بلدي نيوز – حمص (صالح الضحيك، أسامة أبو زيد)
بدأت الاحتجاجات السلمية في محافظة حمص بتاريخ 25 /3/ 2011 عند انطلاق أول مظاهرة نادت بالحرية في مسجد خالد بن الوليد، وعلى الفور قامت قوات الأمن بمحاصرة المسجد واستخدام الهراوات لتفريق المتظاهرين بالتزامن مع مظاهرة في مدينة تلبيسة رغم قلة أعداد المشاركين.
في 1 /4 /2011 سقط أول شهيد في حمص بمدينة تلبيسة في المظاهرة الثانية للمدينة عند إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، لتكون هذه الحادثة سبباً في ازدياد عدد المتظاهرين.
وتسارعت الأحداث في حمص فهب أهالي المحافظة حياً تلو الآخر وفي 15/ 4 /2011 تم إسقاط أكبر تمثال لحافظ الأسد في مدينة الرستن، لتقوم قوات النظام باستخدام المدرعات لأول مرة يوم الأحد.
في 17نيسان من عام 2011 في مدينة تلبيسة خلال تشييع الشهيد "عمر عويجان"، استشهد يومها مدنيان وجرح أكثر من خمسين آخرون، لتهب أحياء مدينة حمص نصرة لمدينة تلبيسة حيث شهدت أحياء حمص مظاهرات عارمة لتقوم قوات النظام بإطلاق الرصاص على المتظاهرين واستشهد على إثرها 18 مدنيا، ثمانية منهم من حي باب السباع، وتوزع باقي الشهداء على أحياء مدينة حمص.
وفي صباح اليوم التالي شيعت حمص شهداءها وخرج أكثر من 100 ألف متظاهر تجمعوا في السوق عند المسجد الكبير، وشيعوا الشهداء لمقبرة الكتيب.
مجزرة الساعة
عاد المشيعون في اعتصام مفتوح عند ساحة الساعة الجديدة في حمص، وقد وصل عدد المعتصمين حوالي 150 ألف لتقوم قوات النظام بفض الاعتصام فجر يوم الثلاثاء بإطلاق الرصاص على المعتصمين بشكل مباشر، ولم يتم كشف أعداد الشهداء، لأن النظام أخفى جثامينهم، وكان عدد المفقودين يومها أكثر من ألف شاب ليبدأ أهالي حمص أول إضراب في الثورة منذ يوم الثلاثاء إلى صباح يوم السبت، حزناً على مجزرة الساعة.
توالت الأحداث بسرعة في حمص وأخذت قوات الأمن بتوزيع الحواجز العسكرية في المحافظة مع استمرار المظاهرات في أحياء محافظة حمص وريفها الغربي بقريتي تلكلخ والزارة، والشمالي في تلبيسة والرستن والحولة والجنوبي في مدينة القصير وضواحيها، وبدأت قوات النظام اقتحام مدينة تلكلخ والزارة في شهر نيسان في أول عملية عسكرية تستخدم بها الدبابات، وقامت قوات النظام بتجمع عسكري يضم حوالي 300 مدرعة عسكرية قرب مفرق الإذاعة على الطريق الدولي حلب دمشق وارتكبت أول مجزرة في مدينة تلبيسة، عند توجه المتظاهرين لمدينة حمص للمشاركة مع إخوانهم في الاحتجاجات حيث قتلت 12 مدنيا بينهم أطفال وجرحت العشرات وبقيت تلك القوات في مكانها تمهيداً لاقتحام مدينتي تلبيسة والرستن.
مع استمرار المظاهرات في أحياء حمص بدأت الحملة العسكرية على مدينتي تلبيسة والرستن في 28/ 5 / 2011 لمدة أسبوع كامل مع منع للدخول والخروج من وإلى المدينتين، وتم خلال العملية قتل حوالي 15 مدنياً واعتقال المئات من المدنيين وتمركزت قوات النظام على مداخل المدينتين مع مضايقات أهالي المدينتين، إلا أن اقتحام تلبيسة والرستن لم يثنهم عن الاستمرار بالمظاهرات السلمية التي طالبت بالحرية وإسقاط نظام الأسد.
بدء الانشقاقات
ثم قامت قوات النظام باقتحام مدينة الحولة مع تفتيش دقيق للمدنيين، لتبدأ أول عملية انشقاق في قوات النظام عندما إعلان الملازم أول "عبد الرزاق طلاس" ابن مدينة الرستن انشقاقه عن قوات النظام في 6 /6 / 2011 ليكون أول الضباط المنشقين عن نظام الأسد، وتوالت بعده الانشقاقات حيث تبعه أمجد حميد وغيرهم من الضباط الأحرار، وعند تشكيل "حسين هرموش" لواء الضباط الأحرار تم تنفيذ عدة عمليات عسكرية ضد قوات النظام المتمركزة على أطراف المدينتين.
عادت بعد ذلك قوات النظام لتبدأ عملية عسكرية ضد المدينتين، معركة الرستن وتلبيسة، بين الجيش الحر وجيش النظام.
في معركة الرستن تم دخول قوات الأمن وشبيحة الأسد خلف القوات العسكرية من القوات الخاصة والجيش والمدرعات على رتلين من مدخل المدينة وبعد مسافة 1500 متر انفجرت أولى المدرعات وتوالى انفجار عربات الجند والمدرعات الواحدة تلو الأخرى.
ثم تراجعت القوات قليلا لأن الجيش السوري الحر وكتيبة خالد بن الوليد قاما بتفخيخ الطرقات في المدينة للمدرعات والأفراد، فتم الاتصال بالأركان ووضعهم بأرض المعركة، وتراجع جيش الأسد بسبب تفخيخ الطرقات، فطلبت الأركان دخول المدينة حتى إذا لم يبقَ أحد من عصابات الأسد على قيد الحياة، وفعلا دخلت 50 مدرعة وعربات "ب م ب" ودبابات و"ب ت ر" وتم تدمير 43 مدرعة وسقط أكثر من ألف قتيل من جيش وشبيحة النظام، فيما استشهد الملازم أول "أحمد الخلف" واثنان من الجيش السوري الحر وتم اقتحام مدينة تلبيسة دون اشتباكات بعد أن انسحب الجيش الحر من المدينة وانتقل لمدينة الرستن للقتال هناك.
وتم وضع أكثر من 75 حاجزاً عسكرياً على أطراف وداخل المدينتين لتفرض حصاراً خانقاً على المدنيين، إلا أن إرادة الشعب كانت أقوى واستمروا بالمظاهرات خلسة لدقائق لحين عودة الجيش الحر للمدينتين وحماية المظاهرات من قوات النظام في ساحات الحرية.
عاصمة الثورة
تزامنت تلك الأحداث في مدينة حمص حيث وصلت نقاط التظاهر في مدينة حمص وريفها إلى خمسين نقطة كل يوم جمعة، ذهب ضحيتها مئات المدنيين، بسبب إطلاق الرصاص على المتظاهرين وأخذت حمص لقب عاصمة الثورة بسبب كثرة تضحياتها.
وبدأ سريعاً انتشار الجيش الحر في مدينة حمص، واستطاع الحر من السيطرة الداخلية على أحياء مدينة حمص مثل باب عمرو وجورة العرايس والخالدية والبياضة وديربعلبة وغيرها من أحياء حمص لتشن قوات النظام أقوى حملاتها العسكرية على حي بابا عمرو في شهر ديسمبر من عام 2011 استخدمت خلال هذه الحملة راجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة أدت لسيطرة قوات النظام على حي بابا عمرو في أول عملية تغيير ديموغرافي غير معلن في حمص.
كما تم استهداف الأحياء الثائرة بين الحين والآخر بقذائف الهاون أدت إحدى هذه القذائف لارتكاب مجزرة في حي الخالدية في 3 / 2 / 2012 وبدأ نزوح الأهالي من هذه الأحياء، بسبب المجازر التي ارتكبت في أحياء العدوي وكرم الزيتون التي قام بها شبيحة الأحياء الموالية بإعدامات ميدانية بحق المدنيين وخطف الكثير من النساء.
عند فشل النظام بدخول هذه الأحياء اعتمد على حصارها ووضع قناصات مطلة على هذه الأحياء فقام الجيش الحر بتحرير المشفى الوطني والسيطرة على جورة الشياح والقرابيص في نيسان من عام 2012 بالتزامن مع تحرير بعض الحواجز في مدينة الرستن من قبل الجيش الحر، وتمكنوا من تحرير عدة حواجز داخل مدينة الرستن.
شددت قوات النظام حصارها على هذه الأحياء ومنعت دخول وخروج أي شيء من الأحياء الثائرة.
مع استمرار الحراك الشعبي في أرياف حمص والأحياء الهادئة فقامت شبيحة النظام بارتكاب مجزرة في مدينة الحولة راح ضحيتها 110 شهداء أغلبهم من الأطفال والنساء، قضى أغلبهم ذبحاً من قبل شبيحة المناطق الموالية المجاورة، لتبدأ معارك تحرير مدينة تلبيسة رداً على مجزرة التريمسة في ريف حماة بقيادة كتائب الفاروق، واستطاعت تحرير كامل مدينة تلبيسة من قوات النظام خلال مدة لم تتعد 15 يوماً لتبدأ معارك من قبل الجيش الحر في مدينة تلبيسة تهدف لسيطرة على معسكر ملوك جنوب مدينة تلبيسة لفك الحصار عن مدينة حمص.
في معركتين خلال أقل من شهر لكن إمداد معسكر ملوك بالعتاد العسكري والبشري ووقوعه قرب قرى موالية كالأشرفية والنجمة والكم لم تستطع قوات الحر من فك الحصار عن حمص
واستطاع ثوار مدينة تلبيسة السيطرة على كتيبة الدفاع الجوي في قرية الغنطو وكتيبة عسكرية في ديرفول وتحرير حاجز جنان في ريف حماه الجنوبي نهاية عام 2012 وتحرير قرية العامرية من الشبيحة أوائل عام 2013 مع استمرار حصار مدينة حمص مع محاولات للتقدم لقوات النظام بين الحين والآخر باءت بالفشل، وفي شهر مايو عام 2013 شنت قوات النظام حملة عسكرية كبيرة على مدينة القصير بريف حمص الجنوبي بعد تقدم الثوار إلى أطراف حاجز المباركية حيث شارك لأول مرة ميليشيات "حزب الله" في معركة القصير بشكل كبير وهو أول عملية تدخل من الحزب في الحرب إلى جانب النظام، وبعد حوالي شهر من معارك ضارية انسحب الثوار من القصير وريفها باتجاه القلمون في ثاني تغيير ديموغرافي غير معلن
بعد السيطرة على مدينة القصير بدأت قوات النظام توسع من عملياتها بمدينة حمص فشنت حملة عسكرية كبيرة على الأحياء المحاصرة وحيي وادي السايح والخالدية في شهر تموز من عام 2013 وشنت عملية عسكرية في ريف حمص الشمالي استطاعت بها السيطرة على معمل الصابون قرب قرية الكم واستعاده الثوار بعد أيام.
في عام 2014 اشتد الحصار على أحياء حمص وشن الثوار في ريف حمص الشمالي هجوماً على مدار ثلاثة أيام على معسكر ملوك، بغية تحريره وفك الحصار عن حمص في معركة الثأر للشهداء لكنهم فشلوا بالسيطرة على الحاجز.
بداية التهجير
هنا أطلقت قوات النظام معركة زلزال حمص للسيطرة على أحياء حمص المحاصرة لكن لم يستطيعوا التقدم وانتهت العملية بعقد اتفاق بين الثوار وقوات النظام على تهجير الثوار من حمص المحاصرة إلى ريف حمص الشمالي بسلاحهم الفردي في شهر أيار عام 2014 لتكون أول عملية تهجير قسرية في حمص لتتفرغ قوات النظام وتشدد حصارها لحي الوعر آخر معاقل المعارضة داخل مدينة حمص.
خرج ثوار حمص وبعد ترتيب أوراقهم اجتمعوا مع ثوار ريف حمص الشمالي واشتركوا بمعركة "الآن نغزوهم" لتحرير قرية أم شرشوح وأطرافها، وبعد معارك لمدة عشرة أيام انتهت بالسيطرة الكاملة من قبل الثوار على القرية وتحرير قرية الهلالية وبعض الحواجز في المنطقة بعد معركة أم شرشوح هدأت الأمور العسكرية في المنطقة.
في عام 2015 استطاع تنظيم "الدولة" السيطرة على مدينة تدمر بريف حمص الشرقي في شهر أيار وتقدم إلى القريتين وسيطر عليها في آب من عام 2015 والتقدم إلى مهين أيضاً.
في شهر تشرين الأول من عام 2015 حاولت قوات النظام اقتحام قرية تيرمعلة بريف حمص الشمالي لكنها فشلت بعد معارك لشهر كامل مع الثوار لم تستطع التقدم شبراً واحدا، وفي نهاية عام 2015 تم اتفاق بين قوات النظام والثوار بحي الوعر لتهدئة داخل الحي قضت بتهجير كل من يرفضها إلى الشمال السوري واستمرت قرابة أربعة أشهر لتفشل الاتفاقية بسبب عدم التزام قوات النظام بها.
في آذار عام 2016 قامت قوات النظام بشن حملة عسكرية كبيرة على ريف حمص الشرقي استطاعت خلالها من السيطرة على مهين والقريتين والتقدم إلى مدينة تدمر والسيطرة عليها بعد معارك ضد تنظيم "الدولة" استمرت قرابة 50 يوماً.
وقامت قوات النظام بمحاصرة قريتي قزحل وأم القصب بريف حمص الغربي مدة أسبوع وقصفت القريتين، ثم قام الثوار بريف حمص الشمالي بفتح معركة باتجاه قزحل وأم القصب، واستطاعوا السيطرة على عدة حواجز، لكن قوات النظام هددت بإعدام المدنيين داخل القريتين أو إيقاف المعركة وتهجير كل من يريد أن يخرج من القريتين لتتوقف المعركة ويهجر حوالي 5000 شخص لريف حمص الشمالي.
بعدها قامت قوات النظام ولجنة حي الوعر باتفاق جديد قضى بخروج 600 شخص من الثوار مع عائلاتهم لريف حمص الشمالي، والكشف عن مصير معتقلي الحي من قبل النظام لكن قوات النظام ولم تلتزم بالاتفاق.
في شهر كانون الأول من عام 2016 قام تنظيم "الدولة" بالسيطرة على مدينة تدمر بشكل مفاجئ خلال معارك بأقل من ثلاثة أيام استطاع السيطرة على المدينة والجبال المحيطة بها.
تهجير الوعر.. آخر قلاع الثوار
وفي عام 2017 قامت قوات النظام بشن حملة عسكرية على حي الوعر في الثامن من شباط الماضي وتم الاتفاق على تهجير ثوار الحي أو التسوية وتسليم السلاح لمن يريد البقاء من الحي.
واستطاعت قوات النظام في بداية هذا شهر آذار من السيطرة على مدينة تدمر والجبال المحيطة بها.
يذكر أن مدينة حمص قدمت حوالي 20 ألف شهيد عدا المفقودين والمعتقلين والجرحى في إحصائيات يقول ناشطو حمص إنها تمثل الحد الأدنى من الحقيقة.