ديمتري شومسكي (هآرتس) 10/01/2016
ترجمة: خالد خليل (إعلامي سوري)
وفقاً للاستفتاء الذي أجراه الموقع الإخباري الإسرائيلي "واللا" على زواره، وقع الاختيار على شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كـ "رجل العالم لعام 2015".
للوهلة الأولى يبدو اختيار الإسرائيليين هذا مثيراً للدهشة والاستغراب، فروسيا بوتين على نهج الاتحاد السوفياتي سابقاً، لم تسحب يدها عن دعم الفلسطينيين وقضاياهم الوطنية.
وموقف روسيا الرسمي والمعلن لم يتغير منذ سنوات، والمتمثل في: اعتبار إقامة دولة فلسطين بحدود 1967م الحل العادل والوحيد للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. الأمر الذي يرفضه غالبية اليهود الإسرائيليين الذين يدعمون حكومة الاستيطان الحالية.
وبخصوص سياساتها الشرق أوسطية، تدعم روسيا علناً "المحور الشيعي"، بما في ذلك "الشيطان" الإيراني، الذي تخوض حكومة نتنياهو ضده حرباً ديبلوماسية.
هذا علاوة على كون إسرائيل حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، العدو الأكبر للدولة الروسية والتي يكرهها الكثير من الروس.
بناءً على ما سبق ومن زاوية أعمق، لا بدّ من تبيان عدة أمور في سياسة روسيا بزعامة بوتين، جعلت الكثير من الإسرائيليين يتضامنون معها ويشجعونها.
أولاَ: خرق روسيا للقانون الدولي بسيطرتها على أراض تقع تحت سيادة دولة جارة لها (ضم إقليم شبه جزيرة القرم)، جعل الكثير من مواطني إسرائيل، الدولة التي تمارس فعل الاحتلال، يشعرون بنوع من الشراكة المصيرية بين دولتهم وبين روسيا الاتحادية.
صحيح أن إسرائيل من وجهة نظر المجتمع الدولي هي دولة للناجين من المحرقة (الهولوكوست) وذريتهم، لذا فمن غير المتوقع أن يتم محاسبتها في الوقت القريب، أو فرض عقوبات عليها، كتلك التي فرضها الغرب الديمقراطي على روسيا في أعقاب الأزمة الأوكرانية.
وعلى الرغم من ذلك حتى الذين يحاولون تلميع صورة الاحتلال، باتوا يخافون من عدم استدامة الحصانة أمام القانون الدولي التي اكتسبتها إسرائيل لنفسها من استغلال قضية مخيم اوشفيتس (مركز لتجميع اليهود جنوب بولندا إبان المحرقة)، ويدركون أن هذه الحصانة لن تدوم إلى الأبد، في حال نجح "معادو السامية" والمناصرون للقضية الفلسطينية بإقناع المجتمع الدولي، بأن الاحتلال الإسرائيلي هو ظلم يجب كبحه بالمقاطعة وفرض العقوبات، يشبه إلى حد كبير التصرفات البلطجية لروسيا بوتين، عندها سيكون صمود بوتين وعناده في مواجهة العقوبات الدولية نموذجاً يتحذى ومصدرا مشجعاً، سيدعوا محامو الاحتلال الإسرائيلي المتنور لمحاكاته.
ثانياً: كما نتنياهو، يدرك بوتين جيداً أن ورقة "النضال ضد معاداة السامية" تستخدم كبطاقة دخول والانضمام إلى نادي الدول المتنورة حتى وإن كانت هناك مخالفات فعلية للقانون الدولي، لذلك نرى الرئيس الروسي يصف تدخله في أوكرانيا كتحدٍ للقومية المعادية للسامية، ويعتبر كل مَن يعارض الإمبراطورية الروسية هم أتباع للعملاء الذين تعاونوا مع النازيين في الحرب العالمية الثانية.
الإشاعات حول قيام روسية بمحاربة الورثة الروحانيين لـ "بوغدان حملنيتسكي" -سيمون فطليورا وستيفان بندرا- المعادين لليهود، تسخن الأجواء بدون شك وتستحوذ على قلوب الكثير من يهود إسرائيل، حيث لم ينسَ أحد الأحكام العرفية وأهوال المذبحة بحق يهود أوكرانيا إبان الحرب الأهلية في روسيا بعد الثورة البلشفية، وحماس الشرطة الأوكرانية واندفاعها في المشاركة بإبادة اليهود أيام المحرقة، فهذه محطات مؤلمة في تاريخ الشعب اليهودي بينما تعتبر وصمة عار في تاريخ الشعب الأوكراني.
هذا فضلاً عن أن قلة من الإسرائيليين يعرفون حقيقة النضال القومي الأوكراني الحالي ضد تطلعات السيطرة والهيمنة الروسية - يشارك فيه (النضال) يهود أوكرانيا أيضاً - وليس كما تصوّره لنا الديماغوجيا "اللافاشية" لبوتين.
ثالثاً: إسرائيل اليوم تمتاز بتطور وانفتاح كبيرين في مجالات عدة، ومع ذلك نلاحظ انتشار شعور الضجر من الديمقراطية يسري بين أوساط الإسرائيليين في دولة نتنياهو، في تقارب وتشابه واضحين، من حيث القوة والحجم، لظاهرة احتقار "الفوضى الديمقراطية" والتوجس منها التي تتميز بها جموع غفيرة في دولة بوتين، للتماهي والتطابق بين الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل وبين الثقافة الروسية ومحاولة محاكاتها، تاريخ طويل.
سابقا عندما كانت الحركة الاستيطانية في أوج قوتها كان اليسار الإسرائيلي ينظر إلى الاتحاد السوفياتي كمنارة للمساواة والإخاء بين الشعوب، أما الآن وبعد تشويه القيم في إسرائيل روسيا، باتت مصطلحات القومية والقوة وازدراء الديمقراطية من أهم المفاهيم والقيم التي تستحوذ على قلوب الكثير من الإسرائيليين في روسيا.
لقراءة المقال الأصلي باللغة العبرية:
http://www.haaretz.co.il/opinions/.premium-1.2818867