بلدي نيوز – (شبل الياسري)
شهدت مدينة دير الزور في النصف الثاني من سنة 2023 ظاهرة اختفاء أطفال مراهقين من الفئات الأكثر فقراً في ظروف غامضة، وبالبحث والاستقصاء تبين أن المختفين قد ماتوا نتيجة تجارب للعقاقير المخدرة أجراها عليهم المسؤولون عن انتاج المخدرات التابعين لميلشيات الحرس الثوري التي تسيطر على المدينة، وقد تمكنا من الحصول على أسماء العدد الأكبر من الضحايا ومصير جثثهم التي لم تسلّم قط لذويهم إضافة إلى أسماء المسؤولين عن هذه الجريمة.
الضحايا
وفقاً لمصادر أهلية، اختفى يوم الاثنين 2 تشرين الأول 2023، عدد من الأطفال في حي الطب الواقع في الطرف الغربي لمدينة دير الزور، وهم يعملون لدى احد تجار المخدرات الذي يغطي نشاطه بصفة تاجر خردوات يدعى شهاب العلي، وهو يملك مستودعا للخردوات بالقرب من جامع الفتح بحارة "الطب" ويدير شبكة مؤلفة من نحو 70 طفلا، وقد أبلغت عائلة كل من الطفلين سعد فراس طعمة الام رحاب 2007، محمد صلاح الرفاعي الأم مرام 2009، بفقدان أثر الطفلين، وافادا بأن شهاب العلي قد منح كل من منهما قبل اختفاؤهما مبلغ 150 الف ليرة سورية (نحو 15 دولار أميركي) مقابل العمل لديه طوال الليل في فرز كمية من الخردوات. وبعد التقصي عثر على سجلات تفيد بأن الطفلين ادخلا مع أطفال آخرين بحالة صحية حرجة إلى مشفى السلوم بدير الزور، وفارق ثلاثة منهم الحياة، بسبب جرعة عالية من المخدرات.
وقد نشر بلدي نيوز سابقا تقريرا عن ذات الموضوع انقر للقراءة:
( https://baladi-news.com/ar/articles/97753 )
في حينها، تضمن معلومات دقيقة عما جرى، ويبدو أن احدى الجهات المتنافسة على تجارة المخدرات في مدينة دير الزور قد سربت المعلومات، ويقول التقرير أن شهاب قد سلم الأطفال للمسؤول الأول عن انتاج وتصنيع المخدرات في دير الزور وهو لبناني يحمل شهادة الدكتوراه في الكيمياء، ويدعى فريد عطا، وقد جرب عليهم خلطات مبتكرة من المواد الكيميائية المخدرة مثل الكبتاغون واتش بوز "شبو" وحشيش منتج محليا في مزارع خاصة في دير الزور لكن جرعة المخدرات وتركيزها كانت أكبر من قدرة الأطفال على تحملها، فمات الطفلان سعود ومحمد، فيما نقل بقية الأطفال بشكل سري إلى مشفى تابع للميلشيات الإيرانية في دمشق حيث فارق الحياة هناك طفل ثالث هو عبدالله مصطفى الملحم الأم راما من مواليد 2007
ووفق وثائق مشفى السلوم وهو مشفى إيراني، فإن جثث الأطفال تم استلامها ودفنها من قبل ذويهم، لكن عائلات الأطفال ما زالت تبحث عنهم ولا تعرف شيئاً عن مصيرهم ولا مصير جثثهم.
بعد انتشار خبر الجريمة الأولى في وسائل الاعلام، اختفى الشخص المسؤول عن التجارب والذي يدعى فريد عطا وهو لبناني الجنسية، وتسلم بدلا عنه لبناني آخر يدعى ماهر العلي، يحمل شهادة الدكتوراه في الكيمياء من إيران بحسب ما يشاع عنه، وقد ارتكب هذا أيضا جريمة أخرى اثناء التجارب راح ضحيتها ثلاثة أطفال هم: توفيق رضوان الحسين من مواليد 2009 وعلي محمود الحسين من مواليد 2009 وجمال سعيد الأسود من مواليد 2007.
وفي يوم الجمعة 17 تشرين الثاني نوفمبر 2023 اختفى عدد من الأطفال ايضاً عقب ذهابهم في رحلة ترفيهية ينظمها المركز الثقافي الإيراني للأطفال إلى مدينة العاب تدعى حديقة "كراميش" حيث لم يرجع إلى البيت عدد من هؤلاء الأطفال، وقدمت عائلاتهم بلاغات باختفائهم، والاطفال هم:
يوسف الحمد ١٥ سنة، سليمان هزاع ١٧ سنة، نبيل السعيد ١٤ سنة، شاهين العساف ١٢ سنة.
وقد تبين لاحقاً أنهم قد أسعفوا إلى مشفى السلوم في ذلك اليوم وتوفوا بسبب تناول جرعة مخدرات زائدة، لكن كما في الحالات السابقة اختفت جثثهم ولم تسلم لذويهم ابداَ فيما وجدت في المشفى وثائق تقول بأن عائلاتهم قد تسلمت جثثهم بحضور جهة امنية لم تذكرها.
وقد بلغ عدد الأطفال الذين أدخلوا إلى مشفى السلوم الإيراني بهذه الإصابات وتوفوا واختفت جثثهم بالطريقة ذاتها تسعة عشر طفلا هم:
حمزة سليمان الخليل- والدته مؤمنة - ١٤ سنة
رائد عبد الجبار الموسى – والدته إكرام - ١٦ سنة
معتز ناصر الجبر – والدته مريم - ١٦ سنة
ياسر محمود العطالله – والدته ناريمان - ١٢ سنة
سعيد انور الرفاعي – والدته هناء - ١٤ سنة
رامي شاهر جراد – والدته ناهد - ١٥ سنة
مصطفى محمد المفتي – والدته راوية - ١٦ سنة
يونس رجب العبد الله – والدته سعاد - ١٥ سنة
علي نورس الحسين – والدته ميساء - ١٧ سنة
سليمان أحمد النوري – والدته منال - ١٧ سنة
عادل رضا الوكاع – والدته سعاد - ١٣ سنة
محمد نادر السيد – والدته منار - ١٦ سنة
أسعد عبد الله خليفة – والدته هيام - ١٣ سنة
محمد صلاح الرفاعي – والدته مرام - ١٤ سنة
سعد فراس الطعمة – والدته رحاب - ١٦ سنة
نبيل محمود السعيد – والدته فاطمة - ١٤ سنة
سليمان علي الهزاع – والدته سيدرا - ١٧ سنة
يوسف مأمون الحمد – والدته غدير - ١٥ سنة
شاهين عبد المجيد الهزاع – والدته علا - ١٢ سنة
المتورطون في الجريمة
إن معظم الضحايا الأطفال يعملون في مهنة تدعى "الحوّاج" وهو تسمية محلية لجامع الخردوات والبلاستيك من الاحياء والمناطق الشعبية، لكن هذه المهنة كانت مجرد غطاء لبيع المواد المخدرة، خاصة للأطفال الآخرين وعلى الطرقات الخارجية، ووفق مصادر محلية فإن هذه المهنة تخضع لتنظيم صارم من قبل سلطات الامر الواقع، وهي الميلشيات الإيرانية والميلشيات المحلية التابعة لها، نظرا لارتباطها بتجارة المخدرات الحيوية لتلك الميلشيات ومصدر دخلها الرئيس، حيث تنقسم مدينة دير الزور إلى خمس قطاعات، يدير كل قطاع شخص محلي يعمل لديه لا أقل من خمسين طفلا، ومديرو هذه القطاعات من المجرمين ومروجي المخدرات المعروفين في المدينة، ويرتبطون بمسؤولين إيرانيين محددين، يشرفون على عملهم بشكل مباشر.
يشرف على هذه المجموعة من طرف الحرس الثوري شخص عراقي يدعى سليمان كرار الموسوي، من أهالي الرضوية في النجف.
مسرح الجريمة
وفق مصادر بلدي نيوز، يتم اجراء هذا النوع من التجارب في مركز طبي مصغر ومجهز لهذا الغرض في المربع الأمني الإيراني في فيلات القصور، ويشرف على اجراء التجارب اللبناني ماهر العلي الذي ذكرناه سابقاً، ويعاونه طاقم طبي يتألف من: طبيب مختص في التخدير يدعى الدكتور حسام الإبراهيم، والدكتور أحمد عبد المنعم مختص بالجراحة العامة، والدكتور كرار الحسين دكتور طب عام عراقي و٣ ممرضات.
هنا موقع المخبر إضافة إلى صورة له من الخارج.
35°20'01"N 40°07'33"E
ما مصير جثث الأطفال
تقول مصادرنا أن الأطفال المتوفيين يخضعون لعملية انتزاع عدد من أعضاء الجسم للاتجار بها، ثم يدفن ما تبقى في مقبرة سرية، وتتم عملية إخفاء الجثث عن طريق شخص واحد عراقي هو كاظم محمود الحسين، من مواليد المدائن سنة 1990، حيث يقوم بدفنهم في بادية الميادين، وكاظم هو المسؤول أيضا عن جلب ما يحتاجه معمل تصنيع المخدرات من العراق وإيران، وفي الوقت ذاته يبدو أنه من يقوم بنقل الأعضاء المنزوعة خارج دير الزور.
رد فعل السلطات
بعيد انتشار أول قصة لهذا النوع من الجرائم في الاعلام، وهي حادثة الطفلين سعود ومحمد، اختفى عدد من افراد عائلتيهما ممن يعرفون بعض التفاصيل، حيث اعتقلتهم جهات مجهولة، كما اختفى المسؤولين المباشرين عن الجريمة وعلى رأسهم الدكتور فريد عطا ومدير شبكة الأطفال (شهاب العلي)، وعدد آخر من الضالعين في العملية أو المطلعين على تفاصيلها، كما اعتقل عدد من أعضاء الكادر الطبي في مشفى السلوم ممن عرفوا جانبا من القضية، لكن تم الافراج عنهم لاحقاً بعد أن تم تحذيرهم بشدة من تسريب أي شيء عن هذه الحوادث.
صعوبة في انفاذ العدالة لكن كشف الحقائق هو الخطوة الأولى:
يكاد يكون من شبه المستحيل اجراء تحقيق عادل ومهني في تلك المنطقة التي أصبحت مثل غابة تحكمها المفترسات، فلا قانون سوى قانون القوة، حيث القتل والاغتيال والاخفاء هي أسهل ما يمكن للقوى المسيطرة فعله، خاصة من جانب الحرس الثوري، لكن تبقى الحقائق التي لا يمكن انكارها شاهدة على الجريمة، فالأطفال اختفوا فعلاً، وجزء كبير من أسرهم يعرف من فعل ذلك، وثمة بقية من أصحاب الضمائر الحية حفظوا بعض الوثائق والأدلة، بانتظار اليوم الذي لا بد أن يأتي، حيث تصبح فيه محاكمة من ارتكبوا هذه الجرائم الوحشية ممكناً.