المعارك وإنهاء فصيل الزنكي غربي حلب، انتقلت المواجهات ضد أحرار الشام في مركز قواتها وقيادتها في ريف حماة الغربي، إلا أن المواجهات التي استمرت ليومين، حسمت المعركة لصالح تحرير الشام، والتي يبدو أنها اتخذت القرار هذه المرة في إنهاء وجود الحركة نهائياً في إدلب، وحماة، لتنتهي بذلك مسيرة فصيل من أكثر الفصائل تأثيراً وجدلاً وحاملاً للتناقضات في مواقفه ومشاريعه، ليكون اليوم لقمة سائغة في قبضة هيئة تحرير الشام الأقرب لها فكرياً وأيديولوجياً من باقي فصائل الثورة العسكرية، فتنتهي من مكان ما بدأت قبل ثماني سنوات في ريف حماة الغربي بإعلان اتفاق حل الحركة والخروج من المنطقة باتجاه مناطق درع الفرات.