بلدي نيوز – (نجم الدين النجم)
استطاع الثوار تحرير مدينة الرقة كاملة في آذار/مارس من عام 2013، وطردوا نظام الأسد من المدينة، لتكون الرقة أول مركز محافظة سورية محررة من قبضة النظام، فعاشت وأهلها بعد هذا التحرير حالة من النشوة غير المسبوقة.
استطاع نشطاء الرقة والفعاليات المدنية، تحويل الرقة إلى أيقونة ثورية لامعة، فدأبوا على تنظيم الفعاليات المدنية الثورية، وتمكنوا من إدارة مدينتهم، واستطاعوا تعميم صورة جميلة لسوريا الحرة، بدون نظام آل الأسد، إلا أن هذا الحال لم يدم طويلاً.
سيطر تنظيم "الدولة" على مدينة الرقة في كانون الثاني/يناير من عام 2014، بعد انسحاب جبهة النصرة وأحرار الشام وفصائل الجيش الحر من المدينة، لتدخل المدينة بعد ذلك حقبة جديدة غير متوقعة، فبدأ التنظيم بالتمهيد لتحقيق حلم "الخلافة"، متخذاً من الرقة حجر الأساس الأول لتشييد حلمه، فشرع بحملة كبيرة من الاعتقالات كان نصيب الناشطين الثوريين الأكبر فيها، وفرض الضرائب، وسن القوانين بالفصل الكامل على مقاسه، وأغلق المدارس والمعاهد، وأعدم مخالفيه، مصادراً أحلام أهل المدينة بالحرية والتعددية والعدالة التي بذلوا فداء لها الكثير.
بعد تأسيس الأحزاب الكردية نظام الفيدرالية في شمال سوريا، في آذار/مارس من العام المنصرم، سارعت الولايات المتحدة إلى عدم اعترافها بهذا الإقليم، وأكدت تركيا من جهتها أنها لن تقبل بأي إقليم منفصل تترأسه الأحزاب الكردية على حدودها في الشمال السوري، بينما حذر نظام الأسد هذه الأحزاب من مغبة هذه الخطوة، و"النيل من وحدة سوريا"، إلا أن ذلك لم يمنع قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل الوحدات الكردية عصبها الرئيس، من إعلانها أن أي أرض يسيطرون عليها في الشمال هي من ضمن إقليم "روج آفا" الفيدرالي.
أطلقت "قسد" حملة "غضب الفرات" للسيطرة على مدينة الرقة التي تتمتع بموقع استراتيجي هام في شمال سوريا، في تشرين الثاني من 2016، واستطاعت "قسد" بعد مدة وجيزة من بدء العملية، السيطرة على مناطق واسعة في أرياف الرقة الشمالية والغربية، وطردت التنظيم منها، وتكمل خط المسير نحو مدينتي الطبقة والرقة، لتضم هاتين المدينتين إلى "روج آفا".
"أيقونة الثورة بين حلمين أحلاهما مر"، هكذا يقول الناشط الرقاوي "محمد الحمود"، الذي هاجر من مدينته مرغماً بعد أن رأى الثورة السورية لم تعد تملك القوة لمجابهة مشروعي الخلافة وروج آفا والنظام وميليشياته وداعميه كلهم سويةً، ويضيف الحمود لبلدي نيوز: "أنا على يقين أن قيم الثورة ستنتصر على هذين المشروعين، لكن اليوم لا أشعر أنها تملك القوة في صراع الدويلات هذا، فقيم الثورة بعيدة كل البعد عن قيم هذين الحلمين".
ويتابع "إن الدول تقوم بشكل رئيسي على الأرض والموارد والشعب، وهم يملكون الأرض والموارد، لكنهم لا يملكون الشعب، فكل أهالي الرقة يقفون جانب الثورة، ومهما فعل هؤلاء لن يستطيعوا أن يقنعوا الأهالي باستبدال الثورة وأهدافها بمشاريع لا تلبي طموحاتهم، بالحرية في دولة واحدة مستقلة".
وحول حلم الخلافة وحلم روج آفا، يقول الحمود: "داعش وقسد، هما وجهان لعملة التطرف الواحدة، وكلاهما يحاولان محاولات لا طائل منها، في إقناع الناس للوقوف إلى جانب مشاريعهم، وأنا أعول على التفاهمات الدولية لإجهاض هذين الحلمين، في المدى المتوسط".
من جهته، يقول السيد قاسم الهندي من أهالي الرقة "أنا سعيد لأن هذين الطرفين يقاتلان بعضهما، لأن كلاهما لا يريد ما يريده الشعب، وكلاهما لا يلبيان مطالب الشعب وثورته، التي أغدق عليها بالدم والدمع والقهر، لأجل أن تنتصر".
ويتابع الهندي "داعش وقسد هم صنيعة أفكار أجنبية عن المجتمع السوري، ولا أريد أن أتخيل الرقة وهي تنتقل من حكم أحدهما إلى الآخر، فكلاهما عندي سواء، وأملي بانتصار الثورة السورية كبير جداً، ولدي إيمان أن مدينتي ستعود حرة يوماً ما".
"تطرف اليمين وتطرف اليسار، تسلقوا على ثورتنا عندما مرضت"، هكذا يقول الشاب الأيهم الأحمد، ويضيف الأيهم: "الثورة السورية جعلت لأصحاب الدويلات رأياً وقرار، ولولا الثورة لما شاهدناهم، فأين كانوا حينما كانت المظاهرات ضد النظام كمن يلقي نفسه في النا؟".
ويضيف الأحمد: "الرقة لم تبذل الدماء لأجل الخلافة ولا لأجل روج آفا، هذان المشروعان بعيدان عن الشعب كبعد الأرض عن السماء، وما بني على باطل سيبقى باطلاً مهما طال به الزمن".
ويعيش أهالي الرقة في داخلها وخارجها حالة من الترقب، فمطامع "قسد" لا تختلف عن مطامع التنظيم، إلا أن الرعب يملأ قلوبهم لما ستؤول إليه مدينتهم في ظل هذه الحرب المستعرة للسيطرة عليها، يحذوهم الأمل إلى رؤية مدينتهم خالية من المتطرفين بجميع ألوانهم، ليعودوا إليها بعد أن هجرتهم الرايات السوداء والصفراء من بيوتهم، خلال السنوات الماضية.