بلدي نيوز – (نور مارتيني)
طريق الكاستيلو.. اسم بدأ يتردد في الإعلام كثيرا منذ أيلول/سبتمبر عام 2015، فما هو طريق الكاستيلو، وما مدى أهميته، ولماذا تم اختصار الصراع في حلب باسم هذا الطريق، وكيف بات هذا الطريق حديثا لقوى دولية.
مؤخّراً، صارت أخبار هذا الطريق تتصدّر المشهد الإعلامي، تحديداً بعد أن تمكّن النظام، بمساعدة الميليشيات الشيعية، وقوات "حزب الله"، بالإضافة إلى "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي حافظت على حدودها مع تنظيم "الدولة" والنظام، ما تسبب بإطباق الحصار على الفصائل المسلحة المعارضة، التي باتت محاصرة تماماً، شرقي حلب، وفي بعض البلدات التي لم تتمكن قوات سوريا الديمقراطية، أو "داعش"، من التقدّم فيهما. هذه العملية تسببّت في تحويل أنظار المجتمع الدولي عن السبب الأساسي الذي قامت الثورة من أجله، والقضية المحورية، وهي الحرية والكرامة، والسعي لإسقاط نظام وجّه ترسانته من الأسلحة إلى صدور مواطني بلاده، بدل أن يحتوي مطالبهم في ضمان الحريات، والتخلي عن مفهوم الدولة الأمنية الذي بنى سلطته عليه، فحوّل بموجبه سوريا إلى دولة عميقة وفاشلة.
لقد أنجرّ المجتمع الدولي وراء لعبة النظام الإعلامية، فبدا الأمر وكأن ما يجري في سوريا هو عبارة عن مجاعة تسبّب بها ظرف مناخي معين، وليس نظام أمني حاصر الناس وجوّعهم بغية إجبارهم على الانصياع لرغباته، من أجل الحصول على حصّة غذائية، ومساعدات توصف بأنها "إنسانية"، فبات الكاستيلو محور اهتمام الإعلام، نظراً لكونه المنفذ الوحيد للقسم الشرقي من حلب، والمدن والبلدات التي تشكّل امتداداً له، بعد أن أحكم الحصار حوله من كل الجهات.
طريق الكاستيلو الذي تمكّن النظام من حصاره قبل قرابة الشهرين وتمكّن "جيش الفتح" من فك الحصار عنه، وذلك من خلال إحداث ثغرة، انطلاقاً من منطقة الراموسة، وتحرير عدد من الثكنات والمواقع العسكرية، غير أنّ قوات النظام تمكنت لاحقاً من استعادة السيطرة على بعض هذه المواقع، نتيجة الغطاء الناري الكثيف الذي قدمه لها الروس، والهجمات المكثفة من قبل الطيران الروسي، الذي استخدم كل أنواع الأسلحة المتاحة، بما فيها الكلور، والفوسفور الأبيض.
يرى الخبير العسكري، والمحلّل الاستراتيجي، العميد الركن "أحمد رحال" أن الغاية من تسليط الضوء من قبل الإعلام، بهذا الشكل المكثف على طريق الكاستيلو، وربطه بمسألة المساعدات الإنسانية هو "صرف نظر الرأي العام عن المطالب الأصلية للناس التي خرجت في ثورتها تنشد حقها في المواطنة والحياة الكريمة، وتحويلها إلى ثورة جياع، يستجدون المساعدات المقدّمة لها ممن قاموا بتجويعهم".
ويؤكّد العميد رحال أن "اتفاق فودكا- بيتزا الذي وقعه الروس والأمريكان هو اتفاق كارثي بكل المقاييس، وما رشح للإعلام هو جزء يسير من بنود الاتفاق، ذلك أنّ كل بند من بنود الاتفاق يحتاج اتفاقاً خاصاً، بعد مباحثات ومداولات، وإلا فلماذا لا يتم نشر الاتفاق كاملاً؟!" مبيّناً أن "دولاً عدة تشعر بالريبة تجاه هذا الاتفاق، ففرنسا على سبيل المثال طالبت بنشر بنود الاتفاق كاملة، هذا يعني أن ثمة ما يحاك في الخفاء، وأن ما تخفيه الأكمة أكبر مما تظهره".
في السياق ذاته، يشير العميد الركن أحمد رحال إلى أن "الموقف الأمريكي قد تراجع لصالح الرؤية الروسية، فالتحفظ على نشر كافة بنود الاتفاق معناه أن أمريكا لا تريد نشر كلّ البنود، وذلك لأسباب سياسية وعسكرية متعلّقة بها، أهمها الاستحقاق الرئاسي، وتجنّب المزيد من الأعباء العسكرية التي قد يفرضه عليها نشر الاتفاق"، مبيّناً أن "رسالة راتني للفصائل توضح أنّه قد تمّ تثبيت المطالب الروسية بأكملها، والتي تعهّد فيها بمنع تحليق الطيران، غير أنّه تمّ الاستعاضة عنها بتقاسم مناطق القتل ما بين التحالف الأمريكي - الروسي فوق (حلب وإدلب والرقة وحتى دير الزور) وبين طيران الأسد الذي تٌرك له أكثر من (65%) من الجغرافية السورية, إضافة إلى التغاضي عن كل الإرهاب العابر للحدود وكل الميليشيات الطائفية التي استقدمها نظام الأسد ونظام ملالي طهران لقتل الشعب السوري وعدم اعتبارها إرهاباً".
وعن دور الأمم المتحدة، في تثبيت هذه الحدود، يوضح العميد الركن "أحمد رحال" أنّ "الأمم المتحدة منحازة بشكل كامل للنظام، فميثاق الأمم المتحدة يقضي بضرورة إدخال المساعدات دون انتظار موافقة النظام، ولكن ديمستورا قال بداية إنه ينتظر موافقة النظام، وحين لفتنا إلى أن هذا الأمر مخالف لميثاق الأمم المتحدة، ادّعى أنّه ينتظر الحصول على تأكيدات بأنّ الطريق مؤمّن، ولن يتم استهدافه".. ويعقّب الخبير العسكري والاستراتيجي على هذا الموضوع موضحاً "ليس المطلوب من ديمستورا أن ينتظر موافقة النظام، بل هو مطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، والقاضي بإدخال المساعدات الإنسانية إلى كافة المناطق، لا أن ينتظر موافقة النظام، كان يكفي أن يذهب إلى مجلس الأمن، ويبلغه برفض النظام لإدخال المساعدات".
في السياق ذاته، يوضح العميد الركن "رحال" أن "الاتفاق كان يقضي أن تنسحب آليات النظام الثقيلة مسافة 3500متر، وأسلحته المتوسطة لمسافة 1500متر، وأن تبقى هنالك نقطتان في كلّ منهما 20 عنصراً بأسلحتهم الفردية، إحداهما للنظام والأخرى لفصائل المعارضة، ما حصل أن النظام انسحب بشكل كامل، لتحلّ محلّه قوات برية روسية، وهذا مرفوض تماماً"، مشدّداً على أنّ "الروس خصم لكلّ الثوار، وشركاء حقيقيون للنظام، ولا يمكن قبولهم على أنهم حياديون، فلا فرق بين الروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية".
كلّ يوم تتكشف حقائق جديدة، حول الاتفاق الروسي- الأمريكي، الذي هدّد كيري المعارضة السورية، بالقول إنه "الفرصة الأخيرة" غير أن التحفظ على نشر كامل بنود الاتفاق، يؤكّد ما ذهب إليه البعض من مخاوف حول "ترحيل مصير الأسد"، خاصة بعد تصريح "بوغدانوف" الذي أوضح فيه أّن على المعارضة السورية أن تنسى مطلب "رحيل الأسد" كشرط أساسي للعملية السياسية، سيما وأن روسيا قد حضّرت نفسها لهذه المرحلة من خلال المعارضة التي هيّأتها "تحت سقف الوطن"، وهي الوحيدة التي يصنّفها الروس على أنّها "معتدلة".