The Washington Post – ترجمة بلدي نيوز
فريدريك هوف - الباحث في المجلس الاطلسي الاميركي
في تصريح للرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخراً في مانيلا، قال للصحفيين أنه: "لا يمكن إنهاء الحرب الأهلية في سورية مع بقاء الأسد في السلطة"، ولكن وفقاً للرئيس "قد يستغرق الأمر عدة أشهر، حتى يقر الروس والإيرانيون وبصراحة حتى بعض أعضاء الحكومة السورية والنخب الحاكمة داخل النظام السوري بالحقائق التي أقولها".
حتى الرئيس السوري بشار الأسد نفسه، قال على التلفزيون الإيطالي الرسمي أن العملية الدبلوماسية المفترض إطلاقها في فيينا للانتقال السياسي من دونه هي مجرد "هراء"، مشيراً إلى أن أحد منفذي هجمات باريس سوري بقوله: "لا يمكن البدء بأي حوار سياسي دون هزيمة الإرهابيين الذي يحتلون أماكن من سورية"، وهم وفقاً للأسد "جميع من يعارضه".
حتى الآن، الكثير من سياسة واشنطن تجاه سوريا تتمحور حول (التوقع والتأمل من الآخرين أن يعترفوا بالحقائق الموضوعية وأن يتصرفوا وفقاً لذلك)، وقائمة التصريحات تعود إلى عام 2011: يجب أن يتنحى الأسد من أجل مصلحة سورية، يجب على الأسد أن لا يستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه فذلك يعتبر خطاً أحمر، يجب على الأسد قراءة بيان جنيف الختامي عام 2012 والاستعداد للمغادرة، يجب على روسيا أن تدرك أن تدخلها في سورية سيبعدها عن العالم الإسلامي السني، يجب على إيران أن تستوعب الفرصة لتصبح دولة طبيعية وقوة من أجل الاستقرار الإقليمي؛ يجب على الجميع أن يدرك أن السوريين لن يوافقوا على مكافحة تنظيم "الدولة" مادام الأسد باقياً في الحكم.
ولاشك أن حال السوريين والروس والإيرانيين سيكون أفضل بكثير، والعالم سيصبح أكثر اماناً، لو كانت الحقائق التي ينطق بها الرؤساء الأمريكان لها قيمة حقيقية.
للأسف، تصريحاتهم ليس لها أي اعتبار لدى خصومهم، حتى ولو كانت صحيحة بشكل موضوعي، فالإدارة الأمريكية تعرف كل أبجدية السياسة الخارجية وتقدم المحاضرات على أمل أن يتعلم الطلاب من ذلك.
وهذا النهج ليس بجديد، فمنذ ما يقرب الثمانين عاماً _ كان القادة الغربيون دائماً يبدؤون جملهم الخالية من أي عمل بعبارة "من المؤكد أن هتلر يدرك.......".
أما الأسد فيعالج الحقيقة الأساسية في هذه المسألة بشكل مختلف عن اوباما، فهو يرى سوريا كما لو أنها إرث شخصي له، بل ويذكر العالم باستمرار أنه باق ولن يتنحى.
بالنسبة لإيران وروسيا، واللذين تساعدان الأسد، فليس الموضوع أنهما لا يدركان تماماً الحقائق الأساسية، فهم يعرفون تماماً أن الأسد هو أكبر عقبة أمام مكافحة "تنظيم الدولة الإسلامية"، وهم يعرفون فظائع الأسد ومجازره ضد شعبه، ولكنهم لا يهتمون _فمصالحهم الرئيسية في سورية لا تولي أي أهمية إلى القضاء على التنظيم، فلأسباب خاصة بهم _ ترغب كل منهما قبل كل شيء بإبقاء الأسد على رأس الحكم.
وقد يجد المرء صعوبة كبيرة في وضع اللوم على السياسي الدؤوب والمتصلب الرأي "جون كيري" والذي يحاول تقديم شيء حقيقي من مجرد أمنيات، وهو نهج فارغ وحزين يتوقع من روسيا وإيران إدراك الحقيقة والاعتراف بالخطأ لا أكثر.
فوزير الخارجية الأمريكي، قال مؤخراً لشبكة فرنسا الثانية: "إذا استطعنا إحضار روسيا وإيران لطاولة المفاوضات، فإن المسار السياسي سيتحرك في الأسابيع المقبلة، ولن يستغرق أشهراً، وفي الأسابيع المقبلة إذا استطعنا جمع المعارضة جنباً إلى جنب مع الفريق التفاوضي لحكومة الأسد، فإن عملية وقف إطلاق النار ستكون ممكنة خلال أسابيع، وإذا استطعنا إقامة حكومة انتقالية بشكل فعال، سيكون لدينا القدرة على حشد القوات الحكومية جنباً إلى جنب مع المعارضة لمكافحة تنظيم الدولة، فهذه هي الطريقة الفعالة للقضاء عليهم".
الكثير من "إذا" في تصريحات كيري، ولكن هل يعتقد فعلاً أنه يستطيع إقناع الزعيم الأعلى "الروحاني" بأن حكومة فعالة في سورية وتشكيل جبهة موحدة ضد "الدولة الإسلامية" هو أكثر أهمية من وجود عميل موثوق قادر ومستعد لفعل أي شيء يُطلب منه لدعم الميلشيا اللبنانية لحزب الله ؟.
وهل يستطيع إقناع فلاديمير بوتين أن الحكم الشرعي في سورية وضرب "تنظيم الدولة الإسلامية" أهم من إذلال الولايات المتحدة بالحفاظ على الأسد؟ أو من الحصول على مزيد من السلطة له، كيف سيفعل كيري ذلك دون نفوذ واضح، ومن وراء ابتسامة وأناقة السياسي، إنه فعلاً لأمر غامض.
فلا الأسد ولا عائلته لديهم النية للاستسلام، وكل تصريحات كيري التي تستخدم كلمة "إذا" والتي تطلب من الأسد القيام بأشياء، يقابلها الأسد برفض قاطع وازدراء، وواشنطن لن تلوي يد الأسد، فهي تنتظر من روسيا وإيران أن يفعلا ذلك وينفذا الحقيقة التي تراها واشنطن.
قد يستحق كيري فرصة لإنجاح ذلك، لكنه يحتاج أيضاً أن يحافظ على إيمان الشعب السوري بذلك، فمن السهل على أوباما أن يتكلم بطريقة "الأساقفة "عن الأشهر الطويلة التي ستستغرق من فاعلين سيئين جداً مثل "روسيا وإيران" ليدركوا حقيقة الأسد السيئة ويتصرفوا وفقاً لذلك، وبذلك لا يتحمل الرئيس الامريكي أي عواقب على ذلك، كمحلل سياسي لا شأن له بما يحدث.
ولكن في سورية، الأشهر تعني موت الآلاف، الأشهر تعني أن الناس ستذبح، تشوه، تموت جوعاً، تعذب، تغتصب من قبل رجال الأسد.
مزيد من الأشهر تعني مقتل العديد من الشباب المجندين لحماية القاتل الأسد وأسرته اللصوص، تعني مزيداً من القوارب المطاطية الغارقة للاجئين يبحثون عن ملجاً آمن في اوروبا.
إن مزيداً من الوقت يعني ان "تنظيم الدولة الإسلامية" سيخطط للمزيد من العمليات من داخل سورية لعدم وجود قوات برية مختصة وقادرة على تضييق الخناق عليه تحت قيادة الولايات المتحدة.
وفي أعقاب هجمات باريس في 13 تشرين الثاني، كم من الوقت تعتقدون أننا نملك قبل أن يضرب هؤلاء الإرهابيين (الموجودون في سورية) مرة أخرى؟
لذا، ينبغي أن يكون تعاقد كيري مع الشعب السوري كالآتي:
إذا لم توقف روسيا وإيران عميلهم القذر عن عمله بارتكاب المجازر الوحشية بحق المدنيين الآن، فسوف نستنتج أن عملية فيينا بكاملها لا قيمة لها، وإذا لم يتمكنوا من وقف القتل، فكيف ستتم المفاوضات بحسن نية.
حينها سأقترح على أوباما أن يتخذ خطوات تحمي المدنيين السوريين من القتل الجماعي، سأوصي أيضاً أن نبني تحالفا قادراً على تدمير "تنظيم الدولة الإسلامية" على أرض الواقع.
وإن قال لا، فحينها يجب عليه ان يبقي محادثات فيينا قائمة وصامدة، حتى يتمكن هو من انتظار الآخرين ليدركوا الحقائق التي ينطق بها، أما عني فسوف أستقيل.