بلدي نيوز
يبدو بأن الأسلحة الكيماوية أصبحت في طريق العودة إلى الشرق الأوسط، إذ في الوقت الذي تركز إسرائيل على الخطر الذي قد تفجره إيران في حال شبت عن الطوق وقررت تجميع قنابل نووية، تظهر مؤشرات كثيرة تفيد بأن إيران بدأت بتطوير أسلحة كيماوية، وكذلك النظام السوري، وثمة تقارير وأخبار رشحت تفيد بأن موسكو حليفة بشار الأسد تستخدم أسلحة كيماوية في حربها ضد أوكرانيا، وهذه الأخبار تناهت إلى علم عدد من الناس من خلال النقاشات التي أجراها خبراء أجانب ودبلوماسيون غربيون في لاهاي، حيث يقع المقر الرئيسي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية.
جمعت المخابرات الإسرائيلية وأجهزة الاستخبارات الغربية معلومات تشير إلى تطوير إيران لأسلحة كيماوية في مصنع للأدوية، وذلك بحسب ما ذكره خبير غربي بالأسلحة الكيماوية، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه.
أما تأكيد خبر تطوير تلك الأسلحة فقد أتى عبر تقارير رسمية صادرة عن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، فقد نشر البنتاغون في أيلول من عام 2023 تقريراً بعنوان: "استراتيجية لمناهضة أسلحة الدمار الشامل" جاء فيه من بين عدة أمور بأن إيران تحاول الحصول على عناصر كيماوية ذات استخدامات ثنائية، تؤثر على الجهاز العصبي المركزي، وذلك لأغراض هجومية.
نشر هذا التقرير في الوقت ذاته الذي زعم قراصنة إيرانيون أنهم سربوا وثائق سرية تشرح وبالتفصيل كيفية تطوير جامعة عسكرية في إيران لقنابل يدوية تحتوي على مواد كيماوية تستخدم لأغراض عسكرية.
وفي نيسان الماضي، نشرت وزارة الخارجية الأميركية تقريراً عن معاهدة منع انتشار الأسلحة الكيماوية جاء فيه بأن إيران تحاول الحصول على عناصر تعتمد في قوامها على مستحضرات دوائية وذلك لتستخدمها لأغراض عسكرية، وبعد فترة قصيرة، كررت هذا الاتهام نيكول شامبين مندوبة الولايات المتحدة لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وصرحت لأحد المواقع الإلكترونية البريطانية بأن: "إيران تحتفظ ببرنامج للأسلحة الكيماوية يشتمل على.. عناصر تتسبب بالشلل والعجز وذلك بهدف استخدامها لأغراض هجومية، بيد أن هذه الناحية تقلقنا بشكل كبير".
غير أن هذه المندوبة لم ترد على طلب لإجراء مقابلة معها، ويذكر أنها شغلت منصب سفير الولايات المتحدة إلى تل أبيب فيما مضى.
وفي هذا الصدد، نشر الدكتور ماثيو ليفيت الذي يتمتع بخبرة طويلة في مجال دراسة حزب الله، مقالة بمجلة مركز مكافحة الإرهاب بأكاديمية ويست بوينت العسكرية، وتحدث في مقالته عن تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يركز على النشاط في قسم الكيمياء بجامعة الإمام الحسين، وهي مؤسسة أكاديمية عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني.
فقد طلب هذا القسم ما يعادل عشرة آلاف جرعة من مادة ميديتوميدين، وهي مادة مخدرة تستخدم في العمليات الجراحية البيطرية، على الرغم من أن العلماء لدى هذه المؤسسة ليست لديهم خبرة بحثية في مجال الأدوية عموماً والأدوية البيطرية على وجه الخصوص، والأهم من ذلك كما كتب الدكتور ليفيت هو أن الدراسة خصصت لإنتاج الدواء على شكل بخاخ للرذاذ، كما أن الكمية المطلوبة لا تساوي الكمية المصرح عنها في الدراسة.
تجربة في تسميم حشود من البشر
دفعت حادثة جرت في تشرين الثاني من عام 2022 إلى ظهور كم كبير من التقارير التي تحدثت عن تسريع إيران لبرنامج الأسلحة الكيماوية لديها، فقد تعرضت آلاف من الطالبات والتلميذات الإيرانيات في عدد من المدارس والجامعات وطوال عدة أشهر لحالات تسمم جماعية، في حين وصف الناطقون الرسميون في إيران تلك الظواهر بأنها مجرد "هستيريا وهوس أنثوي".
ثمة تفسير آخر انتشر داخل إيران وخارجها وهو أن حالات التسمم هذه لم تكن إلا عقاباً جماعياً للنساء الرافضات لارتداء الحجاب، غير أن مصادر استخبارات غربية خلصت إلى أن مطوري الأسلحة الكيماوية في إيران كانوا يختبرون فعالية المواد على هؤلاء البشر.
وفي مقالته، استشهد الدكتور ليفيت بمصادر إسرائيلية أعربت عن خوفها من مشاركة إيران لحلفائها بما توصلت إليه من معارف عن الحرب وعن المواد الكيماوية، والمقصود بهؤلاء الحلفاء الميليشيات الشيعية في كل من سوريا وإيران وحزب الله أيضاً.
ثغرات لانتهاك الرقابة
تعتبر منظمة حظر الأسلحة الكيماوية المؤسسة الأممية المسؤولة عن مراقبة مدى العمل باتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 1997، بما أن هذه الاتفاقية تحظر استخدام الأسلحة الكيماوية وتطويرها على نطاق واسع أو تصنيعها أو تخزينها أو نقلها أو إعداد موادها الأساسية المخصصة لتصنيعها. بيد أن هذه الاتفاقية تستثني من كل ذلك الاستخدام المحدود لتلك المواد لأغراض البحث العلمي أو في مجال الطب أو في مجال صناعة الأدوية، وهذا الاستثناء يعتبر الثغرة التي بات من الممكن من خلالها تطوير أسلحة كيماوية تحت ستار تطوير الأدوية، في حين أن تلك الجهات تستغل تلك المواد لتحقيق الهدفين في آن معاً.
كما ظهرت مشكلة أخرى بسبب حالات القصور والمحدودية التي اشتملت عليها الاتفاقية وتتصل بالمواد الكيماوية المخصصة للسيطرة على حالات الشغب مثل الغاز المسيل للدموع، إذ بحسب ما ورد في الاتفاقية يسمح استخدام هذا الغاز لتفريق حشود الناس، في حين يحظر استخدام الغاز المسيل للدموع وما شابهه من مواد في ساحات المعارك، وعلة التمييز بين الحالتين هنا تتلخص بالخوف من إطلاق هذا الغاز على الجنود بهدف إضعاف حواسهم ودفعهم لترك مواقعهم، وبذلك يصبح بوسع العدو إطلاق النار عليهم وقتلهم عن بكرة أبيهم.
حتى تاريخ اليوم، تشمل قائمة الدول الموقعة على هذه الاتفاقية إسرائيل وكوريا الشمالية، إلا أن مصر وجنوب السودان ما تزالان ترفضان التوقيع عليها حتى الآن، إذ ترى مصر التي استعانت بالأسلحة الكيماوية في حربها باليمن خلال ستينيات القرن الماضي بأنها لن توقع على الاتفاقية بما أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية وترفض تفكيكها. ونتيجة لذلك، رفضت إسرائيل المصادقة على الاتفاقية على الرغم من توقيعها عليها.
أما إيران التي هاجمت صدام حسين في العراق بأسلحتها الكيماوية خلال ثمانينيات القرن الماضي، فلن تسمح لتوقيعها على تلك الاتفاقية أن يحرمها من استغلال الثغرات فيها لإحياء البرنامج الذي يسعى إلى تطوير الأسلحة الكيماوية وتصنيعها وتخزينها.
شهادة من الميدان
ينطبق الأمر ذاته على سوريا، إذ يرى خبير بشؤون الأسلحة الكيماوية بأن النظام السوري عاد لأساليبه الشريرة كما جدد تطوير إمكانياته الكيماوية ولكن بصورة محدودة، ويعتقد هذا الخبير بأن النظام يفعل ذلك بمساعدة إيران ومن المحتمل أن يكون ذلك بمساعدة الروس أيضاً.
يذكر أن نظام بشار الأسد، وبمساعدة من مقاتلي حزب الله وقياداته، استخدم أسلحة كيماوية على نطاق واسع ضد الثوار والمدنيين خلال الحرب السورية.
تأسست منظمة الخوذ البيضاء الإنسانية ومقرها في لاهاي، في خضم الحرب السورية، وتضم متطوعين سوريين يتحلون بالمثالية والجسارة، وتقوم مهمتهم الخطرة على إنقاذ ومعالجة ضحايا القصف الذي يشنه الجيش السوري والروسي وكذلك ميليشيات حزب الله وتلك التابعة لإيران.
وفي مرحلة لاحقة، ركزت تلك المنظمة على مساعدة ضحايا الهجمات بالأسلحة الكيماوية، فجمعت أدلة وعينات من الميدان وحصلت على شهادات قدمها ناجون، بما أن الجيش السوري والروسي كان هدفهما محدداً ألا وهو القضاء على الناشطين العاملين لدى الخوذ البيضاء، أما قوات الأمن التابعة للأسد والتي ماتزال تلاحقهم حتى الآن، فقد قتلت أكثر من مئتي شخص منهم، ويعتبر هذا التاريخ الطويل السبب في قيام هذا التعاون بين الخوذ البيضاء ومفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الذين عملوا على تجريد سوريا من ترسانتها الهائلة من الأسلحة الكيماوية بما ينسجم مع مبادئ القانون الدولي وبنود هذه المعاهدة.
طورت سوريا وصنعت سلاحها الكيماوي بمساعدة وتدريب من مصر والاتحاد السوفييتي وذلك منذ سبعينيات القرن الماضي، إذ كان ذلك جزءاً من استراتيجية حافظ الأسد القائمة على تطوير هذا السلاح بهدف التصدي للتفوق العسكري الإسرائيلي وترسانته النووية.
ولكن سوريا أجبرت في نهاية المطاف على التخلي عن سلاحها الكيماوي، لتكتشف المخابرات الإسرائيلية والأميركية فيما بعد بأن سوريا احتفظت بما تبقى من تلك الأسلحة على الرغم من إجبارها على تلك الخطوة، ويؤكد تقرير صادر عن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بأن سوريا بدأت باستخدام الأسلحة الكيماوية من جديد في عام 2018، ومن المرجح أن مخزونها منه قد زاد منذ ذلك الحين.
وسواء أكانت روسيا تساند سوريا في هذا المضمار أم لا، لاشك بأن موسكو مستمرة في خرق التزاماتها الدولية تجاه هذه الاتفاقية، فلقد أصدرت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تقريراً خلال هذا الأسبوع من خلال وفد من الخبراء الفنيين الذين أرسلتهم بناء على طلب من أوكرانيا، وخلال تلك البعثة، جمع الفريق وثائق وملفات رقمية، وشهادات من شهود عيان، وحصلوا على ثلاث عينات جمعتها أوكرانيا، وتضم قذيفة من قنبلة يدوية وعينتين من التراب أخذتا من خندق. إذ بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، فإن الاستعانة بالعناصر التي تستخدم للسيطرة على الشغب كوسيلة تستخدم في الحروب يعتبر أمراً محظوراً، ولكن لا يوجد تفويض لتحديد هوية المتهمين بارتكاب ذلك.
غير أن جميع الخبراء الغربيين في هذا المجال يعتقدون بأن القوات الروسية هي الجانية، وقد أكدت الولايات المتحدة وبريطانيا استخدام روسيا للأسلحة الكيماوية منذ غزوها لأوكرانيا في عام 2022، في حين أنكرت روسيا تلك المزاعم وأنحت باللائمة على أوكرانيا في استخدام الأسلحة الكيماوية، ولهذا يجب على إسرائيل أن تبقى حذرة ومتيقظة تجاه عودة الأسلحة الكيماوية إلى الشرق الأوسط واستخدامها في حرب أوكرانيا.
ترجمة تلفزيون سوريا