أتلانتيك كانسل – (ترجمة بلدي نيوز)
فيما تتلوّى حلب في عذاباتها تحت وطأة القنابل الملقاة من قبل الطائرات الروسية المنطلقة من قاعدة جوية إيرانية، يتساءل المرء إذا ما كان لأي شخص في البيت الأبيض أن يتساءل في أنّ بعض الأمور تسير بمنحىً خاطئ جداً، كما يتساءل المرء أيضاً إذا ما كان هنالك أي شخص في القصر الرئاسي مهتمٌّ بما يحدث هناك والنتيجة التي أدّت لتفحّم ونزيف طفل يبلغ من العمر خمس سنوات يشهد ببصره المربك غرباً أجوف، عديم القيادة الحقيقية، والاستيعابي الذاتي، والّلامبالاة، يتساءل المرء عن المدى الذي سيستغرق إدارة أوباما في الوقت المتبقي لها، حتى تبدي بعض الاهتمام إزاء سياستها المتّبعة في سوريا.
فلعدة أشهر خاض فيها وزير الخارجية الأميركي بسياسة لا تعرف الكلل، وبدبلوماسية خالية النفوذ، و ربط نفسه في كل مناسبة بتلابيب نظيره الروسي في محاولة مستمرة منه للأسف لانتزاع أي لياقة كانت من سياسة موسكو المتّبعة في سوريا، في حين أن مسؤولي الإدارة الأمريكية يتضرّعون بشكل يائسٍ مع الروس لتحقيق اتفاقهم العسكريّ بشكل يتماشى مع نواياهم المعلنة.
إن موسكو تستشعر نقطة ضعف الجبان، ويمكن للمرء أن يغفر للكرملين استهزاءه بسخرية من اللغة الأميركية المبالغ فيها بالإشادة بتحرير مدينة منبج من تنظيم الدولة الإسلامية، كما لو أن ما فعلته كان إنزالاً في النورماندي، إذ أن ما تراه روسيا هو أن واشنطن ليست معنية لا من قريب ولا من بعيد بما يفعله الأسد وروسيا وإيران للمدنيين السوريين ومستشفياتهم.
فهل ستكون وجوه الأطفال الصغار المؤرّقة، وهم في حالة من الصدمة والذهول كافية بعد طول انتظار كافية لنقل أنظار أوباما نحو سوريا، وجعل ارتكاب جرائم القتل الجماعي شيئاً أكثر تعقيداً وخطورةً على مرتكبيه، من مجرد نزهة لأوباما في الحديقة؟ من المرجّح بأن الجواب سيكون كلّا!
يمكن أن يكون الجنود الأمريكيين على الأرض دون أي فائدة، لطالما أنهم يقومون بالقتال في معركة مكافحة تنظيم الدولة، فلا يوجد أي حديث عن المنحدرات الزلقة لطالما أن تنظيم الدولة هو الهدف، ولكن حماية المدنيين من بشار الأسد، القاتل الجماعي الأول الرائد في سوريا، بالإضافة إلى تنظيم الدولة، هذا وعلى ما يبدو من شأنه أن يكون شيئاً بعيداً، إذ أن مثل هذا الأمر من شأنه أن يسيء لإيران، وربما يعرض للخطر الاتفاق النووي المبنيّ بشق الأنفس.
فلا أحد في تاريخ الصراع السوري نصح السيد أوباما باجتياح واحتلال سوريا، وقتال القوات الإيرانية المتواجدة هناك في هذه العملية، واحد وخمسون من موظفي وزارة الخارجية بدافع من الضمير ضغطوا مؤخراً على الرئيس أوباما، كما فعل آخرون من داخل وخارج الحكومة على مدى سنوات للقيام به: باستخدام التصرّف العسكري المحدود، بما يعي أن هنالك ثمن باهظ لمرتكبي جرائم القتل الجماعي، في محاولة لردع حدوثها، ولسنوات كان ردّ الرئيس الأمريكي "كلّا"، بينما كانت العواقب بالنسبة للسوريين، وجيرانهم، والحلفاء الأوروبيين صاعقة للغاية، كدولة بدأت الحرب بأكثر من 23 مليون نسمة، تفرغ نفسها تدريجياً، بينما تنظيم الدولة "صانع" الفظائع البشعة يمتد داخل وخارج الحدود الإقليمية، النتيجة إلى حد كبير هي بسبب تصرفات نظام الأسد بارتكابه لجرائم قتل جماعي دون وجود أي رادع من قبل العالم المتحضّر.
رغم ذلك وكلّما قدّمت مقترحات معارضة متواضعة للسيد أوباما ومسؤوليه، استغلوا المفهوم، إن لم يكن الإحجام المضلّل للأمريكيين لفعل أي شيء على الإطلاق ذا طابع عسكري في الشرق الأوسط بعد تجربة العراق.
إن كون تنظيم الدولة بشكل جزئيّ نتيجة لفشل دولة الأسد في سوريا -هو الاستثناء، ولكن الأسد بنفسه الربيب والموظف لدى إيران، تم تجنّبه بشكل كليّ، على الرغم من الخط المستقيم الممتد من ممارساته في القتل الجماعي في سوريا، لتصويت "بريكسيت" في المملكة المتحدة، وصعود فلاديمير بوتين بنظر في سياسات الغرب، إن إيران هي المفتاح لفهم سبب تضحية إدارة أوباما بسمعتها الشخصية في فشلها الذريع في عام 2013، عام خط أوباما الأحمر الشهير، والسبب بكونها مستمرة بالنظر في الاتجاه الآخر، في حين أن الأسد وعامليه المساعدين يتمتعون بانغماسهم بجريمتهم غير المقيّدة.
ويأمل الرئيس أوباما أن يجلب الاتفاق النووي عقب عناء من المفاوضات مع إيران، هذا البلد في حلفه بعد الجمود الطويل في نهاية المطاف، وفي غضون ذلك لن يقوم بفعل أي شيء من شأنه أن يسيء لطهران، وبالنسبة للقاتل الجماعي في سوريا؟ نعم، إن ذلك لسيء، ولكن التواصل مع إيران في وجهة نظر الرئيس أوباما، لأمر تاريخي، كما تعتقد الإدارة بأنها يجب ألّا تقوم بفعل أيّ شيء، للمخاطرة في ما تم تحقيقه من قبل إدارة أوباما وإرثها الذي يمثّلها، في الواقع فقد أخبر الرئيس أوباما حتى منذ فترة طويلة شركاء أمريكا الذين يعارضون الهيمنة الإقليمية الإيرانية، بأن يتجاوزوا ذلك الأمر وأن يقومون بمشاركة "الجوار".
ويبدو الأمر كما لو أن إيران قامت بتوقيع الاتفاق النووي باعتباره عملاً من أعمالها الخيرية، إذ يبدو كما لو لم تكن هنالك أي علاقة بالاتفاق بأي من المصالح الإيرانية، كما لو كانت إيران والتي لم تكن لديها أي مشاكل في التفاوض مع الولايات المتحدة، قدّمت بنداً بأن يتم تسهيل جرائم القتل الجماعي في سوريا، يبدو الأمر وكأنه ارتباك شديد ونفور دائم من المظاهر المتوازية للقدرة الأمريكية على أن تقوم بفعل شيئين في وقت واحد.
وبالنسبة لهاجس البيت الأبيض مع الاتصالات المسيطر عليها من قبل وسائل الإعلام، إن إطلاق الطائرات الروسية من قاعدة إيرانية هو خط القصة غير المريح للغاية، ويمكن للمرء أن يسمع انتقاد الجناح الغربي: "إن هذا الطفل البالغ من العمر خمس سنوات يقوم بقتلنا"، فهل من المبالغة أن نطلب من هذا الرئيس، حتى مع خمسة أشهر فقط متبقية من خدمته، على أن يقوم بفعل الشيء الصحيح؟
نعم، إن الاتفاق النووي مع إيران مهم، بحيث أن تعقيد أيدي القاتل الجماعي في سوريا، قد يثير من غضب المرشد الأعلى ورئيسه، ووزير خارجيته سلس الحديث، ولكن استمرار التقاعس في مواجهة رجس المشاكّل من قبل الأسد وإيران وروسيا هو الثمن الباهظ والصارم في الأرواح السورية، والأمن الغربي، وسمعة الولايات المتحدة، إن هذا لن يؤدي لبقاء ذلك الإرث الرئاسي، إذ لم تكن هذه هي النتيجة المتوخّاة من قبل الرئيس عميق الفكر، ولكن فإن هذا هو ما سينتهي به الأمر معنا، من الناحية المثالية يجب على ذلك الصبي "عمران" والبالغ من العمر خمس سنوات، أن يجلب البالغين إلى رشدهم والقادة لمد يد العون، بعد طول انتظار، وأن يتصرفوا بنزاهة وضمير تجاه الأزمة السورية !
-فريدريك سي وولف، مدير مركز رفيق الحريري للمجلس الأطلسي في منطقة الشرق الأوسط.