بلدي نيوز-(خاص)
"بقيت مشبوحاً في السقف لأسبوع، كانت قدماي أقل الاجزاء تورما في جسدي، وربما أقلها ازرقاقاً، كنت أخشى أن تصاب قدمي بالغرغرينا، النعاس والألم كانا قد تمكنا مني، تخيل أن لا تنام لأسبوع، وتتعرض للضرب بأشكاله وتشاهد تعذيب وموت عدة أشخاص أمامك"، "طلبت مقابلة المحقق الذي كان طلب (شبحي) حتى اعترف، بعد أن فشل الضرب بكافة أشكاله في إجباري على الاعتراف بعدة أمور لم أفعل أياً منها، لم يتركوا شبراً واحدا في جسدي لم يحولوه للون الأزرق أو يملأوه بالجروح والكدمات".
ويتابع (عمر) وهو طالب كيمياء من ريف دمشق روايته لأحداث تعذيبه في فرع فلسطين، خلال الأشهر الأولى للثورة في سوريا، حيث تعرض لتهم تتعلق بتصنيع "المتفجرات" والعبوات والأحزمة الناسفة، من قبل محققي النظام، بعد أن عرفوا أنه يدرس الكيمياء في جامعة دمشق".
يضيف (عمر) "عندما بدأ المحقق في التحقيق معي، شعرت بأنه قفز من مكانه بمجرد أن قلت له أني أدرس الكيمياء، ليبدأ مباشرة بسؤالي عن كيفية تصنيعي للمتفجرات للجماعات الإرهابية حسب قوله، وتعرضت لتعذيب شديد، رغم أنني لم افعل أياً مما ذكره، وليس لديه أي إفادة ضدي بهذا الخصوص، بل فقط افترض ذلك بناء على دراستي، ففي فرع الأمن العسكري حيث اعتقلني حاجز طيار، حققوا معي حول التظاهر والكثير من التهم، لكن محقق فرع فلسطين كان أكثر خيالاً، ففترة اعتقالي كانت قبل بداية العمل العسكري في الثورة".
خرج (عمر) من فرع فلسطين بعد عدة أشهر، وعدة ملايين من الليرات التي دفعتها عائلته للحفاظ على حياته وإخراجه من مناطق النظام، حيث يتعرض المدنيون للاعتقال والتحقيق والإعدام، وفي الكثير من الحالات يوجد تهم معلبة جاهزة حسب دراسة أو مهنة الشخص.
بدوره، يؤكد (عبد الرحمن) هذا الكلام، وهو يعمل في لف المحركات وتصنيع أجهزة تنظيم الكهرباء من معرة النعمان، ويقول "اعتقلني الأمن السياسي الذي عذبني للاعتراف بالتظاهر وتشكيل عصابة أشرار وحمل السلاح، ثم حولت إلى الأمن العسكري بحلب، حيث غيرت التهم الموجهة إلي، أو بالأصح أضيف إليها تصنيع أجهزة تحكم للعبوات الناسفة، بعد أن سألني المحقق عن عملي وعن صيانة أجهزة التحكم بالسيارات، خصوصاً أن جيش النظام كان يتعرض للعديد من العمليات بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة خلال تلك الفترة، منها ما كان مسيراً لاسلكياً، ما جعل المحقق يضيف هذا الأمر إلى تهمي وإلى تهم جميع من يعملون بالكهرباء أو طلاب الثانويات الصناعية والجامعات ذوي الاختصاصات القريبة، فقد تعرضت لكسور متعددة في أصابعي والكثير من الاذيات خلال التحقيق، حتى اعترفت بالكثير من الأمور التي لم أفعل منها شيئاً".
مهنة (عبد الرحمن) كانت السبب الذي دفع النظام لاتهامه بتصنيع الأسلحة وليس أي دليل أخر، أو أي سبب، فقد اعتقل من حاجز في حلب، وليس خلال مداهمة أو أي عملية عسكرية للنظام، ليخرج بعد فترة بعد أن دفعت عائلته كذلك مبالغ كبيرة لإخراجه، بعد تحويله إلى دمشق.
أما (زهير) فهو مخبري ويمتلك شهادة معهد طبي، يقول أنه تعرض للتعذيب والاعتقال من حاجز في مدينة ديرالزور، وبقي لأسابيع في فرع أمن الدولة، حيث حقق معه بتهمة علاج "الارهابيين والمندسين"، رغم أنه غير ملم فعلياً بمثل هذه الأمور، فهو مخبري وليس ممرضا، ولكن اسم شهادته تسبب له بمثل هكذا تهمة وتعذيب، حتى خرج لاحقاً، بعد أن غيرت عائلته تهمته، وحولتها للتخلف عن الاحتياط، ثم سيق إلى جيش النظام، لينشق لاحقاً ويهرب باتجاه إدلب.
يلاحظ المتحدث لجميع الناجين من جحيم معتقلات النظام، أن النظام في معظم الحالات ليس لديه أي تهم ضد الأشخاص الذي يعتقلهم، لكنه يعتقلهم إما لورود أسمائهم في محضر تحقيق شخص سابق ما، أو كعقاب للمناطق التي تثور عليه، بالإضافة لعشرات ألاف الاعتقالات العشوائية، والمميز في الأمر أن المحققين يعملون وفق نموذج محدد، فلا يجوز أن يمر أي شخص تحت أيديهم ويخرج من دون اعترافات كاملة، ومكتوبة بخط يده، ما يعني أن الشخص الذي يدخل لابد أن يكون أو يصبح "مذنبا" ويقر بجريمته بخط يده (بدون تعذيب!).
ما يجعل من النظام يضع مجموعة من التهم، المرتبطة بالمهن المختلفة، فمن له علاقة بالكهرباء والهندسة تهمته تصنيع العبوات الناسفة، ومن يدرس الطب أو التمريض تهمته علاج "الارهابيين"، والصرافون تهمتهم تمويل الارهابيين، مصلحو السيارات تهمهم عادة تجهيز عربات مفخخة إلخ..
وتتوزع التهم الجاهزة حسب المناطق والأحداث التي حصلت فيها، وحسب رغبة المحقق في ابتزاز عائلة المعتقل، فكل تهمة كذلك لشطبها من الملف يوجد تكلفة معينة، وفي النهاية كل ما يحصل هو من إجرام نظام الأسد، الذي يسعى لبناء سوريا "المتجانسة"، التي لا مكان فيها لغير مؤيديه.