ديلي صباح - ترجمة بلدي نيوز
بعد رَفضِ إدارة أوباما لاقتراحِ إنشاءِ منطقةٍ آمنةٍ في شمال سوريا، وغيرها من السياساتِ المقترحة، والتي لربما كان من شأنِها أن تُساعد المعارضةَ المعتدِلة، تبدو الإدارةُ الأمريكيّةُ الآن عازمةً على مُفاقَمَةِ حالةِ عدمِ الاستقرار في البلاد، وذلك من خِلال دعمِها لحزب العمال الكردستاني.
بالنسبة لصانعي السياسة الأميركية، فإن القُدرة على التحدث بشكل صريح عن أخطائهم في الساحة الدوليّة، لراحة كبرى. فباعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم، يمكنُ للولايات المتحدة تفادي دفعِ ثمنِ إلحاقها بضررٍ لا يمكنُ إصلاحه في أماكنَ مثل العراق، فعلى مرِّ السنين، كان خبراءُ السياسة الخارجية في واشنطن، قد نشروا عدداً من الكُتبِ تدعو فيها للتفكير في أخطائهم في العراق، والذي غَزَتهُ الولاياتُ المتحدة، باحثةً عن أسلحةِ الدمارِ الشاملِ الموجودة وفق ادّعائها، لدى الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والتي لم يكن لها في الواقع أي وجود، ولدى العرب مقولةً تُشير إلى عدم جدوى الحديث عن الأخطاء، بعد حصول الأذى والضّرر، إذ يقولون: "بعد خراب البصرة" ويقصدون بقولهم هذا: ما الجدوى من الحديثِ، بعد أن دُمِّرَت البصرة؟
وبما أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لن يخرج من قمة هرم السلطة في البيت الأبيض، إلا بعد مرور بضعة أشهر، فإن مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية لم تبدأ بعد بالاعتراف بتلك الأخطاء التي حدثت في سوريا، وفي الواقع، فإن "كيليك بوغراكانات" التابعة لمؤسسة SETA كانت قد نشرت مؤخراً "حكاية شهور آب الأربعة"- حيث كان ذلك، أول تحليل رئيسي لسياسة إدارة أوباما الخارجية في سوريا، وذلك منذ عام 2011.
وخلال حضوري الأسبوع الماضي لمؤتمر مؤسسة SETA السنوي في واشنطن، لم ألتقِ حينها بأيٍّ من المشجعين لسياسة أوباما في سوريا، وكان معظمُ خبراء السياسة الخارجية، يُوَجِّهونَ الانتقادات لتحالف واشنطن "التكتيكيّ" مع وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، التابعة لحزب العمال الكردستاني السوري، وكذلك إلى فشل الإدارةِ الأمريكية في دعم المعارضة السورية المعتدلة.
ونظراً لما حدث سابقاً يُلاحظ بأن أكبر خطأ كان قد ارتكبه أوباما في سوريا، هو حرمانه المعارضة المعتدلة من فرصة خلق وفرض منطقة آمنة في الشمال السوريّ، وبعد فشل الإدارة الأمريكيّة في الاستجابة لتحذيرات تركيا في العراق، كانت قد ألغت اقتراح إقامة منطقة آمنة- الخطة الوحيدة القابلة للتطبيق. عند هذه النقطة، اتفق كُلٌّ من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، بأن سياسة أوباما في سوريا كانت كارثة، إذ وصف وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جيمس بيكر عدم رغبة بلاده بدعم الاقتراح التركيّ في إقامة منطقة آمنة، والذي كان من المحتمل أن يوقف تَقَدُّمَ تنظيم "داعش"، ويُصلِحَ الوَضعَ في سوريا بأنه كان "قراراً سيئاً للغاية".
من المؤسف جدّاً، أن القرارات السيّئة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، لم تَقُم فقط بتحويل مسار الحرب في سوريا إلى فوضى كاملة، بل إنها كانت قد خلقت أيضاً منظمة إرهابية عابرة للحدود، تُطلق على نفسها اسم تنظيم "داعش"، ومما زاد الطين بلّة، أن إدارة أوباما قامت "بتسميم" علاقة واشنطن بتركيا، الحليف الأساسي لها في حلف شمال الأطلسي، وذلك من خلال دعمها العلنيّ والمفتوح لحزب العمال الكردستاني السوري.
وفي الوقت الحاضر، فإن كُلَّاً من تركيا والولايات المتحدة يحاولان إيجادَ خارطة طريق لدحر تنظيم "داعش" خارج امتداد مدينتي منبج- مارع، وعلى الرغم من المخاوف التركية، فإن إدارة أوباما تُفَضِّلُ العملَ مع قِوى "سوريا الديمقراطية" الكردية، بما في ذلك حزب العمال الكردستاني، عِوَضَاً عن قِوى الجيش السوري الحر.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، فإن خبراء السياسة الخارجية، والذين يعلمون بأنّ اعتماد البنتاغون الحصريّ على "حزب العمال الكردستاني" يضع المستقبل السوري في خطر، لا يمكن للشعب السوري أن يتقبّله، فإنّ أولئك الخبراء أصبحوا يميلون للاعتقاد بأن الشعب الأمريكي ليس لديه أي مصلحة في التعامل مع المشاكل المُلِحَّةِ في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية.
عند هذه النقطة، فإن كُلَّاً من دونالد ترامب المرشح الرئاسي الجمهوري، وهيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي، يتّفقان على حد سواء بأنّ على الولايات المتحدة السّماح للّاعبين الإقليميّين بالتعامل مع المشاكل في جميع أنحاء العالم، بعبارة أخرى فإن مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، تتبنّى الآن وجهة نظر الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما "المثيرة للجدل"، بأنّ على "المنتفعين" أن يقوموا بتحمّل أوزانهم- بمعنىً آخر أن حلفاء الولايات المتحدة حول العالم، يجب أن يبدؤوا بالإدراكِ بأنهم وحيدون.
إنّ انعزالية واشنطن تلك تُؤثِّرُ بدورها ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط والخليج العربيّ، ولكن أيضاً على منطقة جنوب قارة آسيا والمحيط الآسيوي. فعلى أوكرانيا أن تخوضَ حربها ضد روسيا بنفسها، وعلى المملكة العربية السعودية التنافس مع إيران بمفردها، باكستان لا تتمتّع بالدعم الأمريكي ضدّ حركة طالبان والهند، في حين تشعرُ اليابان على نحوٍ متزايد بأنها ستكون عرضة للهجوم في مواجهة الاعتداءات الصينية.
ومن الواضح بأن إدارة أوباما كانت قد أساءت إلى تركيا بشكل أكثر جدية، من خلال اتخاذها موقفا عدائيّاً ضد أنقرة، والذي يتضمن العمل مع حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية. وبالنسبة للوقت الراهن، فإن صُنَّاعَ القرارِ في واشنطن على استعدادٍ تام لتجاهُلِ حقيقة أنّ انعزالية الولايات المتحدة هذه تضرُّ بمصداقيّتها في جميع أنحاء العالم، وتُضعِفُ من علاقاتها مع حُلفائِها. ومع ذلك، فإن الوضعَ الحاليَّ في كُلٍّ من سوريا والعراق سيكونُ تحدِّياً خطيراً للغاية بالنسبة للرئيس الأمريكي المقبل، دون أن نشير إلى أنها أو أنه، سَيَمُرُّ بوقتٍ عصيبٍ في محاولةِ تنظيفِ تلك الفوضى التي خَلّفَها وراءهُ كُلٌّ مِن جورج دبليو بوش وباراك أوباما.
وعلى مَدَى السنوات القليلة المُقبلة، سنرى مُستشاري أوباما السياسيين، وهم يقومون بنشرِ عددٍ من الكُتُب يخبرون الشعب الأمريكي من خلالها بأنهم كانوا مُخطِئِين في تجاهُل التوصياتِ التركية في سوريا. وكما يقول المَثَل، بعد خرابِ حَلَب..! - ما جدوى الحديثِ، بعد أن تُدَمَّرَ حلب...؟؟