بلدي نيوز - (تركي مصطفى)
تمهيد
في بلدٍ يتنازعه الموت بالأسلحة الكيماوية تارة وبالتقليدية المحرمة دوليا تارة أخرى, لاستئثار الأسد الأبدي بالسلطة دون سواه, تعجز الكلمات عن تصوير مشهد الموت بلا دم في مدينة دوما, مثلما عجزت المعارضة المسلحة عن مواجهة نظام الأسد مدعوما بقوى دولية, وأخرى إقليمية تملك صك حصانة من عواقب استخدامها للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا, والتي انتهكت ولما تزل كل القوانين والأعراف الدولية، إلى أن جاءت الضربة المشتركة للحلف الغربي ضد مواقع الأسد الكيماوية فجر السبت، تحمل في ثنايا صواريخها المجنحة التنفيس عن احتقانات داخلية أميركية وغربية، لروسيا دور أساسي فيها, لاتخاذ قرار الاستهداف.
مقدمة
اعتمد الأسد ومعه الميليشيات الإيرانية وبغطاء عسكري سياسي روسي على إيديولوجية القتل المختلفة, ولقد كسب كل المواجهات على مستويات مختلفة، عسكرية وأمنية وسياسية وجغرافية، حتى بات أقوى قوة مسلحة في سورية بعد أن انهارت قوته في العام 2013م، فاستثمرت روسيا هذا الانهيار وبرز دورها جلياً في إعادة تأهيل الأسد بالقوة العسكرية والغطاء السياسي، على أن توظيفاً أميركياً وإقليمياً لقوات الأسد أخذت تؤديه، عملياً، وفق تفاهمات سرية، من خلال الاستثمار الذكي في الموقف المعادي لتنظيمي "الدولة والقاعدة"، وإن بدا ذلك لكل متابع مجرد مزايدة إعلامية خادعة، يقوم بها الذي سلم البلاد لكل قوة محتلة ترغب في استمراره على كرسي السلطة, لذلك امتلك صكا دوليا في إبادة الشعب السوري بالغازات السامة كان آخرها كيماوي دوما, وتهجير ملايين السوريين لفرض استراتيجية التغيير الديمغرافي في سورية بما يخدم مصالح الدول النافذة في سورية, وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا ودول إقليمية كتركيا وإيران.
من هنا عاش السوريون، قبل الضربة حالةً من الذهول والاندهاش إزاء ما يجري من تراشق إعلامي بين الولايات المتحدة ومعها دول الغرب وبين روسيا، والتي يتصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي ما برح ينقل المعركة في "تويتر" من موسكو إلى طهران فدمشق, مرة باستعراض القوة العسكرية الافتراضية, ومرة أخرى بالتراجع عن تصريحاته, وقد تمكن بمجموعة تصريحاته من التوغل والسيطرة على مساحة واسعة من مراكز التواصل الاجتماعي في خطوات خرافية مثيرة للجدل, التقفها السوريون بالرهان على الضربة الأميركية المفترضة لتنفيذ مصالح محلية سورية, وهذا يدخل في باب الرجم بالغيب دون الأخذ بعين الاعتبار حسابات دقيقة تقودنا إلى حقبة أوباما الذي لا يختلف كثيرا عن خلفه ترمب, فكلاهما لا تعنيه مذبحة الشعب السوري, وما يدور من تشابك إعلامي بين الأطراف الدولية حول سورية, مجرد فرصة لتنفيس احتقانات خارجية يأتي في مقدمتها, مشكلات الولايات المتحدة الداخلية, ومحاولة تفكيك الاتحاد الروسي, وإعادة روسيا بناء أمجادها على جماجم الأطفال السوريين, وصولا إلى أزمات الاتحاد الأوربي, ولكن المؤتلف بين كل هذه الأطراف المختلفة هو عدم الاكتراث بمصير الشعب السوري, وبالتالي فإن الضربة الأميركية الغربية لا تعني فرصة للشعب السوري, فالغرب ليس جمعية خيرية يتبرع من خلالها لفصائل معارضة هي مجرد أدوات يحركها وفق أجنداته إن اقتضى الأمر أحيانا, ويتركها دائما تواجه مصيرها أمام آلة عسكرية مدمرة يأتي على رأسها الكيماوي في إشارة إلى أن نظام الأسد بالنسبة للغرب هو أهم من كل الفصائل والشعب السوري, ما دام يقتل الشعب التائق للحرية واستقلال القرار الوطني سواء بالكيماوي أو بالأسلحة التقليدية الفتاكة, والدليل على ذلك نسف الأسد لكل قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بوقف القتل والسماح للمنظمات الإنسانية بالعبور إلى المناطق التي يحاصرها منذ خمس سنوات وأكثر.
لذلك فالضربة ليست سوى محصّلة لمواجهات بين الأطراف الدولية حول حجم النفوذ الدولي في سورية وسواها من مناطق أخرى متنازع عليها, وهي ليست بالضرورة تطبيق القرارات الدولية, بل توظيف القوانين الدولية لتنفيذ أجنداتهم, وفق مصالحهم البعيدة عن الشعب السوري الذي يعيش في جحيم العدوان المتمثل بنظام الأسد وروسيا وإيران.
يناقش هذا الملف الضربة التي شنها الجيش الأميركي ومعه بريطانيا وفرنسا بأمر من الرئيس دونالد ترامب, واستهدفت برنامج أسلحة الأسد الكيماوية, والمتصل مباشرة بالمجزرة المروعة التي ارتكبها طيرانه يوم 6 أبريل/نيسان 2018، والذي خلّف عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين، بينهم نساء وأطفال في مدينة دوما.
ويتوقف الملف عند ردود الفعل الدولية على جريمة الأسد الكيماوية إلى أن حسمت الولايات المتحدة وحليفاها البريطاني والفرنسي الجدل الدولي في الساعات الأولى من صباح 14 نيسان/أبريل، إذ أطلقت الولايات المتحدة أكثر من مئة صاروخ من نوع "توماهوك" من مدمراتها في البحر الأحمر والمتوسط ومن قواعدها الجوية في "التنف" على مناطق إنتاج وتخزين السلاح الكيماوي الذي شكّل نقطة انطلاق طائرات الأسد نحو مدينة دوما.
ويعالج الملف تغيير قواعد اللعبة السياسية من خلال الإجماع الغربي بمنح الرئيس الأميركي دونالد ترامب صكا سياسيا دوليا لمواجهة الإرهاب المتمثل بنظام الأسد والإيرانيين وإيقاف التمدد الروسي في المنطقة والذي استخدم "الفيتو" في مجلس الأمن لتمييع قضية كيماوي الأسد, وامتصاص نقمة التوجه الدولي في عقاب الأسد.
ويتوقف الملف عند التداعيات السياسية في الدويّ الذي أحدثته الصواريخ الأميركية في المنطقة والعالم, وشظاياها السياسية مما أسفر عن تجاذبات دولية حصرت الروس ومحورهم في زوايا ضيقة بعد أن تجمهرت كبريات الدول حول قرار الرئيس ترامب, ويختم الملف آفاق المواجهة المحتملة والخيارات المفتوحة في ظل الاعتراك الروسي - الأميركي.
مقدمات كيماوي دوما.. 60 مجزرة أغلبها في الغوطة
شنَّت قوات نظام الأسد، في الثامن عشر من فبراير/شباط 2018، هجومًا بريًّا عنيفًا على الغوطة الشرقية بهدف القضاء على آخر معاقل المعارضة السورية في محيط العاصمة دمشق. وعلى الرغم من صدور قرار أممي يقضي بتثبيت هدنة إنسانية لمدة ثلاثين يومًا في عموم سوريا، إلا أن آلة النظام العسكرية والقوات الجوية الروسية لم تتوقف عن قصف المنطقة، مخلِّفة دمارًا واسعًا والمئات من القتلى المدنيين.
وحده شهر آذار الماضي, شهد ما لا يقل عن 60 مجزرة بحق المدنيين, حصلت 41 مجزرة منها في الغوطة الشرقية, ومنذ بداية نيسان حدثت مجازر عدة كان آخرها في مدينة دوما بالهجوم بالأسلحة الكيماوية.
لم تكن حملة شباط العسكرية, أول هجوم عسكري لقوات الأسد والميليشيات الشيعية على الغوطة, بل استمرار لهجمات متتالية على مدار سبع سنوات لم تتوقف للسيطرة على خاصرة دمشق, وفي بداية شهر آذار تمكنت القوات المعادية من اختراق الغوطة تحت غطاء جوي روسي كثيف ونجحت في عزل الغوطة إلى قطاعات تفصل بين جيش الإسلام في دوما وفيلق الرحمن في المناطق الغربية التي تهاوت تحت قصف جوي وبري, أنهكها خمس سنوات من الحصار الخانق، ارتكبت خلالها ميليشيات إيران وتلك التابعة للأسد شتى أنواع الجرائم في حق المدنيين، كان أشنعها قصف المنطقة بغاز السارين، في 21 أغسطس/آب 2013، الذي أودى بحياة 1429 مدنيًّا خلال لحظات، علاوة على اتباع سياسة التجويع حتى الموت واستمرار القصف اليومي الذي دمر أحياء بكاملها أبرزها حي جوبر الدمشقي الذي استحال إلى كومة من الحجارة.
القرارات الدولية بشأن الغوطة
بعد أن حوّل نظام الأسد وأحلافه من الميليشيات الإيرانية وروسيا, غوطة دمشق إلى أرض من الجحيم بحسب ما ذكرته المنظمات الدولية, أصدرت الأم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أربعة قرارات تجاهلها نظام الأسد وضرب بها عرض الحائط وتلك القرارات هي:
الأول: أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2118 يوم 27/9/2013 والمتعلق بالأسلحة الكيميائية السورية، والمجزرة التي ارتكبها نظام الأسد في الغوطة الشرقية يوم 21/8/2013يقضي بنزع السلاح الكيميائي في سوريا وحظر استخدامه في الأعمال القتالية.
الثاني: أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2139 يوم 23/2/2014 المشرِّع لعمليات العبور الإنساني عبر الحدود، وعبر جبهات القتال وإلى المناطق المحاصرة، والمطالِب بوقف القصف الجوي بما فيها البراميل المتفجرة.
الثالث: أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2209 بتاريخ 6/3/2015، الذي أدان تكرار استخدام غاز الكلور في قصف المدنيين والذي مهَّدت فقرته السابعة لفرض إجراءات وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال لم تلتزم دمشق بالقرار 2118.
الرابع: أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2401 الذي اعتمد بالإجماع وقف إطلاق نار فوري لمدة 30 يومًا، بالإضافة إلى كافة قرارات مجلس الأمن حول سوريا والتي لم يخلُ أحدها من بنود طالبت نظام الأسد برفع الحصار عن المدنيين والسماح للمساعدات الإغاثية والطبية بالوصول إلى المناطق المحاصرة دون قيود أو شروط.
المجزرة والعقاب
شن نظام الأسد بدعم روسي إيراني هجوما بالأسلحة الكيماوية المحظورة دوليا مستهدفا مدينة دوما بالغوطة الشرقية يوم 6 أبريل/نيسان 2018، والذي خلّف عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين، بينهم نساء وأطفال.
وأثار القصف الكيميائي في دوما تنديدات دولية واسعة، وجاء الرد الأقوى من الولايات المتحدة على لسان رئيسها دونالد ترمب الذي غرّد على حسابه في "تويتر" يوم 8 أبريل/نيسان 2018 واصفا الأسد بـ"الحيوان". وأعلن أنه سيتم اتخاذ "قرار قوي" للرد على الهجوم الكيميائي للنظام الأسد على مدينة دوما، ودعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى محاسبة نظام الأسد وداعميه وفي طليعتهم روسيا، إذا ثبت وقوع هجوم كيميائي في دوما.
وفي هذا السياق عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة يوم 9 أبريل/نيسان 2018 لبحث الهجوم على دوما، عرفت سجالا بين واشنطن وموسكو.
وجاء الهجوم على دوما بعد عام من تعرض بلدة خان شيخون شمال غربي سوريا إلى هجوم بغاز السارين أسفر عن مقتل أكثر من ٨٠ شخصا واتهمت الأمم المتحدة نظام الأسد بشنه.
ورد ترامب آنذاك على الهجوم بعد ثلاثة أيام حيث أطلقت بوارج حربية أميركية في المتوسط ٥٩ صاروخا من طراز "كروز" على قاعدة الشعيرات الجوية.
وفي سياق مجزرة دوما شن التحالف الثلاثي، الأميركي - البريطاني - الفرنسي، فجر الجمعة/السبت 14 نيسان الجاري هجمات منسقة على مواقع تتعلق بـ "برنامج السلاح الكيماوي السوري" في دمشق وحمص.
ورغم عدم استكمال وصول جميع حاملات الطائرات والمدمرات الأميركية إلى البحر المتوسط، استعجلت الطائرات البريطانية من قاعدتها في قبرص والمدمرات الأميركية والفرنسية في المتوسط توجيه حوالي ١٠٠ غارة. وكانت واشنطن بدأت نشر أكبر أسطول لها منذ حرب العراق عام 2003 في البحر المتوسط. يتضمن 10 سفن حربية وغواصتين في البحر المتوسط ومنطقة الخليج، بينها المدمرة دونالد كوك التي تحمل 60 صاروخ توماهوك، إضافة إلى 3 مدمرات أخرى. كما أن حاملة الطائرات "يو إس إس هاري تورمان"، التي تعمل بالطاقة النووية أبحرت مع 90 طائرة و5 سفن مرافقة من نورفولك بولاية فرجينيا إلى المتوسط.
إضافة إلى قطع بحرية فرنسية، وقطعتين بريطانيتين، وقرار لندن فتح قاعدتها في قبرص أمام الجيش الأميركي للتدخل في سوريا بشكل أوسع من مشاركة بريطانيا ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة". وساهمت قاذفات من السلاح الجوي البريطاني بشكل فعال كرسالة واضحة لروسيا في ضوء أزمة الجاسوس الروسي, ودعم الولايات المتحدة لموقف لندن بطرد العشرات من الدبلوماسيين الروس.
واختلفت الرؤى الأميركية والغربية حول أهداف الضربة الرادعة, حول نقاط من أبرزها:
- استهداف مناطق معينة تردع الأسد وتمنعه من استخدام الأسلحة الكيماوية مجددا من خلال تدمير المصانع ووسائل النقل والمطارات المنخرطة في هجوم دوما قبله وبعده.
- توسيع استهداف نظام الأسد في مناطق شرق الفرات وفي الجنوب السوري ومناطق أخرى كاستراتيجية سياسية تؤدي إلى حل سياسي.
- استهداف مواقع تابعة لإيران أو ميليشيا "حزب الله".
ولكن الرئيس الأميركي ترمب بقي متمسكاً بقراره في أن تكون الضربات متعلقة فقط "بالبرنامج الكيماوي وتجنب التصعيد مع روسيا"، لكن "مع توجيه ضربات أكثر من عقابية كما حصل في أبريل (نيسان) العام الماضي وأكبر من الردع".
هل تكفي الضربات لردع الأسد "الحيوان"؟
بعد أن فشل المجتمع الدولي بالضغط على روسيا من أجل التوقف عن دعم نظام الأسد الكيماوي, شنت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فجر السبت14/4/2018 هجوما صاروخيا وجويا على مواقع مختلفة ومتعددة متعلقة ببرنامج الأسلحة الكيماوية لنظام الأسد. وبعد انجلاء غبار الضربة, يتساءل السوريون هل هذه الضربات كافية لردع الأسد الحيوان الذي قتل ذبحا وخنقا وحرقا مئات الآلاف منهم وشرد الملايين؟
ويبقى السؤال السوري متصلا: هل هذه هي الطريقة التي وعد بها دونالد ترامب المجتمع الدولي في معاقبة الحيوان المتوحش الذي منحوه حرية القتل على مدى سبع سنوات؟
لا شك أن "الحيوان" خرج من مخبئه ليقول لترامب إن ضرباتك المحدودة لا تقتل الحيوانات المتوحشة, بل تعطيها دفعا للمزيد من التغول في الدماء.
فالأسد لا يعتمد حصرا في طرق قتله على مركز البحث والتطوير في برزة، ولا على مرافق القيادة والتحكم والتخزين في حمص أو سواها من أماكن أخرى, فالأسد يقتل الشعب السوري بالإضافة للكيماوي باستخدام القنابل التقليدية والقصف المدفعي المتواصل، جنبا إلى جنب مع المليشيات الشيعية ومرتزقة فاغنر الروس.
حتى لو تم التخلص مما تبقى من السلاح الكيماوي المخزون لدى الأسد فلن يردعه ذلك من ممارسة القتل اليومي ضد المدنيين, وسيكرر استخدام الكيماوي لاحقا بتأييد من روسيا وإيران مادام اختبر الجعجعة الدولية المدوية بصليات صاروخية ليست بذات أهمية فيما يتعلق بقضية الشعب السوري, كما أن الإدارة الأميركية أعلنت أنها لا تعتزم تغيير نظام الأسد, وتتحاشى المواجهة مع إيران أو روسيا، وبالتالي لا تمتلك رؤية استراتيجية تضع حدا "لحيونة" الأسد وإنهاء الحرب السورية.
الضربة الثلاثية وآفاقها المحتملة
استيقظت روسيا على وقع الصواريخ الأميركية والفرنسية والبريطانية وفي جعبتها عجز واضح بفشلها في حماية وكيلها الأسد بعد ثلاثة أعوام من الخراب والتدمير, يتزامن ذلك مع فشلها السياسي في آستانة ومن بعدها سوتشي لإيجاد تسوية سياسية في سورية تفرضها على المجتمع الدولي.
غيرت الضربات الثلاثية موازين الصراع في المنطق وكانت رافعة دفع بالرئيس دونالد ترمب المرتبك والمحاصر داخليا, بالإضافة إلى ما أشيع عن علاقاته المريبة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين, واهتزاز صورة أميركا في العالم, هذه الأسباب وسواها دفعته لاتخاذ قراره بعقاب الأسد, بعدما بدأت وكالات الأنباء العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي تتناقل صوراً مرعبة لعشرات الشهداء من المدنيين السوريين، مؤكدة أنهم قضوا بعد غارة جوية بالأسلحة الكيماوية شنّها نظام الأسد على مدينة دوما المحاصرة, وعلى الفور وجه ترامب الاتهام للثلاثي القاتل "نظام الأسد وروسيا وإيران" وحملهم المسؤولية كاملة وقرر توجيه ضربة عسكرية إلى مواقع الأسد العسكرية ذات الصلة ببرنامجه الكيماوي, وبدا واضحاً تصميم التحالف الثلاثي إلى الإنجاز والفعل، وإجبار روسيا المتمردة على الخضوع للإرادة الدولية في تغيير واضح المعالم لعودة الغرب وعلى رأسه واشنطن لقيادة نادي الأقوياء، وراكمت الثقة بالإدارة الأميركية الجديدة بعد طول اهتزاز, كما أن ترامب يدرك خطورة النفوذ الإيراني في المنطقة وسيسعى بجدية لإخراجها من المنطقة, وإن الاحتماء بروسيا التي عليها تغيير سياساتها المتضاربة مع المصالح الأميركية من خلال تمددها في المنطقة وبناء علاقات مع إيران ونظام الأسد و"حزب الله" مما قد يجبرها على إعادة حساباتها مع الحلف الجديد وهذا يتوقف على مدى رد الفعل الروسي الذي لا يزال مجرد فقاعات إعلامية مضطربة ومناورات سياسية بهدف امتصاص العودة الأميركية إلى حلبة الصراع, فالبيانات والتصريحات المنطلقة من موسكو تتمحور حول الهروب إلى الأمام بشكل مرواغ ينفي باستمرار حدوث مجزرة الغوطة المقترنة باتهامات واشنطن لموسكو بعلم المسؤولين الروس بتخطيط نظام الأسد شن هجوم كيماوي على مدينة دوما, وأن كل تصريحاتهم عبارة عن حملة تضليل على طبيعة الهجوم الكيماوي وهو ديدن الروس منذ الهجوم الكيماوي الأول على غوطة دمشق في العام 2013م, وفي هذا الإطار جاءت الضربات الثلاثية التي أدت إلى قلب موازين القوى ووضعت حدا لمراهقة بوتين العسكرية في سوريا, وأحرجته في الداخل وهزت صورته في أعين حلفائه من الإيرانيين ومعهم نظام الأسد وباقي الميليشيات الطائفية, لذلك تلجأ روسيا إلى التصعيد العسكري من خلال تكثيف قصفها للمناطق المحررة كما يحدث في ريف حمص الشمالي, وإعلانها عن نيتها بتزويد حلفائها بأسلحة متطورة وفتح معارك جديدة على مختلف الجبهات السورية, وكعادتها تعمل على المناورة السياسية والتضليل الإعلامي لصرف الأنظار عن مجزرة مدينة دوما بالهرب إلى فتح ملفات هامشية واختلاق مشاكل أخرى, ولكن هذا لا يعفيها من تورطها وحليفها الأسد في مجزرة الكيماوي مما يرفع وتيرة الصراع بين موسكو والغرب, ولم يبق أمام بوتين من خيارات أخرى سوى الاستجابة إلى تسوية سياسية في سورية تطيح بالأسد وتخرج إيران منها وهو ما تعمل الولايات المتحدة للتوصل إليه بالضغط على الروس مما يجنب موسكو صداما عسكريا ستكون حتما هي الخاسرة فيه.
وبالنتيجة, فالضربة ليست سوى محصّلة لمواجهات بين الأطراف الدولية حول حجم النفوذ الدولي في سورية وسواها من مناطق أخرى متنازع عليها, وهي ليست بالضرورة تطبيق القرارات الدولية, بل توظيف القوانين الدولية لتنفيذ أجنداتهم, وفق مصالحهم البعيدة عن الشعب السوري الذي يعيش في جحيم العدوان المتمثل بنظام الأسد وروسيا وإيران.