بلدي نيوز – إدلب (محمد وليد جبس)
معاناة كبيرة يعيشها أهالي حلب الذين هُجروا من مدينتهم، بعد أن حاصرهم الموت من كل جانب في ظل الأيام المريرة التي شهدت كثافة القصف الوحشي من طائرات قوات النظام، وسلاح الجو الروسي، ووضع المدنيون بين خيارين، بانتهاج قوات النظام سياسة الأرض المحروقة، أو التهجير، فلم تنحصر تِلك المُعاناة في أيام حِصارهم فقط، بل رافقتهم بعد التهجير القسري، ليكابدوا أشد الظروف وأصعبها في ظل فصلِ الشتاء، وشدة برودته مع عدم توفير مأوى مناسب لبعضهم.
ظروف متردية ومخيمات في العراء، فالبعض من العائلات النازحة من حلب لم يتوفر لهم المأوى، ولم يكن لديهم سوى خيار واحد بأن يفترشوا خيامهم في الأراضي، ريثما تتيسر أمورهم من حيث تأمين المسكن والمستلزمات الأساسية.
محمود حمشو، أحد الأهالي الذين تم تهجيرهم من حلب مع زوجته وأطفاله الـ 6 الذين لا يتجاوز عمر أكبرهم 12 عاما، يتحدث لـ بلدي نيوز عن ما رأوه من معاناة ضمن الحصار، وكيف ذهبت بهم الحال وانتقلوا إلى معاناة أشد قساوة من الأولى بعد أن أصيبت زوجته بشلل نصفي، جراء القهر وتلوث المياه والبرد القارس خلال عشرين يوم في المخيمات على الحدود، ذاقوا فيها أشد أنواع العذاب والتشرد.
يقول محمود حمشو لـ بلدي نيوز: "ظننت أن معاناتي وأسرتي ستنتهي بمجرد خروجي من حصار حلب، فكنت أعيش في بستان الباشا قبل أن تحاصر حلب مع زوجتي وأطفالي الستة، إلى أن اشتد علينا القصف وبدأت قوات النظام بحملة عسكرية جوية مع الحلف الروسي بالتقدم على الحي، فما كان علينا إلا أن ننتقل إلى حي الميسر، فلحقنا القصف إلى هناك، وتنقلنا إلى حي الصالحين، ولكن لم يتوقف القصف بل استمر واشتد أكثر وبدأنا نهرب مع آلاف المدنيين إلى الأحياء الأخرى التي لم تسيطر عليها قوات النظام بعد".
وأضاف حمشو: "لم تتوقف معاناتي أنا وجميع من كان محاصراً في تلك الأحياء الصغيرة التي كانت لا تكاد تتسع لنا، فأصغر منزل كان يجلس بداخله عشرات العائلات، وكان إجرام هذا النظام يبطش ويقتل يوميًا مئات النساء والأطفال والشيوخ، أما الجوع واحتكار المواد الغذائية، فكان هنالك أفراد تسببوا بتجويعنا واستغلوا مرحلة الحصار، وتخزين المواد الغذائية وغيرها من مواد الإغاثة، وحين اشتد القصف الوحشي على أحياء حلب، استهدفت طائرات قوات النظام إحدى الأماكن القريبة من تلك المستودعات، وحولتها إلى رُكام، حينها ظهرت تلك المواد الإغاثية مرمية على الأرض نتيجة ضغط القصف، وسارع الأهالي إليها ليأخذوا نصيبهم قبل معاودة طائرات قوات النظام واستهداف المنطقة مرٍة أخرى".
وتابع حمشو بالقول: "أصابني مرض في ظل تلك المرحلة، وأصبح وضعي الصحي يسوء يوما بعد يوم إلى أن تم إخراجنا بالباصات ضمن اتفاقية دولية إلى خارج حلب، صعدنا بإحدى السيارات أنا وزوجتي وأطفالي إلى أحد المخيمات بريف إدلب، وجلسنا في خيمة مهترئة يتسرب من خلالها المطر والثلج إلى فراشنا وملابسنا، ثم كانت الكارثة عندما أصيبت زوجتي بشلل نصفي، وتنقلت بها إلى مشافي عديدة ولكن لا جدوى من ذلك حتى لم أستطع إدخالها إلى تركيا كي نعالجها هناك".
بدورها قالت الزوجة المريضة "دانيا الخطاب" لبلدي نيوز: "إصابتي بالمرض تمنعني من مغادرة الفراش، لقد عشنا ليالي قاسية مع أطفالي وزوجي في تلك الخيمة الصغيرة حيث لا تدفئة ولا ملابس نستبدل بها تلك التي بللتها الأمطار والثلوج، وقد نقلني زوجي إلى عدة مشافي ولكن لم نجد نفعًا، وحاول إدخالي إلى تركيا لمعالجتي، ولم نستطع الدخول من المعبر ومنعنا إلا بعد حصولنا على ورقة رسمية تخولنا بالدخول".
وأضافت الزوجة المريضة: "والآن أتى من يتكفل بنا من أهل الخير، بعد وصولنا إلى مدينة كفر تخاريم في ريف إدلب الشمالي، وأمن لعائلتي منزلاً لنعيش فيه، وأنا مقعدة الآن بفراشي غير قادرة على التحرك".
ويتساءل الأهالي هنا، هل يستمر التهجير القسري من مناطق سيطرة النظام إلى مناطق سيطرة المعارضة ووضعهم في بقعة ضيقة من الأرض، باتت تؤوي آلاف العائلات المشردة دون مسكن أو مشغل لهم؟ وما مصير من ترك بيته ومدينته، ليعيش مراحل متتالية من تشرد لا تلوح في الأفق له خاتمة؟!.