Middle East Briefing – ترجمة بلدي نيوز
أثار الاجتماع الذي جرى بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ورئيس وفد المعارضة السورية في المحادثات الانتقالية، الدكتور رياض حجاب، في 23 كانون الثاني في الرياض، ردود فعل سلبية للغاية بين دوائر المعارضة، فقد حاول كيري نقل رسالة من شأنها تخفيض توقعات المعارضة، وحصر أهدافهم في الإطار العملي للمحادثات التي رسمها الروس، بالإضافة إلى أن لغة وزير الخارجية هددت آفاق المشاركة البناءة للمعارضة في المحادثات.
وكانت مهمة السيد كيري الصعبة متمثلة بدمج مواقف الروس والأسد ضمن خطة تعالج كذلك أهداف المعارضة، وذلك هو التحدي الجوهري المعتاد في محاولة التوصل إلى إطار للتفاوض بشأن وضع نهاية لصراع صعب كالحرب السورية، وكانت النتيجة الميل الواضح لموقف موسكو، والسؤال الآن هو: هل تنجح هذه المحادثات؟
فرسالة كيري أربكت رئيس وفد المعارضة "حجاب" وقادة المعارضة على حد سواء، ولايزال غير واضح إن كان ما قام به وزير الخارجية الأمريكي هو شيء متعمد، حيث قال بوضوح أنه لن يكون هناك أي شروط مسبقة زمنية للمحادثات، ولا حتى التزام برحيل الأسد في أي وقت في المستقبل، كما تأرجح في اعتماد بيانات جنيف 1 أو بيان فيينا "كمرجع" للمفاوضات، بالإضافة إلى أنه استخدم مصطلح "حكومة وحدة وطنية" إلى جنب مصطلح "الحكومة الانتقالية" والذي سبب ارتباكاً إضافياً وعدم يقين بين صفوف المعارضة.
وعلاوة على ذلك، فإن تدابير "بناء الثقة" التي اقترحها كيري، لا تشمل تبادل السجناء أو وقف الغارات الجوية أو البراميل المتفجرة التي تستهدف المناطق المدنية خلال المحادثات.
وقال كيري أيضاً أن ممثلي المعارضة الأخرون، الذين اقترحتهم موسكو سيكونون حاضرين في المحادثات، وهم مجموعة تراها المعارضة السورية زمرة قريبة جداً من النظام السوري، وتلك المجموعات "الصديقة" للأسد ، سيعتبرون كـ "مستشارين" لمبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا وليس وفداً موازياً للمعارضة؟
وبعد تهديدات تركيا بإنهاء تعاونها في العملية إذا كانت تضم حزب العمال الكردستاني "بي كي كي"، دعا دي ميستورا لتجنب دعوة المجموعة الكردية، وسيتواجد وفد "المعارضة" المحدد من قبل روسيا في مدينة لوزان، في حين أن المحادثات ستكون في جنيف، ولكن رسالة الدعوة للمفاوضات لم تذكر بيان جنيف 1، حتى بعد أن أشاد الرئيس أوباما ووزير خارجيته بالبيان، معتبرين أنه "الأساس" لحل الأزمة السورية منذ توقيعه في عام 2012.
ولكن الفروق بين بيان جنيف 1 وبيان فيينا كبيرة، فالأول يؤكد على أهمية المرحلة الانتقالية لتحقيق الحل السياسي، وهو ما لم يأت بيان فيينا على ذكره، وإنما ركز على محاربة الإرهاب، ومن هنا يأتي التجاذب او الصراع على أي من البيانين ينبغي أن يشكل مرجعية لحل الحرب السورية، وهذا التغير في المواقف ينطبق أيضاً على قرار مجلس الأمن رقم 2254، حيث أظهر تراجعا عن الموقف السابق من الإصرار على استبعاد حكم الأسد خلال المرحلة الانتقالية.
وفيما أشار جنيف 1 إلى "هيئة انتقالية" تتمتع بجميع السلطات التنفيذية، كانت روسيا قد وافقت عليه قبل تدخلها العسكري في سورية، الآن بحكم الأمر الواقع سحبت موسكو تأييدها للبيان في بداية عملياتها العسكرية هناك.
هذا التحول اكتسب مكاناً مركزياً في المحادثات التحضيرية في الأسابيع القليلة الماضية، لا سيما مع لغة كيري الغامضة بشأن بيان جنيف 1، وقال قائد في المعارضة السورية لصحيفة "ميدل إيست بريفنغ": "إن تأسيس المحادثات بناءً على بيان فيينا لن يؤدي إلى أي نتيجة".
وأضاف: "إن عملية فيينا تعطي الأولوية للقوى الإقليمية في الأزمة، وتهمل تماماً البعد الداخلي للأزمة في سورية، فهي تفترض استعداد الأسد للتوصل لاتفاق مع خصومه، ويعكس هذا الافتراض أن القوتين الدوليتين (روسيا والولايات المتحدة) سيصلان إلى تفاهم مشترك في المنطقة يشمل القوى الإقليمية".
وأردف: "ويبقى السؤال هل سيناسب هذا الحل السوريين؟ لا أعتقد فالأزمة السورية ليست مجرد قضية إقليمية أو عالمية، وأي حل مستدام ينبغي ان يقوم على اندماج حقيقي للمعارضة في الحل".
من جهتها ، سارعت وزارة الخارجية الأمريكية لاحتواء الأثر السلبي لاجتماع كيري بحجاب، ومايكل راتني، رجل الإدارة الامريكية في سورية قضى ساعات مع قادة المعارضة على الهاتف عقب الاجتماع، وحاول التهوين من النقاط التي أثارت القلق بين جماعات المعارضة، مع الحفاظ على الخطوط الرئيسية للتفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا.
لكن تهديد كيري أنه إذا رفضت المعارضة الذهاب إلى المفاوضات، وبأن المفاوضات ستبدأ على أي حال، كان قد تردد بصوت عال بين جماعات المعارضة وعمل على انقسامهم أكثر.
ورغم أن الدعوة الصادرة عن دي مستورا قد أكدت على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية، ووضع جدول زمني لعملية انتقالية، ستؤدي إلى انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة، وبذلك يتم تشكيل حكومة شاملة، ذات مصداقية وغير طائفية، وتبدأ عملية كتابة دستور جديد.
ولكن لم يتم ذكر أي كلمة تتعلق بتشكيل (حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة)، ومن الناحية النظرية، فإن الأسد سيكون قادراً على الترشح مرة أخرى في الانتخابات.
هذا وكان كيري قد ألمح لدول مجلس التعاون الخليجي ووزراء الخارجية خلال اجتماعهم في الرياض أن الأسد لن يترشح "اذا سارت الامور وفقا للخطة"، وهو ما قاله بوتين بالحرف لمحاوريه في الخريف الماضي.
وتعكس الصورة الكاملة تحولاً كبيراً في موقف الولايات المتحدة السابق في سورية، إلى منطق يقدم الأولوية لمكافحة الإرهاب على حل الأزمة في سورية، ونهج جديد يعطي أهمية للعمل مع روسيا والقوى الإقليمية، وبعبارة أخرى، نجح بوتين في إحداث تأثير أكبر من المتوقع على نهج الولايات المتحدة في الصراع السوري.
وعلى الأرض، من الصعب أن نرى كيف سيحقق هذا النهج الآثار المطلوبة، سواء في محاربة الإرهاب أو في حل الأزمة السياسية، حتى لو قررت القوى الإقليمية تحت الضغط وقف مساعداتها للمعارضة، ونقطة الضعف في هذا النهج "الروسي" المعتمد حالياً من قبل واشنطن- يكمن في فجاجته.
وإن تم التوصل الى اتفاق باعتبار معظم جماعات المعارضة كإرهابيين ويجب محاربتهم، ويبدو أن هذا هو جوهر هذا النهج، ستكون هناك حرباً في غضون بضعة أشهر، وستشتري إدارة اوباما "إنجازاً" رخيصاً وسطحياً لفترة قصيرة، فيما تفشل في إنهاء الأزمة على أي نحو مستدام.
بيت القصيد من هذا النهج هو بالضبط ما يريده بوتين طوال الوقت، كل ما حدث هو أن الولايات المتحدة سلمت حلفائها الى الكرملين.
ولكن هل هناك أي فرصة بأن تنجح عملية السلام هذه؟
هذا ممكن إذا أُثبت للسوريين أنه في النهاية سيكون بلدهم خالياً من ديكتاتورية الأسد ودولته البوليسية، خالياً من الإرهابيين وبأن عملية شفاء وطنية ستبدأ، حيث يمارس الناس حقوقهم الإنسانية دون عقاب، وحيث يعيش الجميع بخير بغض النظر عن طائفته أو دينه.
ولكن واشنطن قد تنازلت في الكثير من الأمور إلى وجهات نظر موسكو، وكان الموقف المبدئي لواشنطن، القائل بأن نظام الأسد لا يمكن أن يعيد الاستقرار لسورية هو الأصح، فلن يكون هناك استقرار في سوريا لسنوات قادمة إذا استمرت روسيا بحملتها العسكرية التي تقوم على نقل العملية السياسية إلى حيث يريد السيد بوتين أن تذهب.
وحتى لو فاز الأسد بالجولة الدبلوماسية بعد التغيير الغير المتوقع في تفكير إدارة أوباما، الانتصار في الحرب على أرض الواقع أمر مختلف تماماً، فالمعركة ستندلع مجدداً، والخاسر الحقيقي هو المدنيين في سوريا، إن نجاح العملية الآن هو أمر مؤقت، سيمنح الولايات المتحدة الفرصة للتباهي بإنجازاتها السياسية فيما تنكر أن الحل الذي وضعته ليس بحقيقي بل مصطنع .
لقد انتهى الأمر بكيري لأن يقرأ نص السناريو الذي وضعته موسكو لحل الازمة، وهو أمر غير مفاجئ، فكما أثبتت الإدارة الأمريكية مراراً وتكراراً أنها لا تملك أي استراتيجية لحل الأزمة، وبالتالي فإنها سوف تساق خلف أولئك الذين يملكون استراتيجية واضحة كروسيا.