إخلاء حلب من سكانها هو جريمة حرب بحد ذاتها - It's Over 9000!

إخلاء حلب من سكانها هو جريمة حرب بحد ذاتها

نيويوركر- (ترجمة بلدي نيوز)
مع تقدم قوات الأسد والميليشيات المؤيدة لها في حلب يوم الخميس الماضي، كان مواطنو حلب يتساءلون هل سيتم إجلاؤهم أم سيتم ذبحهم، أما بشار الأسد فقد وقف في فناء مشمس في دمشق وهو يرتدي بدلة زرقاء، وبات يقارن فوزه بولادة يسوع المسيح والنبي محمد، كما وكأنه يؤرخ الحدث حيث قال : "أعتقد أننا سوف نتحدث عن التاريخ هنا... ليس فقط تاريخ سوريا ولكن العالم، بحيث يصبح "قبل وبعد تحرير حلب" وكان يتحرك ذهاباً وإياباً، ويلوح بذراعيه ويرفع حاجبيه، غير قادر على إخفاء سعادته.
إن ما يحدث هو أن أوتوقراطي متفرد بالسلطة يضخم مكانته في التاريخ، ولكن في هذه الحالة، فإنه يستحق الاعتراف بأن الأسد لديه نقطة: أهمية انهيار حلب هي أكبر بكثير من أراضيها المادية وتاريخها القديم، ورونقها السابق، فمنذ أكثر من أربع سنوات، وقفت الحكومات الغربية والأمم المتحدة، تشاهد الأسد ومؤيديه وهم يتجاهلون بشكل متفاخر قوانين الحرب، وعانى سكان شرق حلب إبادتهم جنباً إلى جنب مع عشرات الآلاف من المدنيين، أما مصداقية الدول والمؤسسات الدولية التي كان من الممكن أن تساعد، فقد دفنت الآن مع أنقاض حلب ودمها.
المدرس والناشط السوري "عبد الكافي حمدو" كان قد صدق كلام السياسيين واعتقد أن انتهاكات توثيق حقوق الإنسان تشكل أهمية بالنسبة للمجتمع الدولي، ولذلك بقي في حلب رغم القصف والحصار ونشر أفكاره على "تويتر"، لأنه اعتقد أن العالم إذا شهد معاناة المدنيين في حلب، فإنه سيأتي لنجدتهم.
يوم الثلاثاء الماضي، قام "حمدو" بتصوير ما كان يتوقع أن يكون رسالته الأخيرة، وحذر الناشطين الذين يعيشون في مناطق قمعية أخرى من العالم، قائلاً: "لا أؤمن بعد الآن بالأمم المتحدة ولا بالمجتمع الدولي، واعتقد أنهم راضون عما يحدث في حلب"، ومن ثم تنهد ودقق بمحيطه فقد كانت الميليشيات الموالية للأسد تضيق الخناق على المنطقة"، ثم أضاف: "هذا العالم لا يحب الحرية ولا يعتقد أنكم شعب حر في بلادكم"، وبعد أن صدر صوت إطلاق نار في الخلفية، أردف حمدو: "آمل أن تتذكرونا ".
وبالإضافة إلى الأسلحة المحظورة، ألقت الطائرات السورية والروسية خلال الأشهر القليلة الماضية منشورات فوق شرق حلب، محذرة من أن أي شخص لن يغادر المنقطة سوف يباد، ولكن أين يذهبون، ففي المناطق التي تسيطر عليها الحكومة يخشى العديد من السكان بأنهم سيعتقلون ويعذبون ويقتلون، بينما واصل النظام السوري إمطارهم بالمنشوارت التي تقول: "أنت تعرف أن الجميع تخلى عنك وقد تركت وحدك لتواجه الموت ".
الآن هو الوقت المناسب للتوقف عن الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، وبدلاً من ذلك يجب وصف الفظائع بمصطلحاتها المناسبة: جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، على نحو محدد، لا لبس فيه، كما في نظام روما الأساسي، وهو وثيقة التأسيس الأممية للمحكمة الجنائية، فمثلاُ "حملة إبادة": هي الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء من السكان"، وقد أمضت الأمم المتحدة الأشهر الخمسة الماضية وهي تطلب من الحكومة السورية الحصول على إذن لتقديم المواد الغذائية والإمدادات الطبية إلى حلب الشرقية، ولم يتم منحها ذلك أبداً، وهكذا مات أهل حلب جوعاُ وبرداً لأن الأمم المتحدة لم ترغب بأن تطرد نهائياً من سورية وبالتالي سلمت المساعدات فقط متى سمح النظام وإلى المناطق التي يريدها .
في حزيران الماضي عندما كان السوريون يتضورون جوعاً حتى الموت تحت الحصار في منطقة مضايا قرب دمشق، قالت الأمم المتحدة حينها إنه إن لم تسمح الحكومة السورية لقوافل المساعدات بدخول الحي براً، فإنها ستبدأ بإسقاط المساعدات من الجو، ولكن النظام لم يذعن، ومع ذلك، لم يحدث أبداً أي إنزال جوي.
وتميزت حملة الأسد في شرق حلب بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فالحرب الشاملة ضد السكان المدنيين والبنية التحتية كانت فعالة بقدر ما هي غير قانونية، والأسبوع الماضي أصبحت ما يعرف على نطاق واسع بـ "الإجلاء" عن شرق حلب، مصطلحاً استخدمه حتى مجلس الأمن، كما لو أن الخيار بين الموت والتشرد هو خيار على الإطلاق. وفي الأيام السابقة، كانت الأمم المتحدة قد ذكرت أن الميليشيات الموالية للأسد كانوا في طريقهم من بيت إلى بيت، وأعدموا عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال.
إن ما يحصل في حلب هو تهجير قسري وهو مصطلح تجنبه بعناية مجلس الأمن الذي يتجاهل الواقع على الأرض- فقد أصدر قراراً هذه الأسبوع مشدداً على أهمية "الخروج الطوعي والكريم والآمن لجميع المدنيين" وهو ما يعتبر جريمة راسخة بموجب القانون الدولي ويرقى إلى الترحيل القسري !
يقول آليكس ويتينج، منسق المحاكمات السابقة في I.C.C.، والذي يدرس الآن في كلية الحقوق بجامعة هارفارد لي: "إن القوة في الترحيل القسري لا يقتصر على القوة البدنية" ويضيف: "بل يشمل أيضاً التهديد باستخدام القوة أو الإكراه، أو الخوف من العنف أو الإكراه."

يوم الخميس، بينما كانت الحافلات تضيق بالسكان والأمتعة، مجد خلف، العضو في منظمة الخوذ البيضاء، نشر على تويتر: "اليوم فاز الأسد وميليشياته في حربهم ضد المدنيين، لقد أجبروهم على مغادرة منازلهم أمام العالم كله."
ولتشويه الحقائق لما يحدث من جرائم حرب، قامت روسيا وسوريا بحملة تضليل إعلامية ولمح التلفزيون الروسي إلى أن نشطاء التصوير في حلب لم يكونوا في الواقع مدنيين، فيتالي تشوركين سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، وصف تغطية الإعلام الغربي لحلب بهيستريا "الأخبار الوهمية" وفي الوقت نفسه، بشار الجعفري، السفير السوري لدى الأمم المتحدة، أظهر مؤخراً صورة مطبوعة كبيرة أمام مجلس الأمن، والتي تصور جندياً يجثو على يديه وركبتيه، يقدم المساعدة لامرأة مسنة، وقال الجعفري يومها: "هذا ما يقوم به الجيش السوري في حلب"، ولكن الصورة كانت قد التقطت قبل ستة أشهر على الأقل، قرب الفلوجة في العراق.
وكما كتبت سابقاً، إن حجم ونوعية الأدلة المحكمة جاهزة ضد مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة السورية، وهو أكبر توثيق تم جمعه لأي صراع من قبل، ومع ذلك، فإن المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها ولاية قضائية على سوريا، لأن روسيا والصين، يعرقلون إحالة النزاع إلى مجلس الأمن للأمم المتحدة.
في عام 2014، منع حق النقض لبلد واحد كل من مجرمي الحرب في سوريا من المثول أمام العدالة، ليس مجرد الأسد ونوابه ولكن أيضاً أعضاء في تنظيم "القاعدة" وتنظيم "الدولة"، إن مصداقية المؤسسات الدولية على المحك عندما تكون عاجزة تماماً عن التمسك بالمبادئ التأسيسية الخاصة بها، خصوصاً في ظل النظام الحالي، فمجرمو الحرب لهم حلفاء أقوياء، وقوانين الحرب التي وضعت خلال أكثر القرون دموية في التاريخ البشري، يتم تجاهلها الآن بأقل من اقتراح، بلا خجل، مع إفلات تام من العقاب !

مقالات ذات صلة

"ناسفة" تستهدف قياديا من "قسد" شرق حلب

جرابلس..نفوق كميات كبيرة من الأسماك في بحيرة الغندورة

بالمسيرات والمدفعية.. النظام يصعد من قصفه بريفي حلب وإدلب

سكان حلب ومخاوف الوجود الإيراني بعد التطورات الأخيرة في ساحة الصراع الإيراني ـ الإسرائيلي

100 مليون ليرة لتمويل حرفيي «جبرين» في حلب

فضيحة فساد في ملف الغاز الصناعي بحلب