خيانة أمريكا الثانية للشعب السوري ! - It's Over 9000!

خيانة أمريكا الثانية للشعب السوري !

Al Arabyia  - ترجمة بلدي نيوز


عندما أجد نفسي أخوض في موضوع لمرات عديدة، كالمأساة السورية، أو التراجيدية الأميركية الحالية، والمعروفة أيضاً باسم الانتخابات الرئاسية، أنازع في تجنب تكرار نفسي، فكم من الطرق يمكن للمرء أن يحذر الناس فيها بعدم التصويت للدجال الدنيء "دونالد ترامب" والذي يستغل مشاعرهم في القلق ومخاوفهم في أوقات انعدام اليقين، ذلك الشخص الذي يتنفس الاستياء والوهم والجهل، وتنبعث منه أكثر من مجرد نفحة عنصرية؟ كيف يمكن للمرء من الناحية التحليلية، أن يخبر الشعوب في الشرق الأوسط وخارجه بانفعال، بأن تلك الرحلة المرعبة في سوريا ستكون بطيئة، وستجرنا جميعاً نحو أرض مجهولة ومظلمة؟


إن تجنب سوريا هذا الأسبوع كان غير ممكن نظراً لما تكشف بأن إدارة أوباما قد اقترحت اتفاقاً جديداً مع الحكومة الروسية في سوريا، حيث تقوم الدولتان بمشاركة معلومات مخابراتية، وستعملان على تعزيز التنسيق العسكري الذي من شأنه أن يسمح لروسيا للتوسيع من حملة قصفها لمقاتلي جبهة النصرة، والتي كانت القوة الرئيسية التي تقاتل نظام الأسد، وفي المقابل فإن روسيا ستقوم بالضغط على نظام الأسد لوقف الهجمات الجوية ضد تشكيلات الثوار السوريين الذين إما أنهم متحالفون مع الولايات المتحدة أو أن واشنطن لا تعتبرهم جماعات إرهابية.


ما إذا كان تم وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق المقترح وتنفيذه أم لا، فإن مجرد حقيقة أن الحكومة الأمريكية، وبمباركة من الرئيس أوباما شخصيا تسعى لمثل هذا الترتيب مع روسيا، تمثل إنكارا صارخا للسياسة الأمريكية المعلنة في سوريا منذ بداية "عملية جنيف" والتي تدعو إلى إنشاء سلطة حكم انتقالية ذات سلطة تنفيذية كاملة، مشكلة على أساس الموافقة المتبادلة.


فلمدة خمسة سنوات طويلة، كانت تكلفة تناقضات الولايات المتحدة السياسية والعسكرية في سوريا، ووعودها المحنوث بها وتهديداتها غير المنفذة صاعقة بشكل كبير، و إذا تم تنفيذ الاتفاق المقترح، فإن جدواه الأولى ستكون واضحة في تعزيز نظام الأسد، وإضعاف المعارضة المعتدلة جداً والتي تزعم الولايات المتحدة بأنها تنشئها، وفي نهاية المطاف، فإن هذا التعاون الأميركي-الروسي، سيكون في الواقع تحقيقاً لأهداف إيران في سوريا، وتوضيحاً لزوال الدبلوماسية وإدخال سوريا إلى حرب بطيئة وطويلة من الاستنزاف، ومرة أخرى، فإن الرئيس أوباما سيقوم بالتراجع عن التزاماته السياسية الخاصة، وأكثر من ذلك فإنها ستكون خيانة للشعب السوري ولمرة أخرى، فقبل بضعة أسابيع، صرّح المتحدث باسم البيت الابيض جوش ارنست، دون أي تلميح من السخرية، بأن الرئيس أوباما كان "سعيداً بكل تأكيد" بسياسة ادارته في سوريا، معترفاً بأن الأوضاع في سوريا هي "رهيبة" و "فظيعة" وبأن البلاد تشكل "خطراً متزايداً" على الولايات المتحدة ومصالحها.


ولا يمكن أبداً مقارنة موقف الرئيس أوباما البارد، والمنفصل عن الواقع وغير المبدئي إزاء ما يحدث في سوريا، مع الموقف الشجاع والمبدئي الذي أعرب عنه قبل أسبوعين 51 من الدبلوماسيين الذين يعملون على جوانب متعلقة بالحرب السورية، والذين دعوا في مذكرة المعارضة لاستخدام محدود للقوة العسكرية لإجبار نظام الأسد على الانخراط بجدية في المفاوضات، والتي كانت على وجه التحديد المبرر الأولي لدعم إدارة أوباما في وقت مبكر للثوار السوريين المعتدلين.

خمس سنوات طويلة من التناقضات

وبتحول الأولويات الأمريكية في رد فعلها على ما يحدث على الأرض، والتي قامت بإحباط وإضعاف حلفائها السوريين المزعومين، قام نظام الأسد وحلفاؤه الرئيسيين، إيران وروسيا بإقامة نمط ثابت يتجلى: بكون القوة العسكرية ستكون دوما الأداة الأساسية لتسوية الصراع بشكل حاسم أو منع الوصول إلى طريق مسدود من موقع قوة، ومن هنا جاءت الانتهاكات المتكررة لأي ترتيب مؤقت لوقف إطلاق النار، أو إنهاء ممارسات الحصار والتجويع التي يقوم بها النظام السوري ضد المجتمعات المدنية المحاصرة، بل أنها كانت إحدى الأسباب الأساسية لتصبح لتلك المطالب والشروط الطبيعية والتي طولب بها النظام خلال جلسات التفاوض الزائفة، أمراً مستحيلاً.


بالنسبة لإدارة أوباما فإن اعتقادها بأن روسيا ستحترم أي التزام بعدم مهاجمة جماعات المعارضة المعتدلة التي تقاتل نظام الأسد، أو أن الرئيس بوتين سيود أو سيستطيع إيقاف الأسد عن تنفيذ سياسة الأرض المحروقة ضد المعارضة المعتدلة والمدنيين الذين يقعون في المناطق الخارجة عن سيطرته، سيكون ساذجاً تماماً، حتى فإن وزير الخارجية جون كيري، والذي لربما أمضى المزيد من الوقت في السنوات القليلة الماضية مع نظيريه الروسي والإيراني من ذلك الوقت الذي قضاه مع عائلته، والذي يقال بأنه يدعم الاتفاق المقترح مع روسيا، كان قد أعرب مؤخراً عن احباطه من موسكو، بينما شكا كيري في أوسلو من الشهر الماضي من أن روسيا ونظام الأسد ينتهكان اتفاق وقف إطلاق النار ويقومان بالتلكؤ في تسليم الإمدادات الإنسانية إلى الأحياء الجائعة والمحاصرة.

ابتسامات وتلميع أحذية

إن المشكلة مع كيري بأنه ينظر إليه على أنه رجل ذو نوايا حسنة، الذي قد يكشر أحياناً وينفث بعض التهديدات، إلى أن يتم خذله من قبل البيت الأبيض، فلعدة أشهر هدد كيري بما يسمى ب "الخطة ب"، للضغط على الأسد وروسيا بتسليح الثوار السوريين، اذا ما واصلت روسيا والأسد هجماتهم على جماعات المعارضة السورية المعتدلة، ولكن قيام البيت الأبيض بمباركة الاتصالات مع روسيا للتوصل الى اتفاق ضد جبهة النصرة، والذي في حال تم تنفيذه، فإنه من المرجح بأن التعامل مع الثوار السوريين سيصاب بنكسة خطيرة، فمن الطريف بأنه عندما سربت المحادثات التي ذكرت وجود اتفاق جديد مع روسيا، فإن مدير وكالة الاستخبارات المركزية CIA جون برينان قام علناً بالتأكيد بأن روسيا "تحاول سحق" معارضة الأسد، وبأن موسكو تنتهك اتفاق وقف الأعمال العدائية، حيث لم ترقى إلى مستوى التزامها بالعملية السياسية، تلك الاتهامات ذاتها التي ترددت من قبل وزير الدفاع آشتون كارتر بعد أن تسربت قصة الاتفاق المقترح.


ومنذ استقالته من منصبه كممثل خاص للخارجية الأميركية في سوريا، السفير فريدريك هوف، والذي يحظى بمعرفة هائلة حول سوريا، كان ولا يزال الناقد المستمر والقوي لنهج الرئيس أوباما الجنوني في سوريا، قال لي السفير هوف بأن وزير الخارجية كيري، ليس له أي نفوذ بالنسبة لروسيا، بينما استولى هوف بشكل لاذع على ورطة كيري وأوباما اللذان أحدثاها بنفسهما، إذ قال بإيجاز على النحو التالي: "لا يزالان يأملا بأن موسكو كانت صادقة عندما أعلنت في سبتمبر الماضي، بأنها كانت تتدخل في الأراضي السورية لمحاربة تنظيم "داعش"، وبعد كل الأدلة التي تراكمت منذ ذلك الحين والتي تثبت بأن روسيا تهدف حقا لإنقاذ الأسد من خصومه الوطنيين، قامت موسكو بترك تنظيم "داعش" على الأرض ليخدمها بمثابة كونه مثالاً على ما هو أسوأ عندما تتم مناقشة جرائم روسيا وعميلها مجرم الحرب في القتل الجماعي.


فكيف يمكن للمرء ودون ضغط، أن يصبح شريكاً لبوتين روسيا في سوريا، تلك الشراكة القريبة من التنازل عن كل قضية ذات أي أهمية؟ إن حماية المدنيين هي القضية القانونية في سوريا، وبدون ذلك يمكن ألّا نرى أي نهاية لإفراغ البلاد الذي يحدث، ودون ذلك لا يمكن أن تكون هناك أي مفاوضات ذات أي قيمة حقيقية، ومع ذلك لطالما كانت استراتيجية بقاء نظام الأسد تقع كليا على العقاب الجماعي والقتل الجماعي، تلك الاستراتيجية التي سهلتها وشاركت بها كل من روسيا وإيران، ولمرة أخرى كيف للمرء أن يصبح "شريكاً" مع جهات فاعلة كهذه الجهات؟ وما هي الخيارات التي يملكها المرء إن كانت الابتسامة  وتلميع الأحذية هي مجموع ما يجلبه أحد الى طاولة المفاوضات؟

روسيا الصاعدة

وفي أواخر العام الماضي أدان الرئيس أوباما وبقوة حملة القصف روسيا في سوريا متعهداً بعدم التعاون مع روسيا، كما صرح بأن التصعيد الذي تقوم به موسكو من شأنه أن يودي بها إلى "مستنقع" من شأنه في نهاية المطاف تمكين تنظيم "داعش" في المنطقة، كما أكد أوباما حينها مجدداً مطلبه بأن أي حل سياسي للحرب يجب أن تتضمن رحيل الأسد: "نحن واضحون جداً في التمسك بإيماننا في سياستنا، بأن المشكلة هنا هي الأسد، ووحشيته التي يتعرض لها الشعب السوري، والتي يجب أن تتوقف"، لقد ساعد التدخل العسكري الروسي في سوريا بتعزيز موقف الأسد التكتيكي، كما ساعد في جعل روسيا قوة خارجية قادرة، مع إيران ونظام الأسد والميليشيات الشيعية البديلة، وأدوا إلى خلق وقائع عسكرية على الأرض مؤثرة بتشكيل المبادرات السياسية، وبالتالي متفوقة بذلك على الدبلوماسية الأميركية.


وإذا ما تم تنفيذ هذا الاتفاق المزعوم، فإن روسيا وبمباركة واشنطن ستوجه بشكل أكثر تكثيفاً سلاحها ضد جبهة النصرة والجماعات الإسلامية الأخرى، مما سيشكل انتصاراً كبيراً لنظام الأسد، والذي من شأنه أن يحطم أي آفاق للمفاوضات في المستقبل، والأهم من ذلك، أن تعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي مع روسيا في سوريا، سيصل إلى حد الاعتراف بأن روسيا هي صاحبة السلطة الرئيسية في سوريا وليست الولايات المتحدة وحلفائها، ومن شأن هذا التعاون أن ينضم إلى مطلب موسكو الطويل لمثل هذا التعاون العسكري، والذي سيقوض جهود واشنطن في عزل روسيا وجيشها بعد استيلائها على شبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى أن هذا التعاون العسكري والاستخباراتي سيجعل الولايات المتحدة بكل نواياها ومقاصدها متواطئة في الحرب الروسية على الشعب السوري، واستغلالها لأزمة اللاجئين السوريين وتزايد الضغط على المؤسسات والمجتمعات الأوروبية.

الحاجة الملحة والماسة حالياً

في عام 1963 في واشنطن، قام مارتن لوثر كينغ بالتحدث عن "الحاجة الملحة والماسة حالياً"، لقد كان زعيم الحقوق المدنية الصبور والعاطفي يسلط الضوء حينها على الحاجة إلى "إجراءات قوية وايجابية"، قد يتمنى المرء أن يكون أوباما قد استعار كلمات مارتن لوثر كينغ حينها، والأهم من ذلك شغفه ورغبته بتطبيقها على المأساة السورية، إذا يتوجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومعظم الدول المجاورة لسوريا التحرك بسرعة وبطريقة منسقة تكون واضحة ومؤلمة للأسد، إذ أن موسكو وطهران ومفترسيهم في سوريا يرتعون هناك، جاعلين النزيف السوري مستمر دون هوادة، في حين أن تدفق اللاجئين إلى أوروبا سيبقى مفتوحاً، وحيث أصبح الاتحاد الأوروبي (بسبب سوريا، والصراعات الأخرى في العراق، وأفغانستان، والمهاجرين من أفريقيا) يواجه أزمته الأخطر منذ إنشائه، مع استفتاء Brexit مؤخرا في بريطانيا، وإمكانية حدوث استفتاءات مماثلة بنتائج مماثلة، الذي قد يعني الموت بالنسبة للاتحاد، بينما قد تواجه الولايات المتحدة تحديات اقتصادية وأمنية خطيرة.


لم يفت الوقت بعد لمحاولة الطعن في محور روسيا-إيران والأسد في سوريا، فلمدة خمس سنوات فإن كثيراً من الدبلوماسيين الكبار، والضباط العسكريين والخبراء، كانوا قد اقترحوا مجموعة متنوعة من الخيارات التي تهدف لمساعدة السوريين للتخلص من الأسد: فرض مناطق آمنة، للنازحين السوريين تحت حماية مظلة القوة الجوية التي تقدمها الولايات الأميركية والشركاء الإقليميين، والتدريب العسكري لجماعات المعارضة المعتدلة وتعزيزها وتجهيزها، نشر محدود ومحدد للقوات الأمريكية الخاصة وحلفائها الأوروبيين والعرب، لهزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا، وتسليم تلك المناطق المحررة لجماعات المعارضة السورية، والتي ستعمل مع القوات العربية كقوة استقرار، هذه القوة الغربية-العربية الصغيرة نسبيا، يمكن لها أن تتدخل في سوريا حتى دون موافقة من مجلس الأمن، كما كان حال التدخل في كوسوفو.


إن من المهم الاستمرار في تذكير الناس بأن سوريا، هي عارنا الجماعي في القرن الحادي والعشرين، إن الشر الدامي الذي يحدث في سوريا، يحدث في عز الظهيرة، أمام مرأى الجميع،  بينما نحن نشهد ذلك مباشرة من خلال مئات آلاف المقاطع المصورة، ضربة دامية إثر أخرى ضربة، دعونا نقلق مضطجع الناس مرة أخرى فقد مات نصف مليون شخص في سوريا، معظمهم من المدنيين بنسبة مخيفة من الأطفال، و شرد خمسة وأربعين في المئة من السوريين، لقد تقلصت نسبة السكان بالفعل إلى 21 % ، ب 7 ملايين نازح داخلي وما يقرب من 5 ملايين لاجئ يعيشون في مخيمات الدول المجاورة أو يجوبون الطرق السريعة والشوارع الجانبية لأوروبا بحثا عن مأوى ومنزل، و يتعرض اللاجئون السوريين في لبنان وإلى حد أقل في الأردن لسوء المعاملة والاستغلال، كما يعانون من سوء التغذية والعناية الصحية، ويحرم العديد من اللاجئين اليافعين من التعليم الأساسي، و تتعرض بعض الفتيات والنساء للاعتداء والاستعباد الجنسي، الزيجات المدبرة أو القسرية للفتيات في سن المراهقة آخذة في الارتفاع، و هناك ظاهرة متنامية في العديد من السوريين اليافعين، ولا سيما الفتيات والذين يحاولون الانتحار كوسيلة للخروج من جحيمهم هذا، في عام 2014 أي قبل عامين، وجدت إحدى دراسات الأمم المتحدة بأن 41 في المئة من الشباب السوري في لبنان كانوا قد قاموا بجدية بالتفكير بالانتحار.


بعد عقد أو عقدين من الآن، فإن كثيراً من هؤلاء اللاجئين، الذين قد لا يعودون أبداً إلى منازلهم، سيقومون بالنظر إلى الوراء في غضب لأولئك الذين حولوهم لللاجئين وأولئك الذين استغلوهم، والذي من شأنه أن يكون كافياً لتتصلب قلوبهم، وعندما سينظرون إلى الأمام، فإنهم سيفعلون ذلك في غضب شديد، لأنهم لن يروا شيئا سوى حياة من اليأس.

مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي لسوريا

مظلوم عبدي ينفي مطالبة قواته بحكومة فدرالية ويؤكد سعيه للتواصل مع الحكومة الجديدة

جنبلاط يلتقي الشرع في دمشق

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

توغل جديد للقوات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة

من عائلة واحدة.. وفاة طفل وإصابة ستة آخرين بانفجار مخلفات الحرب في درعا

//