Middle East Eye – (ترجمة بلدي نيوز)
في الوقت الذي تصرح فيه حكومة النظام السوري بأن إعادة بناء مدينة حمص المدمرة تجري على قدم وساق، إلا أن العودة مستحيلة بالنسبة للكثيرين الذين فروا من ذلك الرعب والدمار الذي طال المدينة السورية.
ففي مركز ثقافي صغير في مدينة طرابلس اللبنانية الشمالية، تواجدت مجموعة من ست نساء من مدينة حمص السورية، يجلسن في دائرة مغلقة، وسردت السيدة ابتسام وهي امرأة حمصية في الخمسينيات من عمرها، ذات نظرات ثاقبة، بلون أزرق داكن، واصفة حياتها سابقاً في مدينة حمص "أتذكر رقودي لعدة أشهر في الملاجئ"، كما أشارت إلى الحياة في حي باب سباع الحمصي قبل فرارها من هناك "لم يكن هنالك أي شكل من أشكال الحياة"، وكانت تجلس بجانبها، امرأة في العشرين من عمرها، تذكر مشاهد شهدتها ما بين عامي 2011-2012 في كرم الزيتون، المنطقة الحمصية المختلطة، العلوية-السنية والتي تغص بعمليات الخطف والإعدامات، قائلة "في إحدى المرات، كنت في المستشفى مع والدتي وجاء الطبيب ليحذرنا بأن الشبيحة كانوا يقومون (باغتصاب) الفتيات في الشوارع"، وقالت بأنها رأت جثثاً ملقاةً في القمامة.
هذه هي ذكريات السكان السابقين لمدينة حمص، حيث حوّلها القتال من عاصمة للثورة السورية، إلى "ستالينغراد سورية"، وأصبحت عودة السكان لها واقعاً صعباً جداً، وفي الواقع، فإن هذا هو بالضبط ما تريده الحكومة منهم أن يفعلوه- أن لا يعودوا!
إن الرواية الرسمية في دمشق هي أن مدينة حمص تولد من جديد، واثقة بأن النصر تم تحقيقه في المدينة، إذ قامت حكومة النظام في الشهور الأخيرة بدعوة الصحفيين والدبلوماسيين فيما وصفته بـ"جولات السلام" لمراقبة الشعور المتجدد من الهدوء في المدينة، ولاحظت تلك الوفود المشاريع الناشئة من إعادة إعمار المعالم التاريخية في وسط مدينة حمص، مثل مسجد خالد بن الوليد والذي يعود للحقبة العثمانية، وكنيسة أم الزنار، التي بنيت على أسس يعود تاريخها إلى 50 م، وبابا عمرو، المنطقة السنية المحافظة في المدينة، التي مزقتها ويلات الحرب، والتي تعرضت في عام 2012، لأحد أبطش وأعتى عمليات القصف الممنهج.
لا سكان.. لا خدمات
ولكن زوار المدينة أشاروا أيضاً إلى أن حمص لا تزال في حالة سيئة جداً، ووفقاً لمفوضية شؤون اللاجئين، ان 12 من أصل 36 منطقة في المدينة هي في حاجة ماسة لإعادة البناء والتأهيل، والأهم من ذلك، أن معظم سكان ما قبل الحرب في المدينة لا يزالون حتى الآن في المنفى، وقد لاحظ الخبراء الاقتصاديين في وقت سابق بأن الحكومة السورية ستواجه صعوبات جمة ضخمة لدفع أكثر من 100 بليون $، ضرورية لتمويل إعادة الإعمار، ومن المرجح أن تضطر إلى الاعتماد على الداعمين الدوليين.
كان سكان حمص ما قبل الحرب يقدرون بحوالي 700 ألف نسمة، 65% منهم من السنة، و25٪ من العلويين، و10٪ من المسيحيين.
وحين ازدادت حدة التوتر ما بين المتظاهرين ونظام الأسد، فإن أغلب العلويين والمسيحيين وقفوا مع القوات الأسدية، مما يجعلهم على خلاف مع الأغلبية السنية في المدينة، وأدى ذلك لتولد العنف الطائفي.
وبحلول عام 2012، كان الثوار السوريون قد سيطروا على عدة مناطق من مدينة حمص، و ردّ النظام على ذلك بحملة شرسة من القصف العشوائي على المناطق المأهولة بالسكان والتي تسيطر عليها المعارضة السورية.
بعد هدنة توسطت فيها الامم المتحدة في ديسمبر الماضي، سمح لمقاتلي المعارضة بالخروج من حي الوعر، الحي الوحيد المتبقي من المناطق الحمصية التي تسيطر عليها قوى الثوار، والانتقال إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية في شمال سوريا.
محمد الحمصي، والذي تحدث إلى صحيفة "عين على الشرق الأوسط" مستخدماً اسماً مستعاراً، كان قد فر من منطقة الخالدية في حمص تحت شدة القصف المدفعي التي قامت به قوات الأسد في أبريل من عام 2012، وانتقل حينها إلى حي الوعر، ووصف محمد الحمصي خطط إعادة بناء حي بابا عمرو الحمصي بأنها "حبر على ورق"، بينما كان رافضاً لكل خطط النظام في إعادة الإعمار، وقال "إن النظام بحربه يقوم بتغيير التركيبة السكانية لمدينة حمص"، و أضاف "إن كثيراً من السنة يخافون الآن من العودة"، كما انتقد وبشدة تدخل حزب الله، الذي يقاتل إلى جانب قوات الأسد، فضلاً عن مقاتلين أجانب مؤيدين للأسد من العراق وإيران.
لقد أفاد نشطاء مدنيون من المعارضة في الأشهر الأخيرة أن بعض السكان السابقين لحمص، تم اعتبارهم من قبل النظام السوري، بأنهم يتعاطفون مع المعارضة، وإيقافهم عند نقاط التفتيش عند محاولتهم العودة إلى ديارهم، وأفادوا أيضاً بأن مشاريع الإصلاح وإعادة البناء في المدينة، تتركز على الطرق التالفة والبنية التحتية لأنابيب المياه في أحياء العلويين والمسيحية، والتي لم تتضرر بشدة من جراء الصراع الدائر، وفي الوقت نفسه، تم وبشكل متعمد إهمال الأحياء السنية كحي بابا عمرو، ليترك للاضمحلال وذلك عقاباً له على مناهضته وعدم ولائه لنظام الأسد.
ونظراً للحاجة الملحة للتخطيط للمستقبل السوري، أنشأت الأمم المتحدة منبراً لإعادة اعمار البلاد وإعادة تنميتها في عام 2012، ولكن الأجندة الوطنية لإعادة إعمار السوري في المستقبل، والذي تقع مكاتبه الرئيسية في بيروت، واجهت الكثير من الجدل.
المستقبل المظلم
لقد تم منح الأمم المتحدة وصولاً محدوداً جداً إلى أحياء حمص، ومنعت الكثير من المنظمات الإنسانية الأخرى من الدخول، يقول نديم خوري، نائب مدير منظمة هيومن رايتس ووتش في عملياتها في الشرق الأوسط، بأن منظمته منعت من الوصول إلى مدينة حمص من قبل النظام السوري، بينما أشار خوري أنه وبالنظر إلى الطائفية والعنف الذي شهدته مدينة حمص، فإن العديد من السكان السابقين حذرون من العودة، وقال "إنه مصدر قلق كبير، ففي أجزاء كثيرة من سوريا نشهد تحركات هامة للسكان، أما في حمص، فإن معظم المدنيين لم يعودوا بعد".
كما حذر ناشطون سوريون أيضاً من تنامي الاستثمارات الإيرانية في أسواق العقارات السورية، ليس فقط في العاصمة دمشق، ولكن أيضاً في مدينة حمص.
وبالنظر إلى هذه القيود، يشير بيري كاماك، الزميل في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن، بأن التركيز على خطط إعادة البناء في حمص تخدم أساساً الأهداف الدعائية لنظام الأسد، إذ أنه يقوم بتقديم صور "للتطبيع" بينما يستمر الصراع بلا هوادة في أجزاء أخرى من سوريا.
وهكذا ، لم تكن أولئك النساء في طرابلس في عجلة من أمرهم للعودة إلى الوطن، فهم يشكون بأنهم في موضع ترحيب في مدينتهم، إذ قالت السيدة ابتسام وبحة الحزن واضحة في صوتها "لقد دمرت المدينة، وأصبح وجودنا هناك غير آمن البتّة".