مظاهر وآليات ونتائج الصراع الروسي-الإيراني في سوريا - It's Over 9000!

مظاهر وآليات ونتائج الصراع الروسي-الإيراني في سوريا

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
تمهيد:
تناقش هذه الورقة ظهور الخلافات الروسية-الإيرانية إلى العلن في إطار المعركة التي جرت في حلب ونتائجها التي أفضت إلى تهجير المدنيين إثر الاتفاق الروسي-التركي دون أي استشارة لإيران أو نظام الأسد, ونمهد لهذا النقاش باستعراض تحليلي موجز لهذا الخلاف البيني في أبعاده المختلفة السياسية والعسكرية والاقتصادية وصلة ذلك بتطور هذا الخلاف وأسبابه وأهداف كل منهما.
ثم نتناول بالتحليل جوانب هذا الخلاف, أطرافا وخططا وتفاعلات ونتائج, ونقف على أسباب تسارع وتيرة هذا الخلاف ومظاهره وآلياته ونتائجه المحتملة اعتمادا على تطور الأحداث الدائرة وتداعياتها.
مقدمة:
مرت عدة أشهر على الحرب الروسية-الإيرانية المشتركة في حلب للسيطرة عليها ولم تستطع الميليشيات الإيرانية المتواجدة التقدم على الأرض إلا بعد التدخل المكثف للطيران الروسي الذي اتبع سياسة الأرض المحروقة في إطار الحرب العدوانية ضد المدنيين, بغية تحقيق نصر عسكري يدخل في الحسابات الدولية, لذلك أوقفت روسيا عدوانها عند أول تسوية, بينما كانت إيران تعمل على ارتكاب مذبحة كبيرة تطال كل المدنيين لأسباب مذهبية, ومن هنا يتضح تباين أهداف إيران الإيديولوجية, والمصالح الروسية جراء هذه الحرب, وأصبحت الخلافات تظهر علنا إثر اتفاق حلب الذي أوقف الحرب, وأفضى إلى تهجير المدنيين والمقاتلين من المدينة دون علم إيران وحليفها نظام الأسد, ولما حاولت إيران إفشال الاتفاقية استهدف الطيران الحربي الروسي مقرات الحرس الثوري الإيراني وميليشيا "حزب الله" اللبناني في منطقة الراشدين ومحيط مدينة حلب.
حيال هذا الخلاف المعلن الذي تجسد في حلب يتبين أن ما يجري هو استمرار متصاعد للخلاف الروسي الإيراني منذ التدخل الروسي, وعبر عن ذلك كلا الطرفين سواء في قضية الأسد من حيث استمراره في السلطة أو مستقبل الميليشيات الإيرانية, أو العلاقة الروسية الاستراتيجية مع إسرائيل, وأطماع إيران في الحصول على منفذ بحري في سوريا, هذا التغيير الواضح على نمط التعامل الروسي مع إيران يستند في أساسياته إلى مصالح دولية مع الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل, وتركيا, في إشارة إلى أن القرار بيد روسيا وما على إيران سوى التنفيذ, وبذلك تعهدت روسيا بتحجيم الدور الإيراني المتعاظم في سوريا, ومهدت الطريق لذلك بشراء ولاءات ميليشيات الشبيحة وتحويلهم من الحضن الإيراني إلى الحظيرة الروسية عبر إمدادهم بالمال والسلاح, وتمكنت من جذب أذرع عسكرية مختلفة المنابت والأهواء كميليشيا "لواء القدس" الفلسطيني المتمركزة في حلب, وميليشيا "صقور الصحراء" المنتشرة في مناطق الطائفة العلوية في الساحل السوري.
تصاعد الخلاف الروسي-الإيراني
تصاعدت الخلافات الروسية الإيرانية في قضايا مهمة تتعلق بعرقلة إيران لاتفاقية حلب, وأهداف كل منهما حول مصير الأسد, وفي محاولة إيران السيطرة على منفذ بحري على الساحل السوري, والإرادة الإيرانية في الاحتلال بأبعاده الإيديولوجية الطائفية.
- أولا: الاتفاق الروسي-التركي في حلب ومحاولة إيران عرقلته: تجلى الخلاف الروسي-الإيراني في الاتفاقية المبرمة بين روسيا وتركيا والتي قضت بتهجير المدنيين والفصائل الثورية من القسم المحرر من مدينة حلب دون علم إيران وحليفها الأسد كون روسيا هي المقرر السياسي في سوريا ومهمة حلفائها التنفيذ, وحاولت إيران عرقلة إجلاء المحاصرين في حلب, وكان الروس قد هددوا بإطلاق النار خلال عملية الإجلاء وشمل التهديد الميليشيات التابعة لإيران, وقوات نظام الأسد, وعلى إثر ذلك استهدف الطيران الحربي الروسي الميليشيات الإيرانية في منطقة الراشدين بعدة غارات في رسالة لإيران لتنفيذ ما قررته روسيا. وانصاعت إيران بالتالي لما تريده موسكو مما يكشف حجم الضغط الروسي على إيران الذي أظهرها كلاعب ثانوي في القرار السياسي والعسكري في سوريا.
الخلاف الروسي-الإيراني حول الأسد
شكلت هذه النقطة الخلافية الجزء الأكثر حساسية وتأثيرا في العلاقات بينهما, فإيران ترى في بقاء الأسد خطا أحمر لا يمكن تجاوزه على الأقل كما يظهر في البيانات السياسية الإيرانية إعلاميا, وتكبدت خسائر فادحة للحفاظ عليه, بينما روسيا لا تتمسك بالأسد ولا تمانع في رحيله في أول تفاهم دولي مع الولايات المتحدة لحل سياسي للملف السوري, وباتت إيران مقتنعة أن موسكو تستخدم ورقة الأسد للحصول على المكاسب وهي تعمل على استبداله بحاكم آخر يضمن لها مصالحها في سوريا والمنطقة، وأن الخلافات تتعلق بموعد رحيله قبل المرحلة الانتقالية أو بعدها, وقد صرحت إيران في أكثر من مناسبة أن موقفها غير متطابق مع روسيا حيال مستقبل الأسد. وتراهن طهران على الحل العسكري طويل المدى لفرض بقاء الأسد في حين تسعى موسكو لأن يكون تدخلها محدودا زمنيا وإلى إشراك واشنطن ودول إقليمية للوصول إلى حل يحفظ مصالحها.
الخلاف حول التواجد الإيراني في سوريا
ومن أبرز قضايا الخلاف الكبرى بين روسيا وإيران مستقبل الميليشيات الإيرانية في سوريا, وهي أذرع إيران العسكرية في المنطقة, والتي زجت بها لقتل الشعب السوري في دمشق وريفها وحمص وحلب, فإيران تسعى إلى توطيد نفوذها من خلال تفريخ عشرات الميليشيات الطائفية على شاكلة "حزب الله" لضمان مشروعها الطائفي الذي اصطدم بالمصالح الروسية البعيدة عن الإيديولوجية الدينية الإيرانية, والرافضة لخوض معارك طائفية من جهة, أو وجود ميليشيات طائفية غير منضبطة على تخوم إسرائيل, لذلك سهلت روسيا لإسرائيل استهداف قادة "حزب الله" من خلال اتفاق أمني بين موسكو وتل أبيب, وكانت إيران زرعت "حزب الله" في جنوب لبنان لابتزاز إسرائيل ودفعها للدخول في مفاوضات معها, وبعد قيام إيران بتحويل الصراع من إسرائيل إلى صراع طائفي (سني- شيعي) في المنطقة أعطت أوامرها لحزب الله بإنهاء ملف الصراع مع إسرائيل, وصرح مسؤولون إيرانيون أن روسيا غير سعيدة بوجود "حزب الله" في سوريا, لذلك فهي تتعامل مع الميليشيات الإيرانية وفق الرؤية الإسرائيلية, وتفاهمها مع واشنطن حول تلك الميليشيات ذات المهمة القذرة في التحالف مع روسيا في سوريا, أو مع واشنطن في العراق.
الخلاف حول فرض إيران إرادتها الطائفية في سوريا
منذ وصول الخميني إلى السلطة في إيران عام 1979م، شدد على الطابع الشيعي لإيران, وبدأ نشر التشيع في المنطقة استنادا إلى المركزية الشيعية, وركزت طهران استراتيجيتها على تأسيس أذرع عسكرية لها ساعدتها على التمدد في لبنان وسوريا والعراق واليمن من خلال روابط مذهبية تجسدت في تسهيلها انخراط آلاف الشيعة للدفاع عن نظام الأسد, وهم يقاتلون ضد الأكثرية السنية مما أدى إلى انزلاق المنطقة إلى الصراع الطائفي بهدف إنشاء كيان شيعي توسعي موال لها يتجاوز الحدود القومية ويمتد من إيران إلى لبنان ويشمل العراق وسوريا, بغية انبعاث الإمبراطورية الفارسية, وقد صرح رأس النظام الإيراني حسن روحاني أن التنسيق مع روسيا لا يعني أن طهران توافق على كل خطوة تقوم بها موسكو في سوريا. وتصر روسيا على إمكانية إنشاء جمهورية فيدرالية وتدرك أن اهتمامات إيران تندرج للتوسع في المنطقة ولا تتعدى منافستها لتركيا وإسرائيل والسعودية. وتعلم أن إيران تدور في فلك السياسة الأميركية وخاصة في التعاون على مدى عقود في أفغانستان والعراق واليمن والبحرين ولبنان وفلسطين وسوريا، وموقف أميركا المتواطئ مع إيران في ملفها النووي, وما الشتائم الإعلامية الإيرانية ضد أميركا إلا وسيلة للاستهلاك الإعلامي المحلي, بينما الموقف الرسمي الإيراني يتجلى في خدمة الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
أبعاد الخلاف الروسي-الإيراني
تجلى الخلاف بينهما بمظاهر استقطاب متعددة منها السياسي والاقتصادي والعسكري لاحتواء تعاظم النفوذ الإيراني وسيطرته على قرار نظام الأسد ويمكن إجمال هذه المظاهر بالتالي:
- البعد العسكري: إن الخلاف الروسي الإيراني يتطور نحو الأسوأ في الآونة الأخيرة, وتجلى ذلك في استهداف الطيران الروسي للميليشيات الإيرانية التي حاولت عرقلة الاتفاق الروسي التركي بما يخص حلب, وسبق أن حاولت طهران الخروج على الأوامر الروسية, فقام الطيران الروسي باستهداف تجمعات المقاتلين الإيرانيين على الأرض مما تسبب في مقتل ضباط برتب عالية, وقد قصف الطيران أكثر من مرة حاجز ملوك وحاجزاً على طريق خناصر وآخر شمال حلب. وازدادت وتيرة القصف الروسي باستهداف مقرات الحرس الثوري الإيراني وميليشيا "حزب الله" اللبناني في قريتي نبل والزهراء, واعترفت روسيا بذلك وبررت ذلك الاستهداف بأنه حصل نتيجة الخطأ, وقامت في اليوم التالي باستهداف "حركة النجباء" العراقية المتمركزة في جبل "عزان" جنوب حلب, كما استهدفت حاجزا لتلك الميليشيات على طريق خناصر حلب, مما يشير إلى عمق الخلافات وتصفية الحسابات للاستئثار بسوريا.
- البعد السياسي: يدرك الروس أن إيران تدور في فلك السياسة الأميركية وخاصة في التعاون العسكري على مدى عقود في أفغانستان والعراق واليمن والبحرين ولبنان وفلسطين وسوريا, وموقف أميركا المتواطئ مع إيران في ملفها النووي, بصرف النظر عن الشتائم الإعلامية الإيرانية ضد أميركا ووصفها بالشيطان الأكبر, وتعلم روسيا أن ذلك وسيلة للاستهلاك الإعلامي المحلي, بينما الموقف الرسمي الإيراني يتجلى في خدمة الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. كما أن الولايات المتحدة تنظر بعين الريبة لموقف إيران في المنطقة وتحالفها مع الروس فيما يتعلق بالحرب السورية, وفي التفاهمات الأميركية-الروسية الأخيرة جاء الاتفاق على بيانات مشتركة تقضي بأن يكون الحل السياسي في سوريا يخص السوريين وحدهم بمعنى إبعاد أي دور لإيران في سوريا المستقبل.

- البعد الأمني: تحاول إيران من خلال تدخلها في المنطقة العربية استعادة دور الشرطي من خلال تفاهمات مع واشنطن وموسكو, وتعهدت لهما بتحويل الصراع ضد إسرائيل إلى صراعات طائفية مذهبية اعتمادا على أذرعها العسكرية (حزب الله اللبناني, والحشد الشيعي العراقي, والحوثيين في اليمن). ودفعت بحزب الله إلى الجنوب اللبناني لتحسين شروط المفاوضات مع إسرائيل, وحاولت السيطرة على الشريط الحدودي في منطقة الجولان لحماية إسرائيل والضغط عليها في آن معا لأجل الحصول على مكاسب إقليمية ودولية, غير أن إسرائيل اتفقت مع روسيا حول سوريا فيما يتعلق في الحفاظ على أمنها القومي, وقامت باستهداف قادة "حزب الله" اللبناني في دمشق وريف القنيطرة, وقتلت أبرز قادتهم.
- البعد الاقتصادي: تسعى طهران منذ تدخلها إلى جانب نظام الأسد لتدشين خط بحري مباشر مع سوريا من أجل زيادة المبادلات التجارية بين البلدين, باعتبار النقل البحري شريان الاقتصاد العالمي, وتلعب الممرات البحرية دورا مهما في تشكيل حركة هذه التجارة, ونظرا لتلك الأهمية تسعى إيران لإطلالة على البحر المتوسط بغية تنويع مصادر دخلها لافتقارها لمنفذ بحري لذا فهي بحاجة للسيطرة على مطار دمشق والحدود بين سوريا ولبنان لضمان وصولها للبحر المتوسط وتمويل ميليشياتها, لذلك لا يقبل الإيرانيون بتسوية تنهي الحرب السورية لأن ذلك يعتبر بمثابة تخل عن طموحات إيران الإقليمية, ولذلك جاءت التفاهمات الروسية الأميركية الإسرائيلية على تحجيم دور إيران في سوريا.
خاتمة:
تعتبر إيران الطرف الخاسر في الحرب السورية, فقد استعدت عليها العالم السني برمته نتيجة الحرب الطائفية التي تشنها على الشعب السوري الثائر ضد نظام الأسد, ومع تعاظم نفوذها على قرار نظام الأسد, فقد دفعت مقابل ذلك الآلاف من القتلى ومثلهم من الجرحى عدا عن أموالها المجمدة التي حصلت عليها نتيجة الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة, ودفعتها لتمويل الحرب في كل من سوريا والعراق واليمن, وبذلك فإن الروس الذين يقومون بعدوانهم ضد الشعب السوري يأملون بالحصول على تنازلات أميركية في قضايا دولية كأوكرانيا والدرع الصاروخي على حدودها ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها, ويستعرضون أسلحتهم في سوريا لبيعها في الأسواق كأسلحة فتاكة, بينما إيران لا يوجد لديها سوى السجاد وسيارة لا تمشي ودواء لا يمتصه الجسم, وعصير غير قابل للاستهلاك المحلي, وفرضوا سلعهم على الشارع الشيعي سواء في العراق أو سوريا دون إقبال على شرائها لرداءة صناعتها. لذلك فإيران دولة هشة ذات بناء عمودي بينما تشكل أفقيا حالة من الفراغ وعندما تتوقف الحرب تنهار تلقائيا, وهذا ما تدركه واشنطن وموسكو في تعاطيهما مع دولة الملالي التي ستكون الثورة السورية نهاية لاستطالتها وعدوانها المستمر على الشعب العربي.

مقالات ذات صلة

بيدرسون يؤكد على ضرورة التهدئة الإقليمية مخافة امتداد التصعيد إلى سوريا

السعودية تتبرع بنحو 4 ملايين دولار للصحة العالمية لدعم القطاع الصحي شمال غرب سوريا

شهداء وجرحى بقصف النظام على مدينة الباب شرق حلب

تدريبات مشتركة بين قوات التحالف و "الجيش الحر" في التنف

صحيفة بريطانية: في ظل الضعف الإيراني الأسد يعتمد على روسيا والدول العربية لبقائه على كرسي الحكم

وزير الخارجية التركي يتوقع تسوية امريكية في سوريا إن تم تجميد الحرب في أوكرانيا