The Guardian - ترجمة بلدي نيوز
لا يمكن أن يوجد أمر أكثر أهمية وإلحاحاً من وضع حد للمأساة الإنسانية الفظيعة التي تزعزع الاستقرار الإقليمي والتي نتجت عن الصراع السوري، حرب قد قتل فيها ما لا يقل عن 300.000 ألف شخص، وشردت حوالي نصف سكان البلاد في الداخل وتسببت في فرار أكثر من 4 مليون خارج البلاد للبلدان المجاورة.
لقد أصبحت سوريا أسوأ كارثة إنسانية في عصرنا، وأدت محنة شعبها إلى زعزعة خطيرة في استقرار أوروبا وكشفت عن نقاط الضعف في المؤسسات الأوروبية.
وإذا كانت الأزمة الإنسانية في سورية لا تكفي وحدها، فالحاجة الملحة إلى حل لأزمة اللاجئين في أوروبا من جذورها، هو سبب كافي لإيلاء اهتمام كبير لمحادثات السلام التي من المقرر أن تبدأ يوم الجمعة في جنيف، ولكن إحضار الجميع على طاولة المفاوضات أمر صعب، ففي ظل المناخ السياسي الحالي، يبدو الهدف المعلن للمحادثات طموحاً بشكل مذهل، فبموجب قرار الأمم المتحدة الذي صدر في كانون الأول، كان الغرض من محادثات جنيف هو تنظيم اجتماع لممثلي المجموعات لكل من نظام الأسد والمعارضة، على أمل أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومة جديدة، وفي مرحلة لاحقة لانتخابات رئاسية.
وفي هذه المرحلة من الحرب المدمرة، من الجيد أن نرى أن هناك إمكانية لمحادثات والتي تعتبر بحد ذاتها إنجازاً، ومع ذلك الخطر يكمن في أن تكون هذه المحادثات هي مجرد دبلوماسية وهمية.
أولا: مسألة حماية المدنيين السوريين قد قلت أهميتها حتى خرجت خارج جدول الأعمال الدبلوماسية، ولكن لا يمكن تحقيق تقدم في محادثات سلام لا ترعي انتباهاً لمأساة المواطنين السوريين ومحنتهم.
ثانياً: يبدو أن القوى الغربية قد قدمت تنازلات سياسية ورئيسية لروسيا وإيران، وهما العاملان الرئيسيان في دعم نظام الأسد، ونتيجة لذلك، سوف يشعر الديكتاتور السوري بأن لديه المزيد من القوة والتمكين لمتابعة الاستهداف الجماعي لمواطنيه ومواصلة حرب الاستنزاف، لأن باعتقاده هو سيخرج كفائز في نهاية المطاف.
إن الدبلوماسية عملية بطيئة، ويتخللها دائماً نكسات وشكوك وعناوين سلبية، لقد استغرق توقيع الاتفاق النووي مع إيران سنوات من الجهد والصبر، وكذلك كان الوضع مع كوبا، ولكن الدبلوماسية ليست مجرد ثرثرة، ولا يمكن التقليل من قيمتها لمجرد وضع أناس في غرفة واحدة، أو جدولة اجتماعات للقمة، في نهاية المطاف، السلام يتوقف على الجوهر، وهناك شعور يتزايد الآن بان إدارة أوباما التي انتهجت الاستعلاء عن جوهر الأزمة، تحاول الآن كسب الوقت الضائع وهي تدخل عامها الأخير، بدلاً من معالجة الأسباب الأساسية لهذه الحرب التي احتدمت لفترة طويلة.
وفيما تقترب الاحتمالات من إجراء محادثات، يبدو أن قرارات الأمم المتحدة التي دعت فيها إلى إنهاء القصف بالبراميل المتفجرة، وإلى رفع الحصار الذي عرض الناس في مضايا وغيرها من المدن السورية إلى خطر الموت جوعاً، وإيقاف الفظائع والمجازر الجماعية الأخرى التي تعرض لها السوريين بشكل رئيسي من قبل جيش الأسد، كل هذه القرارات والمبادئ أغفلت تماماً الآن وكُنست تحت سجادة الصمت!
من جهتها، رفضت جماعة المعارضة إجراء محادثات إذا لم تتم الاستجابة لتلك المطالب، وهذا لا يعد عرقلة، وكما قيل فإن الإدارة الأمريكية قد حاولت الضغط عليهم من خلال التهديد بقطع المساعدات، وهذا ليس بخلفية جيدة لبناء الثقة، ناهيك عن صياغة اتفاق سلام مستدام.
وفي الوقت نفسه، تطالب كل من روسيا وإيران بأن يتم تعديل وفد المعارضة إلى جنيف لتشمل العناصر التي وافق عليها نظام الأسد والمواتية لمصالحه الخاصة، وإن لم ترفض الولايات المتحدة هذا المطلب فهي بذلك تقتل شرعية الوفد في عيون السوريين أنفسهم، وتحبط أي أمل في مفاوضات حقيقية.
ما هو أكثر من ذلك، أن وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، تحدث عن "حكومة وحدة وطنية" في سورية، وليس انتقالاً سياسياً للحكم، وهذه المفردات لا تقلد فقط تصريحات روسيا ولكنها تتعارض أيضاً مع الوثيقة الأساسية التي تهدف المحادثات لبنائها، وهي بيان جنيف 2012 والذي يدعو إلى انتقال سياسي بالتراضي، حتى أن الولايات المتحدة توقفت عن التصريح بأن بشار لا ينبغي أن يخوض الانتخابات الرئاسية.
إذا كان هناك أي أمل للسلام في سوريا، يجب أن تكون المحادثات مبنية على أساس متين، خصوصاً بعد النكسات التي عانت منها في الآونة الاخيرة، وقد يبدو من السهل الضغط على المعارضة السورية ولكن الأصح والمكان المناسب للضغط هو على مؤيدي الأسد، إيران وروسيا ليدعموا تسوية في نهاية المطاف من شأنها تهميش الأسد.
يجب إحراز التعاون تحت أي ظرف، ولكن حتى الآن يبدو أن روسيا تقوم بتقويض أي محادثات سلام بدل التركيز على إنجاحها، والأسوأ من ذلك، تترك للأسد اليد العليا في سورية، وبذلك يبدو أسطورة "تنظيم الدولة" وكأنه المدافع الوحيد عن المسلمين السنة.
إن المحادثات من أجل المحادثات فقط ستعطي فقط وهماً بالتقدم، ولكنها تأتي بفاتورة مرتفعة من دماء السوريين ومن أمن الغرب، إن هذه الدبلوماسية الكاذبة ليست بدبلوماسية أبداً، بل هي مجرد وهم.