بلدي نيوز - (تركي المصطفى)
مقدمة
تشهد العلاقات الروسية – الإيرانية تطورات محمومة، تجسدها منعطفات سياسية باتت ملامحها تتضح شيئا فشيئا بعد تعاظم النشاط العسكري الإسرائيلي ضد القواعد العسكرية الإيرانية داخل سوريا، لتتشابك بينهما قواعد الصراع.
وبين هذا وذاك، تتباعد الفجوات بين موسكو وطهران إثر اتفاقات ضمنية بين القوى الكبرى والإقليمية على إبعاد إيران من المشهد السوري، بعد تنفيذ مهامها القذرة إيذانا لموت المشروع الفارسي، وتفرد موسكو وواشنطن بتفاهمات ثنائية قد تطول أو تقصر أو تصحو على قرع طبول حرب جديدة وبأساليب مغايرة.
تقدم هذه الورقة وصفًا موجزًا للعلاقات الروسية – الإيرانية، ومحاولة استغلال طهران تحالفها مع الأسد لفتح جبهة جديدة مع "إسرائيل"، مما أثار توترا مع موسكو، ونبين في هذه الورقة أن التحالف بين إيران وروسيا هو أقرب إلى المصلحة منه إلى الشراكة الاستراتيجية القوية.
وتتوقف الورقة عند التراشق الإعلامي الأخير بين الحليفين والذي يكشف نوايا كل طرف في الاستئثار بمناطق نفوذ "سوريا الأسد"، وأخيرا تحاول الورقة تصوير المشهد وفقا للتطورات السياسية المحمومة واستنتاج المعطيات في شكلها المتوقع.
مصالح ظرفية واستراتيجيات متضاربة
تصاعدت التوترات بين موسكو وطهران على خلفية الحملة الجوية الإسرائيلية المتواصلة ضد القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، لما يمثله موقع ودور الجنوب السوري من أهمية في استراتيجيات أطراف الصراع الرئيسة، وارتباطها بالمنطقة المتنازع عليها، ومحاولات كل منها تقوية نفوذها، في مشهد تنافسي بين "إسرائيل" وإيران، وصل إلى المواجهة المسلحة، وإلى تدخل روسي ضاغط لإيجاد تسوية تضمن مصالحها المتماهية مع المصلحة الإيرانية، والمتماثلة مع الاستراتيجية الإسرائيلية مما أجبرها على البحث عن حلّ أو حسم، لتحديد موقفها من الصراع الدائر بين المتنافسين.
من هنا، رفض نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، وصف بلاده بالحليفة لإيران فيما يتعلق بوجودها داخل سوريا، مشدداً على أن أمن "إسرائيل" هو أحد أهم أولويات روسيا.
وقال ريابكوف في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية: "نحن لا نستخف بأية طريقة بأهمية التدابير التي من شأنها ضمان أمن قوي لدولة إسرائيل".
وأضاف، "الإسرائيليون يعرفون هذا، وتعرف الولايات المتحدة هذا، وأي طرف آخر بما في ذلك الإيرانيون والأتراك والحكومة في دمشق، هذه واحدة من أهم أولويات روسيا".
وشدد ريابكوف على إنه من غير الصحيح تصنيف روسيا وإيران كحليفتين، وإنما "تعاونا فقط" في سوريا.
وأشار المسؤول الروسي إلى أن "الإيرانيين كانوا مفيدين للغاية عندما عقدنا المؤتمر الوطني للشعب السوري في سوتشي، لكننا لا نتشارك النظرة ذاتها في كل ما يحدث".
ولفت إلى أن روسيا نجحت العام الماضي في إقناع إيران بسحب قواتها على بعد 85 كيلومترا من الحدود الشمالية لـ "إسرائيل"، مؤكدا أن بلاده كانت مستعدة للذهاب أبعد من ذلك حينها، لكن المفاوضات مع إيران تراجعت بسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية، على حد قوله.
ويأتي التراشق الإعلامي بين موسكو وطهران تزامنا والتطورات العسكرية الأخيرة إثر قيام "إسرائيل" باستهداف المواقع العسكرية الإيرانية التابعة لفيلق القدس الإيراني بعشرات الغارات الجوية، ردّا على إطلاق إيران صاروخا باتجاه مرتفعات الجولان.
وفي سياق الخلاف العلني بين موسكو وطهران؛ وجّه رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإٍسلامي الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، الخميس الماضي، اتهاماً مباشراً لروسيا بالتعاون مع الهجمات الإسرائيلية على سوريا، من خلال "تعطيل منظومتها الدفاعية الصاروخية إس 300 أثناء هذه الهجمات".
وقال فلاحت بيشه في تصريح لوكالة "إرنا" للأنباء الإيرانية، بعد عودته من زيارة لأنقرة؛ إن بلاده "لديها نقد جاد لروسيا لتعطيلها منظومة الدفاع الصاروخي إس 300 أثناء الهجمات الإسرائيلية"، مضيفاً أن ذلك يوحي بوجود "تنسيق بين هجمات الكيان الصهيوني والمنظومات الدفاعية الصاروخية لروسيا في سوريا".
واتهم رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيراني، "إسرائيل" بمحاولة جر بلاده إلى "رد فعل" على هجماته لغاية ضرب الاستقرار في سوريا وخلق تحديات جديدة، معتبرا في الوقت نفسه على أن تلك الهجمات تستهدف "سوريا وبنيتها الدفاعية والتحتية والأمنية، وليس جمهورية إيران الإسلامية كما يزعم الكيان الصهيوني"، كما أن الإحصائيات التي يقدمها الإسرائيليون عن نتائج تلك الحملات "ليست صحيحة ومجرد تخرصات"، على حد تعبيره.
وسبق تصريح فلاحة بيشه ما قاله في سياق آخر، النائب الإيراني بهروز بنيادي، في يوليو/تموز الماضي؛ "ليس بعيداً أن يضحي الأسد وبوتين بنا من أجل مصالحهم ونتنياهو ودونالد ترمب".
وهذا يتماثل مع حديث قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق أمير إشل، الاثنين، إنه على الرغم من القوة العسكرية العظيمة لـ "إسرائيل" فإنها ليست قادرة على إخراج الإيرانيين من سوريا"، ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن إشل قوله: "لا توجد قوة عسكرية قادرة على إخراجهم من سوريا، روسيا الوحيدة القادرة على إخراج إيران من سوريا".
رغم الحلف العلني بين إيران وروسيا، إلا أن كلا الطرفين يعملان لإفشال أي مسعى يمكن أيا منهما الهيمنة المطلقة على القرار السوري، وذلك إثر قيام روسيا باستنساخ قوى مؤيدة لها كالفيلق الخامس وعملاء سياسيين وعسكريين على شاكلة محافظ حماة "محمد الحزوري" و"العقيد سهيل الحسن" و"أحمد العودة"، ويساعد موسكو على تحقيق ذلك توتر العلاقات الدولية مع إيران.
استراتيجية السيطرة على معاقل نفوذ إيران
شكلت روسيا بشكل تدريجي قوات كبيرة في سوريا عمادها الفيلق الخامس اقتحام، وصنعت شخصيات عسكرية كـ "سهيل الحسن" لتعبئة طاقات العلويين المنهكة في العام 2015م عام التدخل الروسي، حينها كانت إيران تلعب الدور الأساسي في الهيمنة على قرار الأسد، لهذا ارتكزت استراتيجية روسيا على محدد رئيسي هو: تشكيل قوات بهدف تحقيق أهداف تدخلها في سوريا، ويتمثل الإطار العام لهذه الاستراتيجية في إضعاف الميليشيات الإيرانية في المناطق الخاضعة لنفوذ الأسد، وخلق انطباع سلبي داخليًّا وخارجيًّا إزاء قدرتها على تحقيق أي تقدم على الأرض دون الغطاء الجوي الروسي، ومن ثم راحت موسكو تعمل على إزاحة النفوذ الإيراني في المنطقة الوسطى وتحديدا في حماة، اعتمادا على استراتيجية مرحلية وفق الأساليب التالية:
- اعتماد روسيا في السيطرة على معاقل النفوذ الإيراني سياسة الهيمنة المرحلية دون وقوع تصادم عسكري مباشر، روجت له أطراف دولية واستندت إليه منابر إعلامية من غير التثبت من صحة تلك الروايات.
- سحب العديد من ضباط نظام الأسد التابعين لفرع المخابرات الجوية لصالح الروس، وفي مقدمتهم العقيد "سهيل الحسن" العميل السابق لإيران، وقد لعب "الحسن" دورا كبيرا في تطويع العدد الأكبر من العلويين في الميليشيات التابعة لروسيا، وكذلك في انضمام ميليشيات "طراميح قمحانة" وأحمد الدرويش للفيلق الخامس أو تلك التابعة له من خلال علاقاته مع وجهاء طائفته وغيرهم من الوجاهات، وزياراته المتكررة لمناطقهم.
- الاعتماد بشكل كبير على محمد الحزوري محافظ حماة وتحويله إلى ذراع روسيا من خلال دعمه وتنسيقه مع كافة الأجهزة الأمنية ضد المخابرات الجوية الموالية لإيران، واتبع الحزوري أساليب عدّة لسحب العناصر المحليين من الميليشيات الإيرانية وتطويعها في الفيلق الخامس مقابل رواتب شهرية تتراوح بين (200- 400) دولار بحسب رتبة المتطوع.
- التحكم بالمعابر الرابطة بين مناطق نفوذ المعارضة وتلك الواقعة تحت نفوذ نظام الأسد، وآخر ما قامت به روسيا هو طرد عناصر مكتب أمن الفرقة الرابعة الموالية لإيران من معبر مورك.
- السيطرة على الشريط الساحلي السوري بما يحوي من موانئ ومطارات وإقامة قاعدتين عسكريتين الأولى جوية في مطار حميميم شرق مدينة اللاذقية، والقاعدة الأخرى بحرية قبالة مدينة طرطوس، مما حرم إيران من الوصول إلى ساحل المتوسط.
- الهيمنة الروسية التامة على جهاز الأمن العسكري وفروعه في المحافظات السورية، وبناء قدراته وتعزيز تدريبه على حساب الأجهزة الأمنية الأخرى.
- إزاحة الميليشيات الإيرانية من مواقعها في ريف حماة المشاطرة للمناطق المحررة، حيث عملت موسكو على بناء عدة نقاط مراقبة عسكرية في قرى الطليسية والكتيبة الواقعة بالقرب من معردس وفي مزرعة الترابيع جنوب حلفايا، وفي تل صلبا جنوب شرق السقيليبة وفي مبنى حوض العاصي في سهل الغاب.
- تزامن الخطط الروسية مع قصف إسرائيلي مكثف للقواعد الإيرانية المنتشرة في ريف حماة كمبنى البحوث القريب من مصياف ومديرية الإطفاء في سلحب، وغيرها من مواقع عسكرية إيرانية باتت هدفا للطيران الإسرائيلي، مما جعل العناصر المحلية من المتطوعين في الميليشيات الإيرانية تتجه إلى القوات التي شكلتها روسيا للحماية من الطيران الإسرائيلي والحصول على راتب شهري مضاعف، وبذلك أفشلت روسيا محاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في محافظة حماة.
معطيات الخلاف الروسي الإيراني وأثره المتوقع تبرز معطيات الخلاف الروسي - الإيراني في المشهد العسكري القائم، حيث باتت الميليشيات التابعة لروسيا تسيطر على مجمل مناطق الساحل السوري، وكذلك تهيمن على أرياف حماة واللاذقية وادلب، وثمة تزايد في قدرات هذه القوات وتوسع انتشارها، وبالنظر إلى هذه الأساليب ونتائجها؛ تتكشف أبعاد الاستراتيجية الروسية في إضعاف النفوذ الإيراني في إطار التنافس على الهيمنة وذلك بالاستفادة من استقلالية التشكيلات العسكرية التابعة لها، ومن ميزة الاستفادة من المناطق الاستراتيجية التي أزاحت منها الميليشيات الموالية لإيران ومنها: المعابر الواصلة بين مناطق نفوذ المعارضة وتلك الواقعة تحت نفوذ الأسد، بالإضافة إلى نقاط المراقبة العسكرية المنتشرة في أرياف ثلاث محافظات علاوة على قواعدها العسكرية في الساحل السوري، وإمكانية اضطلاعها بدور كبير في أي صدام قد يندلع بينها وبين إيران.
خاتمة
تعمل روسيا من خلال الميليشيات المسلحة التي شكلتها في سوريا نحو تمكينها من الهيمنة المطلقة على سوريا، وذلك باعتمادها على أطراف داخلية عسكرية وسياسية تؤثر مصالحها الخاصة على المصالح الوطنية، وتقدم خدماتها على شكل استرزاق بالانتقال من الحضن الإيراني إلى الحضن الروسي، فأسرعت موسكو إلى استقطاب القوى العسكرية المحلية الخارجة عن سيطرتها ومعاملتها وفق أساليب تحررها من قيود التبعية الإيرانية بتنظيمها وتدريبها بغية استخدامها وفق أجنداتها سواء ضد إيران أو ضد قوى المعارضة السورية، ولكن لا يعني أنّ التضارب الاستراتيجي الروسي الإيراني إهمال أهمية المصالح الظرفية القائمة في المشهد السوري المعقد، ولا تجاهل تأثير ميليشيات إيران، إلا أنه من الواضح أن الخلل في المصالح الاستراتيجية المتضاربة سيمثِّل محطة فارقة في علاقات إيران وروسيا، لأنه هذه المرة سيستهدف الوجود الإيراني بصورة مباشرة خاصة بعد تصاعد الهجمات الإسرائيلية ضد القواعد العسكرية الإيرانية بموافقة موسكو الضمنية، وهذا ما جعل قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق أمير إشل يقول: "روسيا الوحيدة القادرة على إخراج إيران من سوريا".