انترناشونال بيزنس تايمز- (ترجمة بلدي نيوز)
لم ينتظر فلاديمير بوتين وحلفاؤه السوريون والإيرانيون دونالد ترامب كي يصل إلى مكتبه البيضويّ في يناير القادم، قبل أن يخلقوا حقائق جديدة على الأرض في سوريا، وحتى لو كان ترامب قد أعرب عن استعداده للعمل مع الرئيس الروسي، فإن النظام المدعوم من روسيا يدفع بكامل قوته قدماً في هجوم متوقع ضد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في شرق حلب، وخلال الأيام الماضية قام النظام الديكتاتوري السوري بجانب الميليشيات المدعومة من إيران والقوة الجوية الروسية، بتسجيل انتصار له على المعارضة السورية باستيلائِه على حوالي ثُلث مدينة حلب التي تسيطر عليها المعارضة.
إن هذا الهجوم الأخير بات نقطة تحول في الحرب الدامية التي اندلعت في سوريا منذ عام 2011، بينما كانت مدينة حلب المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلاد، فضلاً عن كونها المركز الصناعي السوري، لقد تحولت الآن إلى ركام وأنقاض، لقد خاض مقاتلو المعارضة ومؤيّدو الأسد الكثير من المعارك التي غالباً ما أسفرت فقط تغيرات طفيفة في ساحة المعركة.
ومع ذلك، فإن الهجوم الأخير للأسد في أعقاب عدة أشهر من الحصار والقصف الثقيل الدامي، أدى إلى انهيار خطوط المعارضة الدفاعية بعد تصدّ شرس وطويل، جنباً إلى جنب مع الآمال بأن شخص ما، بطريقة ما، من شأنه أن ينقذ حلب في نهاية المطاف من هذا الكابوس الدموي، في سوريا وخارج حدودها فإن انتصار الأسد وحلفائه الروس والايرانيين هو زلزال يتعين علينا حقّاً فهم عواقبه.
عند تأدية ترامب لليمين الدستورية في يناير القادم، سيكون حينها كل من بوتين وحلفائه قد خلقوا واقعاً جديداً في سوريا، إذ أن جيش الأسد وحلفاؤه من المرجح لهم أن يقوموا باستثمار أرباحهم الأخيرة في حلب لإطلاق عدة هجمات أخرى في محافظات إدلب وحمص وحماة القريبة من الساحل السوري، ومن ناحية أخرى سيُواجه أنصار المعارضة إحدى الخيارين إما "بالتراجع" والسماح للمعارضة بمواجهة مصيرها، أو "بمضاعفة جهودهم" من خلال إرسال المزيد من الأسلحة والمساعدات العسكرية للمعارضة المحاصرة، إنه لخيارٌ سيضطرون إلى النظر فيه بجديّة، لأن المشهد العالمي آخذ في التغير، والدعوات لرحيل الأسد باتت تتلاشى.
وفي الوقت الذي سيتسلّم فيه ترامب منصبه، قد تقوم موسكو بمحاولة لإحياء عملية سياسية تقوم على معايير جديدة لا تتطلب رحيل الأسد، كما يمكن لتلك المحاولة أن تجد بعض الدعم في واشنطن وعدد من العواصم الأوروبية، في الأثناء التي ستستخدم فيها روسيا تلك المفاوضات لمواصلة تشتيت الضغوط الدولية وابتلاع الأجزاء المتبقية من محافظات إدلب وحمص وحماة التي لا يسيطر عليها النظام الديكتاتوري بعد.
وفي هذه المناطق، فإن ما حدث في حلب، بالإضافة إلى الشعور بتخلّي العالم أجمع عن المعارضة السورية، سيستمر بتعزيز معظم الجماعات المتطرفة داخل المعارضة، و ستكون جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، والتي قامت بإعادة تسمية نفسها مؤخراً بجبهة فتح الشام، قادرة على تعزيز سيطرتها على صفوف المعارضة، وفي هذا المعنى فإن ادّعاء الأسد بأن النظام كان يقاتل تنظيم القاعدة منذ البداية سيتحوّل إلى نبوءة تحقق ذاتها.
ومع ذلك، فإن العواقب الناجمة عما تكشفه حلب الآن ستتجاوز الحدود السورية، إذ أن الهجوم الخاطف هو فوز لبوتين بقدر ما هو للأسد، وقد يكون الغرب صامتاً الآن ولكن في عواصم الشرق الأوسط وما وراءه، فإن القادة الإقليميين يستمعون ويراقبون جيداً، وبعد خمس سنوات من موجة الحرية والأمل التي اجتاحت المنطقة، بات من الواضح الآن أن الثورات يمكن سحقها، يمكن دفنها، ويمكن أن يلقى بها في غياهب النسيان.
ففي حين كانت أمريكا مترددة، غير متماسكة، وغير موثوقة بها، كانت روسيا متنمّرة، قوية، وبلا رحمة، ومع نشر الأسطول البحري الروسي في البحر الأبيض المتوسط ، تبدو المؤشرات الواضحة بأن هنالك وصول أفضل في المنطقة لروسيا التي هدفت لذلك كأمر استراتيجي، وهذا يشير إلى أن سوريا هي البداية فقط بالنسبة لموسكو، حيث سيقوم بوتين باستخدام هذا النجاح العسكري الواضح لتعزيز صداقات جديدة مع الحكام المستبدين في المنطقة، الذين يسعون لشركاء موثوق بهم لتوطيد سلطتهم بالقوة والبطش.
وسيتذكر زعماء المنطقة بأن روسيا تدخلت في الوقت الذي هُدِّدَت فيه قاعدتها البحرية في طرطوس، بينما كان عميلها يخسر الحرب ببطء، إن وجود قاعدة بحرية روسية قد يكون بمثابة "برنامج نووي" جديد ومحسّن وآمن للطغاة، ضمانة ضد الثورات...و سيتذكر الحكام المستبدون والطغاة في المنطقة والذين يخشون من انتفاض شعوبهم بأن: حلب هي المكان الذي قتل فيه الربيع العربي.
-مايكل هورويتز مدير الاستخبارات في برايم سورس -شركة استشارية الجيوسياسية في الشرق الأوسط تنشر تحديثات وتحاليل على الصراعات السورية والعراقية.