بلدي نيوز
فُعّل الأربعاء الماضي قانون قيصر عبر حزمة من العقوبات فرضتها واشنطن على بشار الأسد وزوجته والعديد من الشخصيات المرتبطة بالنظام، ما أدى لانهيار أسعار صرف الليرة السورية، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين مع تآكل الدخول وارتفاع الأسعار الجنوني في الأسواق.
ويختلف هذا القانون الذي أقره الكونغرس الأميركي العام الماضي بدعم من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، عن سابقاته بأنه توسع ليشمل أطرافا أخرى، خاصة تلك التي تدعم نظام الأسد عسكريا واقتصاديا، مثل إيران وروسيا، وسيقلل اعتماد النظام على لبنان كبوابة خلفية للاقتصاد السوري، ويضع عقبات أمام طموحات دول خليجية، تريد الاستفادة من إعادة الإعمار، وفق تقرير نشره معهد "بروكينغز".
وأشار التحليل إلى أن الأكثر عرضة للخطر من هذا القانون هم من وصفهم بـ"المستفيدين في زمن الحرب"، وبما في ذلك ميليشيا حزب الله في لبنان وحلفاء الأسد التقليديين؛ روسيا والصين وإيران.
وسيغير القانون من مسار الأحداث في الداخل السوري، وسيجعل من مناصري النظام الدوليين الذين استثمروا فيه يسحبون دعمهم، وسيدفع بتحريك النظام نحو انتقال سياسي، بعد المعاناة التي عاشها الشعب السوري مدة 10 سنوات من صراع عنيف، بحسب التقرير.
ويعزو تحليل بروكينغز سوء الأوضاع التي يعانيها السوريون إلى النظام نفسه، الذي يقوم بسرقة المساعدات الإنسانية التي تدخل تحت رعاية الأمم المتحدة، وهو ما جعل 73 منظمة غير حكومية في 2016، تعلق مشاركتها ببرامج الإغاثة التابعة للأمم المتحدة.
وأغلق نظام الأسد قنوات دخول المساعدات الإنسانية في أوقات عديدة، ورفض أي مطالب للمانحين بشفافية توزيع المساعدات، وحصرها بأن تكون تحت المؤسسات الرسمية التابعة للنظام فقط.
ويفترض البعض أن تخفيف العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر سيستفيد منه الشعب السوري، لكن التقرير يرى أن النظام، الذي يعد من أكثر الأنظمة فسادا في العالم، سيجد طرقا للاستفادة من هذا الوضع وسيقوم بتوزيع مكاسب تخفيف العقوبات على مناصريه فقط.
ويتجاهل النظام بشكل ممنهج إيصال المساعدات عبر الحدود للمناطق التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة، وهذا الأمر عادة ما تدعمه فيه روسيا، حيث تحاول إحباط مشاريع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في هذا الخصوص.
وحول انهيار أسعار العملة وما تروجه حكومة النظام بأن المتسبب بها هو "قيصر"، يقول التقرير، إن العملة السورية فقدت قيمتها بعدما أغلق النظام مكاتب الصرافة، واستقبال الحوالات، التي كان يعتمد عليها العديد من السوريين كمصدر للدخل، في بلد أصبح 80 في المئة من سكانه فقراء.
والتحويلات المالية التي تسيطر عليها الدولة، تستبدل العملات الأجنبية بالعملة السورية، بأسعار يحددها النظام، مع تجريم إجراء أي معاملات مالية بالعملات غير السورية.
وضمن دورة الاقتصاد، يحصل النظام على رسوم مقابل المواد الغذائية التي يجب أن يحصل عليها السكان بسعر مدعوم، ولكنهم لا يحصلون عليها أبدا، فيما تقوم جهات بسحب البضائع من الأسواق وإعادة بيعها في السوق السوداء.
وحتى الصراعات الاقتصادية في الداخل السوري لم يسلم منها النخب والمقربون من السلطة، فظهر الصراع على السطح بين النظام ورامي مخلوف ابن خال الرئيس، وحاولت دمشق تبريره بأنه استعادة أموال منهوبة، وتم وضع اليد على جمعية البستان التي كانت واجهة خيرية لمخلوف، وغيرها من المؤسسات التابعة له.
وفي الجوهر، فإن جميع الركائز التي استند إليها الأسد لدعم اقتصاده وآلته الحربية منهارة، فلبنان يعاني من اقتصاد مدمر، وروسيا وإيران تكابدان بسبب تراجع أسعار النفط وعقوبات دولية، إضافة إلى وباء قاتل.
ويوضح التحليل أن المدنيين السوريين يعانون، ولكن إلقاء اللوم على قانون قيصر هو تجاهل لذنب نظام الأسد في تدمير سوريا وإفقار شعبها، وداعمي النظام روسيا وإيران، وتأثيرات استغلالهما الوحشي لسوريا بهدف إبقاء بشار في السلطة.
ورغم المقاومة التي يبديها نظام الأسد لتخفيف آثار قانون قيصر، واعتماد المسؤولين السوريين على إلقاء اللوم على الولايات المتحدة لما تعانيه البلاد من تدهور، إلا أن العوامل التي تحكم الاقتصاد العالمي والإقليمي، وضعت النظام تحت ضغط أكبر مما كان عليه حتى في ذروة الحرب داخل البلاد.
والسيناريو الوحيد أمام الأسد للبقاء هو "التغيير"، والتغيير فقط هو ما سيبقيه في الحكم بدمشق، وإلا فإن قانون قيصر سيكون القشة التي ستقسم ظهره في مواجهة انهيار اقتصادي واضطرابات شعبية غير مسبوقة حتى من مناصريه، وفق تحليل بروكينغز، الذي أعده مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في كلية سميث، ستيفان هايدمان.
أما الضرر على المدنيين السوريين بسبب "قيصر" فهو قضية خطيرة ومحتملة، ولكن القانون يحاول تجاوز هذا الأمر، من خلال استثناء المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية المخصصة للاستخدام المدني.
ويشير التقرير إلى أن هذا القانون يهدف إلى تقويض قدرة النظام على الاستمرار بالحرب، وإيجاد حوافز اقتصادية لحث نظام الأسد على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإنهاء العنف.
المصدر: الحرة