بلدي نيوز - (محمد خضير)
انتقلت الثورة السورية ضد نظام الأسد، من المظاهرات السلمية المطالبة بإسقاط النظام، إلى المسلحة نتيجة التخاذل العربي والدولي، وفي تاريخ 29 يوليو 2011، تشكلت كتائب ومجموعات صغيرة بقيادة منشقين عن الجيش السوري تحت مسمى "الجيش السوري الحر".
انتقلت حينذاك الثورة من مرحلة أغصان الزيتون، إلى مرحلة الدفاع عن النفس، وبدأ الجيش السوري الحر بمعارك في بعض المناطق، وكان أكبرها معركة مدينة حلب في عام 2012، وحرر الجيش السوري الحر مناطق واسعة في سوريا، واستولى على عدد من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة منها الدبابات ورشاشات 23 ملم.
وفي ظل ضرورة التوحد في ذاك الوقت، اندمجت بعض الكتائب وشكلت عدة ألوية في الساحة السورية، منها كتائب أحرار الشام والذي اندمجت مع بعضها تحت مسمى حركة أحرار الشام الإسلامية، والتي كانت من أقوى الفصائل في الساحة، وتلاها "جبهة النصرة" (فتح الشام حالياً) والتي كانت تتبع إلى "تنظيم القاعدة".
وشكلت الفصائل في الآونة الأخيرة غرفة عمليات واحدة تحت مسمى "جيش الفتح"، وبدأت بالتخطيط لمعارك ضخمة وكبيرة في إدلب، لتحرر أولاً مدينة إدلب، تلاها معسكر المسطومة وبلدة المسطومة، إلى مدينة جسرالشغور غرباً، والتي كانت معقلاً للنظام منذ بداية الثورة، من ثم أريحا جنوباً لتعلن محافظة إدلب أول محافظة محررة من النظام بشكل كامل.
وانتقلت معارك "جيش الفتح" إلى حلب والساحل، ليقوم بتحرير عدة قرى جديدة، وإطلاق معركتين لفك الحصار عن مدينة حلب قبل تهجيرها.
في ذلك الوقت كانت الفصائل والكتائب تدل على القوة العسكرية الناهضة ضد حكم الأسد، أما اليوم فتبدو الصورة معاكسة تماماً، بعد أن بلغت الساحة السورية مشهداً من التعقيد، في ظل الاقتتال الداخلي بين الفصائل، والتي تشهده محافظة إدلب، البقعة الصغيرة في سوريا والتي تحوي فصائل وكتائب كبيرة، بالإضافة إلى المدنيين المهجرين قسراً من مدينة حلب ومناطق ريف دمشق.
وتشهد محافظة إدلب اليوم حالة توتر كبيرة بين الفصائل العسكرية، في ظل تغريدات على مواقع التواصل العسكرية لبعض القادة، وبيانات بالعشرات يومياً من الفصائل والكتائب للاقتتال الحاصل.
وقامت "فتح الشام" (النصرة سابقاً)، منذ تسعة أيام بشن حملة عسكرية على بعض الفصائل الثورية في إدلب، وتوجيه اتهامات لها بحرف مسار الثورة وتوجيه الثورة للمصالحة مع النظام والميليشيات الطائفية المساندة له، وكان المتهم الأكبر الفصائل التي تحضر مؤتمر "أستانا".
ودارت اشتباكات بين جيش المجاهدين وصقور الشام وتجمع فاستقم كما أمرت من جهة، و"فتح الشام" من جهة ثانية، على خلفية الاتهامات التي وجهها الأخير للأول، والذي قضت باقتحام مقرات جيش المجاهدين والسيطرة على معسكراته وآلياته بالإَضافة إلى مستودعات الذخيرة والسلاح.
الناشط الإعلامي "محمد شحادة" قال: "ما يحدث الآن في إدلب بشكل عام من اقتتال بين الفصائل، كان أمراً متوقّعاً ولا مهرب منه، وذلك لاحتضان (جبهة فتح الشام) لفصيل جُند الأقصى، والذي قيل إن عناصره تورطوا بتصفية بعض قيادات حركة أحرار الشام والفصائل الأخرى، بالإضافة إلى محاولة (فتح الشام) فرض نفسها على الساحة العامة، ولاحتكامها إلى السلاح في كل خلاف ينشب بينها و بين أي فصيل في المنطقة، بالإضافة إلى تجاوزات أخرى تظهر بين الحين والآخر من قيام عناصر (فتح الشام) باقتحام حواجز ونقاط أمنية و مقرات للفصائل الأخرى".
وتابع "شحادة": "جبهة (فتح الشام( تشعر وكأنها تُركت لوحدها في الساحة وبأنها ستكون هدفاً مستقبلياً لكل الفصائل، وذلك على ضوء بيان أستانا الأخير، والذي أكد أن )الأطراف كافة تتعهد بمحاربة داعش وجبهة النصرة وفصلهما عن باقي الفصائل الأخرى)".
وأشار إلى أن المسببات الداخلية للاقتتال والضغوطات الخارجية التي تدفع باتجاهه، تُؤكد أن هذه المواجهة ستستمر لمدة طويلة، وسيترتّب عليها خسائر كبيرة لكِلا الطرفين، فضلاً عن الخسائر التي سيُمنى بها المدنيون الذين عانوا طويلاً خلال السنوات السابقة من عدم الاستقرار والأمان.
بدورها قالت الصحفية "دانيا أمين" إن "الاقتتال الداخلي كان قادم لا محالة، ولكن كانَ مؤجلاً لحين الخلاص من النظام، أفكار القاعدة لا تتناسب مع أفكار السوريين الأحرار لبناء دولة مدنية ديمقراطية، القاعدة لها مشروع جهادي منفصل تماماً عن مطالب الثورة، والآن وقد أحست (النصرة) بقرب حل سياسي للقضية السورية فقررت قلب الموازين وضرب الفصائل التي توافق على حل للقضية السورية".
وفي حديثها لبلدي نيوز نوهت "دانيا" بأن الفصائل لم تتفق لمقاتلة "فتح الشام" في اجتماع "أستانا"، ولم يلمح لهذا بأي بيان أو حتى كتسريبات، بل العكس تماماً الفصائل بقيت متمسكة بعدم الحديث عن محاربة "النصرة"، أو حتى على وضعها بقائمة الإرهاب، وإن الفصائل بقيت محافظة على الاتفاقيات بينهم وبين (جبهة النصرة)، لكن الواضح أن النصرة تحاول أن تفرض سيطرتها على أكبر قدر من المساحة السورية حتى تكون جزءاً مفاوضاً ولا تكون مفاوَضاً عليها.
ويرى كثير من المحللين والمراقبين للوضع السوري، أن الاشتباكات الحاصلة بين الفصائل الخاسر الوحيد منها هم المدنيون، حيث سيؤدي الاقتتال إلى هجرة أغلب المدنيين من مناطقهم إلى خارج سوريا في المرتبة الأولى، وخسارة الحاضنة الشعبية للفصائل في المرتبة الثانية.
والرابح الوحيد في هذه المعركة هو النظام، حيث يقوم مدعوماً بالميليشيات الإيرانية و"حزب الله"، بحشد قواتهم في ريف حلب الجنوبي، لاغتنام الفرصة المناسبة والهجوم للوصول إلى بلدتي "كفريا والفوعة" المواليتين ولكسر ظهر الثورة في النصف.