قصص الانشقاق عن ذل "المصالحات".. هل تنقذ المخدوعين؟ - It's Over 9000!

قصص الانشقاق عن ذل "المصالحات".. هل تنقذ المخدوعين؟

بلدي نيوز – ريف دمشق (جواد عمر)
يدفع الحصار والجوع بالمحاصرين في كثير من الأحيان للقبول بخيار ركوعهم على رؤية أحبائهم يموتون جوعا بتطبيق نظام الأسد مقولته "الجوع أو الركوع" والتي طبقها على كثير من البلدات بينها بلدة مضايا المحاصرة التي توفي فيها جوعا ما يقارب 130 شخصا، جراء الحصار الذي تفرضه قوات النظام وميليشيات "حزب الله" على البلدة منذ أكثر من عام.
ولا يقتصر الموت على الجائعين، بل إن شبح الموت يلاحق المدنيين في البلدة برصاص القناصة أو المدافع والرشاشات، ومنهم من يلقى حتفه في سبيل سعيه للحصول على الطعام أثناء محاولته الخروج من الحصار أو إدخال الطعام لأهله.
وعمل النظام على استغلال هذا الحال المأساوي لأهالي البلدة المحاصرين ليعرض على شبابهم تسليم أنفسهم بغية الالتحاق بجيشه مقابل أن يقوم النظام بإخراج ذويهم من الحصار وإطعامهم، يروي "سعيد المحمد" قصته مع النظام لبلدي نيوز، يقول: "أنا شاب أبلغ من العمر 24 عاما من أسرة فقيرة من مضايا، وأتحمل مسؤولية عائلتي المكونة من 6 أفراد وهم أمي وإخوتي بعد فقدان أبي منذ 5 أعوام ولا نعلم عنه شيئاً، ولا أملك عملا أستطيع إعالة أسرتي منه، خاصة مع انعدام فرص العمل في هذا الحصار الجائر الذي نعاني منه لندخل تدريجيا بمرحلة المجاعة والجوع القاتل.. وأشاهد أسرتي الصغيرة تذوب أمامي جوعا، كادوا يصلون لمرحلة الموت جوعا حينها أخذت القرار بأن علي أن أفعل شيئا ما".
ويضيف سعيد: "بدأت أولا بالذهاب إلى خارج الحصار ضمن سهل بلدتنا المسيطر عليه من قبل حزب الله، حيث بدأت أول رحلاتي للسهل وحيدا بأرض غريبة عني لأن أسرتنا لا تملك بستانا هناك، فأنا لم أدخل للسهل قبلا ليلا ولا أعرف أماكن تواجد نقاط الحزب.. وبعد أن تهت قليلا استطعت الوصول إلى مكان فيه سكان واشتريت بعض حاجياتي بما أملك من نقود قليلة لم تكن تكفيني ثمن 100 غ طعام في مضايا، استطعت أن أجلب بها كغ رز وسكر وكانت أول مرة منذ شهرين تقريبا أرى هذه الكمية من الطعام مجتمعة في يدي".
واستطرد "لم تكن الفرحة تسعني عندما عدت وأنا أحمل هذا الطعام لأعود مجددا بعد عدة أيام محاولا الخروج لجلب الطعام، فوقعت في حقل ألغام وكمين للحزب ضمن الأرض التي كنت أخرج منها لجلب الطعام، وأنقذني الله حينها من الموت بالألغام ومن الاعتقال لأعود خالي الوفاض منكسر العزيمة، ليكون الأسبوع التالي هو الأصعب في حياتي حيث أسعفت إخوتي الصغار للمشفى الميداني بشكل يومي بعد عودتهم من المدرسة بسبب الجوع لأرى أجسادهم الصغيرة وقد امتلأت جروحا وثقوبا من السيرومات السكرية والمغذيات القليلة التي كانت موجودة في المشفى لتبدأ حينها حيل النظام بالانتشار في البلدة وبين الشبان عن طريق لواء من بلدة مضايا يدعى موفق أسعد مازال يخدم النظام لليوم، ليرسل الأخبار للبلدة أن من يقوم من الشبان بتسليم نفسه للجيش سيقوم بعد أسبوع بالعودة لإخراج أهله من الحصار.. وبالفعل ذهب ما يقارب الـ 20 شاباً أمامي وعادوا بعد أسبوع وأخرجوا عوائلهم مما دفع بي أنا وشبان آخرون للذهاب لتسليم أنفسنا عسى أن نستطيع إخراج أهلنا المحاصرين وإنقاذهم".
يتابع سعيد بألم: "توجهنا للحاجز لتسليم أنفسنا وما أن وصلنا حتى تم اقتيادنا إلى فرع الأمن العسكري للتحقيق معنا وتعرضنا للضرب والإهانات كما بقية المعتقلين لكن دون تعذيب، حيث وضعنا في زنازين منفصلة ليقوم أحد ضباط النظام بضربي على وجهي بأداة حديدية، مما تسبب بتكسير أسناني وفكي، ثم قام بعدها بأسبوعين بنقلنا لمعسكر الدريج للتدريب فبدأنا نسأل عن مدة مكوثنا هنا وعن وعودهم لنا بإخراج أهلنا من الحصار ليرد علينا أحد ضباط النظام نحن لم نتعهد لكم بشيء بل ابن بلدتكم من تعهد لكم وهو غير قادر على ذلك".
ويواصل سعيد سرد تفاصيل قصته: "ثم تم نقلنا إلى خناصر بعد دورة بسيطة كانت قوات الجيش هناك تعاني من إنهاك كبير ومقتلة عظيمة بعد معارك شديدة جدا مع قوات تنظيم (الدولة)، حيث وصلنا إلى هناك في وقت انسحاب التنظيم لنجد مئات الجثث والجرحى، فطلب منا القيام بتمشيط المنطقة، وبعد شهرين سمحوا لي بأن أذهب لرؤية عائلتي في مضايا، ولم أتردد أبداً فذهبت وبحوزتي عشرات الرسائل لرفاقي لأوصلها لذويهم المحاصرين".
ويروي سعيد لقاءه بأمه بعد غياب طويل كزيارته لسجينة قائلا: "عند وصولي لحاجز قوس مضايا طلبت مقابلة أهلي فتم الرفض ونتيجة إلحاحي عليهم وإصراري على ذلك كاد عناصر حزب الله اللبناني يقوموا باعتقالي ولكن بعد عدة محاولات سمحوا لي أن أقابل والدتي بعد أن فتشوني وأخذوا الطعام الذي كنت أحمله لعائلتي وعائلات أصدقائي الذي أرسلوه مع الرسائل لأهاليهم، أخذوا الطعام مني وكأنهم يأخذون قلبي مني.. لألتقي بوالدتي وأراها وقد فقدت معظم وزنها نتيجة الجوع واجتمعت بها في غرفة الضابط لمدة 5 دقائق فقط وبحضور عسكري كأنني أقوم بزيارة سجينة، كنت أشعر بما تريده مني عندما تقول لي بحضور العسكري أريد منك خدمة الوطن بشكل جيد والانتباه إلى نفسك جيدا، ليدخل الضابط فجأة معلنا انتهاء الزيارة، وخرجت أمي لتعود لسجنهم في مضايا بعد رفض الضابط جميع المحاولات لإخراجهم من الحصار أو أن يتم السماح لهم بأخذ الطعام الذي جلبته معي أو بالرسائل على أقل تقدير ولكنه رفض ذلك رفضا قاطعا".
عاد سعيد إلى "خناصر" مكسور الخاطر خاصة بعد أن رأى والدته في هذه الحالة السيئة ومنع من إخراج أهله أو السماح لهم بأخذ الطعام، يكمل: "عدت وأنا أعلم ما سأفعل وكلام والدتي يتردد في أذني وأنا أعلم مقصدها خاصة أنها عارضتني كثيرا بتسليم نفسي ولم ألقِ لكلامها بالاً، فكنت متأملاً أن أنقذهم من الموت جوعا، وبعد فشلي في تحقيق هدفي فلا حاجة لي بحماية من يحاصر أهلي ويجوعهم، فقررت في حينها أنا وصديقي الانشقاق ولكن كنا في منطقة خطرة جدا فنحن في نقطة عسكرية محاصرة من الجيش كونها هامة جدا حيث يوجد تنظيم (الدولة) من الشرق وثوار من الغرب والجيش في الشمال والجنوب، فقررت الانشقاق إلى الثوار ولكنني كنت متخوفا جدا فأنا لا أعرف الطريق ولا صديقي يعرفه، ولا يمكننا الانشقاق نهارا فنقاط الجيش محيطة بنا ولو رآنا الثوار سيقومون بقتلنا قبل أن نصل خشية أن نكون نريد الهجوم عليهم فهناك منقطة اشتباك دائمة".
وبعد تفكير طويل اتخذت القرار أنا ورفيقي وتوجهنا نحو الثوار ليلاً، اعترضنا في الطريق راعي غنم، فأخبرناه قصتنا، حيث بادر لإلباسنا لباس البادية وعمل على إخفاء أسلحتنا وأوصلنا صباحاً لمناطق الثوار حيث التقيت بأبناء بلدتي من الثوار الذين خرجوا من مضايا والزبداني مع الجرحى، فكان أول ما أخبروني به أن مضايا دخلها مساعدات إنسانية وطعام بعد خروجنا ب 4 أشهر وأن أهلي بحالة جيدة جدا، فكانت تلك اللحظة أول مكالمة لي مع والدتي أزف لها خبر انشقاقي وأنني أخدم الوطن جيدا كما أوصتني حيث أقوم الآن بالرباط مع الثوار في إدلب على منطقتي كفريا والفوعة".
تجسد قصة "سعيد" جانباً من مئات الحالات التي قدمت نفسها قربانا لإنقاذ أهلها المحاصرين أملا بأن يصدق النظام ولو مرة وينقذوا أهلهم، فيما يوجد هناك الكثير ممن تمردوا على سياسة "الجوع أو الركوع"، وهم يحملون اسم الثوار وقيمهم واختاروا الموت ألف مرة ولا الركوع لحاكم ظالم لا يحارب ألا بالأسلحة الأشد تحريما كسلاح تجويع الأطفال وقتلهم وقنصهم والتي تتنافى مع كل معايير الإنسانية والقيم في العالم.

مقالات ذات صلة

"الأمم المتحدة" تكشف عدد اللاجئين العائدين من الأردن إلى سوريا

خارجية النظام تعلق على الاستهداف الإسرائيلي جنوب سوريا

"جعجع" يكشف سبب طلب نظام الأسد من لبنان تفكيك أبراج المراقبة على الحدود

قسد تعتدي على نشطاء خلال إحياء ذكرى الثورة السورية بمدينة الرقة

"السورية لحقوق الإنسان" تصدر حصيلة بأعداد الشهداء خلال سنوات الثورة

بيان مشترك لأبناء درعا والسويداء قبيل عيد الثورة