استراتيجيّة أوباما في سوريا هي الجنون بحد ذاته - It's Over 9000!

استراتيجيّة أوباما في سوريا هي الجنون بحد ذاته

الفورين بوليسي -(ترجمة بلدي نيوز)
أصبح اتّفاق وقف إطلاق النار الأخير في حالة من التمزّق، ولكن أمريكا تبقي على تواصلها مع روسيا في حين أنها تتوقع نتيجة مختلفة!

وتظهر أحدث محاولة دبلوماسية لإعادة الهدوء إلى سوريا وتمهيد الطريق نحو السلام بأنها قد باءت بالفشل، فبعد أسبوع من منع تسليم المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، والانتهاكات المتجدّدة لوقف إطلاق النار، قامت الطائرات الروسية يوم الاثنين بقصف قافلة مساعدات مشتركة للهلال الأحمر السوري والأمم المتحدة، ومستودع خارج مدينة حلب، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من نصف موظفيها، بما في ذلك مدير برامج المساعدات الإقليمية للهلال الأحمر السوري.

وجاء ذلك الهجوم بعد دقائق من إعلان نظام الأسد عن انهيار وقف إطلاق النار، ومن ثم قتل عشرات المدنيين الآخرين وأصيب عدد منهم في الغارات الجوية والمدفعية الثقيلة على الأحياء المحاصرة والتي يسيطر عليها الثوار شرقي مدينة حلب.

لقد تم اكتشاف بقايا لقنبلة انشطارية أسقطت جواً من قبل الطائرات الروسية في حطام مستودع الهلال الأحمر السوري، وخلصت تحقيقات الولايات المتحدة بأن الطائرة الحربية الروسية سوخوي سو 24 هي المسؤولة عن تلك الجريمة، في حين قال ستيفن اوبراين مسؤول الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في أعقاب ذلك الاستهداف - والذي استمر قرابة ساعتين - بأن ذلك القصف يمكن أن يعتبر "جريمة حرب".
ولا شيء ممّا سبق ينبغي أن يكون بمثابة مفاجأة، حتى وإن كانت الآثار مدمّرة ودموية، إن الحكومة الروسية ناهيك عن نظام الأسد، لم تكن أبداً شريكة موثوقة للسلام في سوريا، ولكن حتى بعد التفجير الروسي على قافلة المساعدات، لا تزال إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تضخ طاقاتها في تلك الصفقة التي تهدف إلى العمل مع الحكومة الروسية.

وعلى الرغم من الانتهاك الصارخ للقانون الإنساني الدولي، وقف وزير الخارجية الامريكية جون كيري في نيويورك يوم الثلاثاء مؤكداً أن "اتفاق وقف اطلاق النار في سوريا لم ينهار بعد"، إذ يبدو بأن إدارة أوباما تميل للاعتقاد بأن تصاعد القتال في أماكن أخرى في سوريا - بما في ذلك الغارة الجوية التي استهدفت منشأة طبية في بلدة خان طومان مساء الثلاثاء مما أسفر عن مقتل 13 شخصاً - هي مجرد نسج من الخيال!

في يوم الأربعاء، قال كيري في مجلس أمن الأمم المتحدة بأن إنكار روسيا لمسؤوليتها حول استهداف قافلة المساعدات كان دليلاً على أنها تعيش في "عالم موازي"، ولكن وعلى الرغم من ذلك، فقد انتقل ليدعو الروس مرة أخرى للتعاون في ذات الصفقة التي انهارت فقط في الأسبوع السابق.

إن إدارة أوباما تنظر للأزمة السورية من خلال عدسة مكافحة الإرهاب، ولكن مثل هذا الإخفاق الدبلوماسي، لا يزال يشجع الجهات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة والذي قدم نفسه عمداً كحليف موثوق وضروري للمعارضة، ليكرّس نفسه فقط لقضية تخليص سوريا من نظام الأسد، وذلك عن طريق الدمج العميق في داخل الديناميكيات الثورية السورية، والدعوة لملء الفراغ الذي خلفه قصور الدعم الأجنبي الغير كافي أو عدم تقديم أي حماية.

لقد آن الأوان فعلاً ومنذ وقت طويل لتقوم الولايات المتحدة بإعادة تقييم نهجها المشين نحو الأزمة السورية، إن كلاً من تنظيم الدولة والقاعدة هما أعراض لذلك الصراع، في حين أن الصراع السوري في حد ذاته هو أحد أعراض الإدارة الفاشلة في الأساس، وإخفاقها في اختيار علاج حقيقي لتلك الأعراض، لقد واصلت واشنطن تقليص فرصها في حل القضايا بشكل أكبر من خلال طريقة لعبها في سوريا.

الآن يجب أن يكون واضحاً بشكل جليّ أنه وخلافاً لآمال البعض، فإن الحكومة الروسية ليست هي مفتاح السيطرة على السلوكيات المشينة لنظام الأسد، فلمدة أسبوع على التوالي، قامت الحكومة السورية باستمرار بتجاهل مطالب موسكو ودمرت اتفاق وقف إطلاق النار الذي كان إلى حد كبير من صنع روسيا، فقد عزّز النظام من مواقع قواته في المناطق المحيطة بمدينة حلب، كما قام بتجميع قواته قبالة البلدة الاستراتيجية في الشمال "جسر الشغور"، كما ألقي باللوم على طائراته بقصف المناطق المحيطة بحلب، وشمالاً في مدينة حمص، وأجزاء من محافظة درعا الجنوبية، وبعد أن أعلنت حكومة الأسد انهيار وقف إطلاق النار، قامت روسيا بدورها بشراسة بتدمير قافلة المساعدات المخصصة لتقديم المساعدة لأكثر من 78،000 من المدنيين.

إن قرار النظام السوري لإفشال أحدث الجهود الدبلوماسية يجب أن يظهر نقطة واحدة بسيطة: بشار الأسد لا ينوي التنحي عن السلطة، وأنه سيستخدم أي وسيلة تحت تصرفه لمنع ذلك من الحدوث، من الاعتقال التعسفي، للتعذيب، واستخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً، والقنابل البرميلية، والأسلحة الحارقة والعنقودية والانشطارية، إلى الحصار على غرار القرون الوسطى - لا توجد من طريقة محظورة إذا ما كانت قد تساعده في تحقيق هدفه، إن المناشدات العالمية الواهنة واتفاق عام 2013 لتدمير الأسلحة الكيميائية السورية، والتي يبدو بأنها تركت له البعض لاستخدامه، وتجاهل هجمات غاز الكلور من قبل النظام، اختارت الولايات المتحدة بعدم القيام أبداً بتحدي هذه الوحشية الوقحة لنظام الأسد، وهذا هو السبب الحقيقي في بقاء هذه التكتيكات بالتأكيد قيد الاستخدام من قبل نظام الأسد.

ولم يعد يمكن للولايات المتحدة الاستمرار في محاولاتها الوديعة لاحتواء آثار الأزمة السورية، فقبل خمس سنوات كانت سوريا مشكلة محلية، أما اليوم فقد أصبحت مشكلة دولية، إن تردد الولايات المتحدة، ونفورها من المخاطر، واختلافها الكلي والواضح ما بين البلاغة والسياسة، وفشلها الصريح في صون "خطوطها الحمراء" تضافرت جميعاً إلى ما يمكن أن يكون أفضل وصف بأنه نهج بارد من النفاق، لقد قامت واشنطن بالتحريض غير المباشر على تدمير الدولة بشكل اشامل، في تناقض مباشر مع مصالح أمنها القومي الأساسية، وقيمها الخاصة المعقودة بشدة.

وبدأت هذه الإخفاقات في الأيام الأولى للانتفاضة السورية، وعلى الرغم من أن إدارة أوباما أعلنت لأول مرة أن الأسد فقد شرعيته في يوليو 2011، فقد استغرق الأمر أكثر من عام بعد ذلك لتطوير سياسة جادة لمساعدة المعارضة، وحتى ذلك الحين، فقد تألّف دعم الولايات المتحدة فقط بتوفير الغذاء والمعدّات غير الفتاكة، وفي وقت لاحق وجدت وكالة الاستخبارات المركزية خطّة لتدريب وتجهيز برنامج لتأهيل الجيش السوري الحر حيث بعض النجاح في الحدّ الأدنى، ولكن مع ذلك فقد بقي التزام الولايات المتحدة ضئيلاً جداً بالمقارنة مع حلفائنا الإقليميين والذي كان غير منسقاً في كثير من الأحيان، مثل تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، ويبدو أن المسئولين الامريكيين أرادوا خروج الأسد ولكنهم أرادوا أيضاً أن يقولوا سراً بأنهم لا يثقون بالآخرين - ليقوموا بتقديم أي شيء لهم.

والنتيجة؟ ما يقرب من نصف مليون قتيل، وأكثر من مليون شخص يعيشون تحت الحصار، و 11 مليون نازح، بينما أدّى تدفق اللاجئين لحملة كارثية ضد المهاجرين في أوروبا وصعود اليمين المتطرف، بينما أصبحت سوريا الآن موطناً لربما الأكبر للمقاتلين الجهاديين في أي بلد، في أي وقت مضى.

وأمام هذا الوضع، يجب على الولايات المتحدة النظر في معالجة أوجه قصور سياستها في سوريا، بدءاً من خمس نقاط رئيسية، أولاً: أن الأسد ليس ولا يمكن له أبداً أن يكون جزءاً من الحل في سوريا، وببساطة ليس هنالك أي سيناريو قد يقبل فيه مجتمع المعارضة بالامتثال لحكمه، وكلما بقي الأسد لفترة أطول في السلطة، كلما زادت استفادة المزيد من المتطرفين.

ثانياً: لن يكون هنالك من حل عسكري بحت للصراع في سوريا - تسوية عن طريق التفاوض هي السبيل العملي الوحيد نحو الاستقرار، ومع ذلك فإن الأسد لن يقوم أبداً بالتعامل بجدية مع أي عملية سياسية على أي مستوى، حتى يجد نفسه قد وضع تحت ضغط ذي مغزى، الأمر الذي فعلت الولايات المتحدة حتى الآن ما في وسعها لأن لا تفعله.

وعندما يحين موعد تصميم تلك التسوية التفاوضية، يتعين على الدبلوماسيين أن يضعوا في اعتبارهم النقطة الرئيسية الثالثة: أن التقسيم من شأنه ليس فقط الفشل في حل الصراع في سوريا، ولكن من المرجح له أيضاً أن يؤدي إلى تفاقم المشاكل الموجودة وإنشاء مشاكل جديدة، إن معارضة التقسيم يمكن القول بأنها القضية الواحدة المشتركة والتي توحّد المجتمعات المعارضة والمؤيدة للأسد.

رابعاً، إن محاربة الجماعات المتطرفة والجهادية في سوريا لا يمكن لها فقط أن تتم بواسطة الرصاص والقنابل، إذ أن هزيمتها بدلا من ذلك ستتجلى بمسألة توفير البديل الأكثر جاذبية واستدامة وقوة، وبالنظر إلى جهودها الناجحة في الاندماج داخل المعارضة، وبناء القبول الشعبي لها كقوة عسكرية (وليست سياسية) فإن مشكلة تلك التنظيمات المتطرفة لن تمثل مشكلة مكافحة الإرهاب التقليدية، في حين أن اعتماد الوسائل التقليدية كالغارات الجوية ستفشل في هزيمتهم، وبدلاً من ذلك يجب علينا التفوق عليها فكرياً بتدعيم المعارضة المعتدلة.

وأخيراً، وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة قد يكون خصماً يمكن للولايات المتحدة محاربته ومكافحته إلى حد كبير بمعزل عن الأزمة السورية بشكل واسع، إلا أنها تبقى حركة إرهابية غير متناظرة وانتهازية، فبحكم طبيعتها يمكن الاعتماد عليها لاستغلال استمرار الصراع في سوريا لغايات خاصة، وإذا ما بقي الأسد في مكانه إلى أجل غير مسمى فإن الصراع سيستمر متفاقماً، في حين أنه سيكون التربة الخصبة لاستمرارية وجود تنظيم الدولة ليعيش بلا شك ويقاتل ليوم آخر.

وعند السؤال حول فشل السياسة الأمريكية الحالية في سوريا، يردد كبار أعضاء إدارة أوباما - وكذلك قام الرئيس بنفسه، مراراً وتكراراً بالتصريح بسخرية قائلاً: "وما هو البديل؟" وكأنه يقول أنه لا يوجد هنالك من أي بديل، في الواقع فإن هنالك بدائل كثيرة، ولكنها تتطلب كلها استخداماً أكثر تصميماً من قبل الولايات المتحدة للقوة الصلبة والناعمة.

ينبغي أن يبقى أمر حماية المدنيين تركيزاً أساسياً في أي استراتيجية واسعة النطاق، ولكن يجب أن تساندها عواقب حقيقية وملموسة على أي من المخالفين، ونظراً لمدة خمس سنوات في سجل سياسات الولايات المتحدة إزاء سوريا، فإن نظام الأسد يعلم جيداً تردد واشنطن في التهديد باستخدام أي شيء من القوة ضده، في حين أن الأسد قام مراراً بحصد ثمار هذا الموقف العاجز، إذا ما كانت الولايات المتحدة تأمل بوضع سياسة فعالة سوريا، يجب على هذا الأمر المهم أن يتغير وبسرعة.

إن العديد من الخبراء في الشأن السوري والمراقبين، يدّعون أنه إما قد أصبح الوقت متأخراً جداً لإنقاذ البلاد أو أنه يجب علينا الانتظار الآن لاختيار رئيس جديد في واشنطن، إن الادعاء الأول ليس حقيقياً بعد في وجهة نظري، في حين أن الادّعاء الثاني قد ينتهي بضمان أن الوقت في نهاية المطاف قد يصبح متأخراً.

إن المتشكّكين في اتّباع أي نهج أكثر حزماً في الأزمة السورية يمكنهم السخرية من منتقديهم بقدر ما يشاؤون، ولكن المرء يأمل أنه وبعد خمس سنوات من الإخفاق، يجب عليهم على الأقل الاعتراف بأنهم فعلوا الكثير من الأخطاء المتراكمة نظراً للنتائج، في غضون ذلك سيكون علينا مشاهدة نتائج النهج الأمريكي المخزي على شاشات التلفاز، حتى ذلك اليوم الذي قد تقوم به تلك النتائج بإصابتنا في موطننا.

مقالات ذات صلة

الحكومة الإيطالية تقنع الاتحاد الأوربي بتعيين مبعوث له في سوريا

محافظ اللاذقية: بعض الحرائق التي حدثت مفتعلة

النظام يحدد موعد انتخابات لتعويض الأعضاء المفصولين من مجلس الشعب

خسائر لقوات "قسد" بقصف تركي على الحسكة

لافروف"اختلاف المواقف بين دمشق وأنقرة أدى إلى توقف عملية التفاوض"

توثيق مقتل 89 مدنيا في سوريا خلال تشرين الثاني الماضي