هافنغتون بوست -(ترجمة بلدي نيوز)
إن الهجمات الجوية الحالية من قبل الطائرات الحربية الروسية، وقوات نظام الأسد والقوات البرية المنظمة إيرانيّاً، كانت ستحدث على كل حال دون وجود وقف إطلاق النار الوهمي الذي انهار رسمياً الأسبوع الماضي، وإذا لم يدرك الرئيس باراك أوباما أنه خُدِع من قبل بوتين عندما قام بإبرام اتّفاق وقف إطلاق النار مع روسيا، فإن أوباما يقوم بخداع نفسه.
لقد أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن نية روسيا العدائية عندما صرّح في خضم فترة وقف إطلاق النار المفترضة أن المعارضة المدعومة من قبل الولايات المتحدة، أخفقت في فصل نفسها عن جبهة النصرة، وهي جماعة إرهابية بالنسبة لروسيا، ولذلك فإن على روسيا الآن قصف الجميع، وإذا ما كانت موسكو مترددة بعض الشيء حيال الأمر، فإن هجوم الطائرات الأمريكية على القوات الموالية لبشار الأسد، والتي أسفر عن مقتل نحو 60 جندياً حكومياً، منح بوتين الضوء الأخضر للقيام بخطّته.
وفي حين صرّحت إدارة اوباما أن الغارة الجوية تلك كانت عن طريق الخطأ، قام الروس بسرعة بقصف قافلة مساعدات إنسانية بالقرب من مدينة حلب، في الوقت الذي بدأت فيه حملتها الشرسة على المدينة.
إن التكتيكات الروسية الحالية في مدينة حلب تعود لحصار موسكو عام 1999-2000 لغروزني، عاصمة الشيشان المعارضة آنذاك، فقد كان الحصار الذي شمل القصف الجوي والقصف المدفعي الثقيل الذي دمر المدينة كاملاً، يهدف لغرض مزدوج: إخراج المدنيين والمقاتلين على حدّ سواء، لتصبح مدينة أشباح، و كان أي شخص متبقّي في المدينة في عداد القتلى، و هذا بالضبط ما يجري الآن في حلب.
إن القسم الشرقي من مدينة حلب أصبح الهدف لما قد يكون أعنف قصف على أي مدينة في منطقة الشرق الأوسط في أي وقت مضى، بما في ذلك القصف الأمريكي في عام 2003 على بغداد، والقصف الإسرائيلي لبيروت عام 1982، ولذلك نهنئ بوتين! فقد أصبح القاتل والمستعمر رقم واحد!
لقد رغِبَ الرئيس أوباما بالبقاء بعيداً عن سوريا، حيث كان يعتقد بأن هنالك مستنقع مترصد له باهظ الثمن، في حين أن إقامة منطقة آمنة للاجئين في وقت مبكر من الحرب كان خياراً، ولكنه يخشى أن الدفاع عن مثل هذا الملاذ قد يتطلب تدخلاً جوياً أمريكياً، وبطبيعة الحال فقد انتهى المطاف بأوباما ليقصف سوريا على أي حال (فقط تنظيم الدولة) على الرغم من عدم إحداث أي تأثير كبير، وفي الوقت نفسه فإن مئات الآلاف من اللاجئين تدفقوا إلى تركيا ولبنان والأردن وأوروبا بناء على دعوة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لذلك فنحن أيضاً نهنئ أوباما!
لقد خلّفت سياسة واشنطن العشوائية وزير الخارجية جون كيري مع مهمة لا يحسد عليها، إذ أصبح معتاداً على المثول على ركبتيه مستجدياً روسيا للتوقف، ولكن بوتين يهدف دونما خجل لدعم الأسد ومنذ ذلك الحين، وبمساعدة روسيا أصبح الأسد يكسب في الوقت الراهن، و ليس هنالك أي سبب يدفعه للتوقف، إذ وفي وجهة نظر روسيا فإن وقف إطلاق النار هو للخاسرين فقط.
وقد تُرِكت إيران بطريقة أو بأخرى خارج دبلوماسية كيري المتضرّعة، على الرغم من أن طهران تشرف على ميليشياتها الخاصة على الأرض في سوريا وتحافظ على تدفق الأسلحة والأموال إلى الأسد، ولكن إذا ما أمعن كيري النظر لربما قد يلاحظ أن صفقة الأسلحة النووية ما بين الولايات المتحدة وطهران قد أطلقت العنان لطموحات الحرب الإقليمية الإيرانية.
وقبل عام ونصف تقريباً توقّع أوباما أن الاتفاق النووي من شأنه في الواقع ألّا يشفي "الانقسامات العميقة" ما بين الولايات المتحدة وإيران، بما في ذلك دعم إيران لوكلائها "الذين يستمرّون في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط"، إذ صرّح أوباما في هذا الأمر قائلاً: "سنبقى متيقّظين في مواجهة تلك الإجراءات" وكما تبين، فإن هذا كل ما يفعله السيد أوباما، يبقى متيقّظاً!
ويبدو لي الآن بأن أوباما (أو على الأرجح خَلَفه) سيكون لديه ثلاثة خيارات:
يستطيع الاستمرار كما هو الحال الآن، والتدخّل هنا وهناك، وبالتالي إيداع سوريا إلى الأسد المنتصر "بالتقطير البطيء" على أي حال، بينما ستستمر الحرب المدمرة في البلاد، إن لهذا الخيار ميزة سياسية لأوباما ليبقى متخيلاً بأنه لن يذهب فعلاً إلى الحرب، بطريقة ما أو بأخرى فإن هذه الأسطورة لا تزال شائعة في الولايات المتحدة، وفي حال كان أوباما لم يلاحظ حتى الآن، فإنه قام بقصف أربعة بلدان أخرى: العراق، ليبيا، اليمن وأفغانستان.
أو يمكن لأوباما محاولة الظهور كندٍّ كَفُؤٍ للروس وذلك من خلال مهاجمة قوات الأسد ( إذ أن استخدام الأسد المستمر للأسلحة الكيماوية سيكون عذراً جاهزاً)، والإظهار لموسكو أن عميلها لن يستطيع الفوز بسهولة بعد كل شيء، وسيكون من الأفضل لهما أن يسرعا نحو محادثات السلام على الفور، هذا وبطبيعة الحال، سيفتح من خطر التصادم المفتوح مع موسكو، وربما جوّياً. وتذكّروا أن أوباما لا يريد التورّط في سوريا، إذ ليس من المفترض للحائزين على جائزة نوبل للسلام أن يطلقوا قنابلهم على الآخرين !!
أو يمكن لأوباما الاستسلام لليأس، وعدم فعل أي شيء، بينما يمنح بفعالية السبيل لبقاء الأسد بكونه أهون الشرور، والسماح لروسيا بالقضاء على تنظيم الدولة إذا ما كان بوسعها ذلك، إن مثل هذا القرار من شأنه أن يدفع السكان المسلمين السنة التعساء، والمتمحورين إلى حد كبير في المدن والمناطق الريفية المهمّشة والتي مزقتها الحرب وكانت أكثر تضرراً في سوريا، للاستسلام إلى حملة ما بعد الحرب التي لا مفر منها لتلك الدولة الديكتاتورية -البوليسية طويلة الأمد، في حين أن الكثير من اللاجئين قد يرفضون بشكل قاطع العودة، وقد يشتكي النقاد وأنصار سياسة أوباما من أن مثل هذا الخيار قد يضرّ بمصداقية الولايات المتحدة، تلك الفزّاعة الكبيرة المكونة من إخفاقات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، من ناحية أخرى، ولكني أتساءل ما هي المصداقية التي يملكها أوباما في إدارة الأزمات في الشرق الأوسط يا تُرى؟