بلدي نيوز – (مصعب الأشقر)
مع طول عمر الثورة في سوريا، أو كما يسميها البعض "الأزمة السورية"، نتجت إفرازات عدة منها المادية التي عملت على إضعاف اقتصاد الفرد والمجتمع، ومنها الديموغرافية التي خلقت مجتمعات جديدة مكان أخرى، ولا نغفل الإفرازات المجتمعية التي كان أهمها عزوف فئة من الشباب عن الزواج في زمن الحرب.
بلدي نيوز، استضافت الباحث والمرشد النفسي والاجتماعي "جلاء خطاب" للحديث عن الأسباب التي أدت إلى عزوف فئة لا يستهان بها عن الزواج، حيث قال: "تدنت نسبة الإقبال على الزواج بعد انطلاقة الثورة السورية بين الشباب في الشمال السوري عن ما قبلها إلى حوالي 50%، وذلك مرده إلى عدة أسباب تختلف باختلاف البيئة الحاضنة لكن بالمجمل نستطيع القول إن العامل المادي يأتي بالمقدمة، حيث ارتفاع أسعار السلع وغلاء بعض المناطق بالمهور حد من نسبة إقدام الشباب على الزواج، ناهيك عن عدم توفر منطقة استقرار ولو كان نسبيا إذ يطمح الإنسان إلى الاستقرار بعد الزواج، وهذا العامل يفتقده الشاب السوري في منطقة الشمال المشتعلة بالحروب".
وأضاف خطاب أن "من أهم العوامل التي جعلت الكثير من الشباب في الشمال السوري يعزف عن الزواج هو مشاركته بالقتال حيث يتكون لديه فكر بعدم الارتباط مع شخص (فتاة) حتى لا تكون عبئاً عليه، أو يكون له أولاد يرتبط بهم ويفكر بإعالتهم أو ربما يخلفهم وراءه إن مات في القتال، الأمر الذي يجعل مبدأ الفردية مسيطراً على عقلية معظم الشباب الملتحقين بصفوف الجبهات".
ونوه "خطاب" في حديثه لبلدي نيوز إلى أنه "خلال الثورة السورية وما آلت إليه الحياة من ضيق في التدبير بحياة العائلة، جعل الشاب يفكر بأبسط الأمور ومن أين سيتدبرها لاسيما ثمن ربطة الخبز الذي وصل إلى أكثر من نصف دولار أمريكي أو أسعار الخضار التي فاقت الدولار الأميركي الواحد ببعض المناطق، أثقلت كاهل الشاب بمفرده مما حتم عليه الابتعاد عن إيجاد شريك يتحمل مسئولياته".
ولفت "خطاب" إلى مشكلة المعتقلين السابقين لدى مخابرات النظام بأن تلك الفئة أكثر من 35% منها لم تتزوج بعد خروجها من المعتقل، وذلك مرده إما لعاهة مستديمة بالجسد من آثار التعذيب تمنع الزواج، أو حبا من الأسير المحرر بالالتحاق بجبهات القتال لينتقم لنفسه من الآلام التي عاشها داخل السجن.
كما أكد أن الإنسان بفطرته يلجأ إلى العمل لتأمين استمرار حياته، ولكن مع ازدياد عمر الثورة واختفاء الحرف والمهن، أدى إلى نسبة بطالة كبيرة جدا بين صفوف الشباب في الشمال السوري وهنا يعود الفرد إلى تفضيل الالتحاق بجبهات القتال لاستمرارية حياته الشخصية بعيدا عن الارتباط.
وفي جهة أخرى رأى الباحث النفسي أن فئة قليلة من الشباب السوريين ولا يتجاوزون نسبة الـ5% تزوجوا وبالغوا بالزواج أكثر من مرة، والسبب مرده إلى تحسن حالتهم المعاشية على حساب أولئك العازفين عن الزواج فأصبحنا نرى أن الكثير من قادات الفصائل أو أرباب الأعمال البعيدة عن خدمة المجتمع قد تزوجوا مرة واثنتين وثلاث.. مما أحدث شرخاً حقيقياً بالمجتمع وتركيبته بين قادر على الزواج وغير قادر عليه.
أما عن الجهود من قبل المنظمات بالداخل السوري لحث الشباب على الزواج ومساعداتهم يقول الباحث إنها "كانت خجولة جدا فلم نسمع عن عرس جماعي تكفلته منظمة أو مؤسسة، إنما اقتصرت على مبلغ مادي لا يتعدى الـ200$ كمساعدة من فصيل عسكري لعنصر يريد الزواج".
وعن مساهمتهم قال: "نعمل من خلال حملات التوعية على النهوض بالشاب وأسرته كونهم اللبنة الأساسية والأسرة هي الوحيدة التي تعمل معه وتحثه على الزواج والابتعاد عن الفردية والعزلة والانطواء على الذات".
كما نوه إلى أن "منطقة الشمال السوري خاصة تفقد يوميا الكثير من سكانها إما بسبب الموت بأسلحة النظام أو الهجرة، وإن لم يتم تعويض ذلك بأفراد جدد وبأعداد كبيرة فإننا أمام تغير ديموغرافي لا محالة يسعى إليه النظام في عموم البلاد التي حولها نظام الأسد إلى عدة ساحات أهمها ساحة التغيير الديموغرافي، فهو يسعى إلى إنهاء نسل طائفة بحد ذاتها".
ومن وجه آخر يشجع (النظام) طائفة أخرى على التكاثر والتمركز بأماكن لا تعود إليها بالأساس، وفق الباحث الاجتماعي.
وختم "خطاب" حديثه بالتحذير من أن "النظام وحلفاؤه يعملون باستشارات عالية المستوى اجتماعية وسكانية لقلب التموضع المجتمعي في سوريا عموما مما ينذر بقلب ديموغرافي للسكان وهويتهم".