بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
أتت زيارة رأس النظام السوري، بشار اﻷسد، إلى روسيا، في ظل ظروف دولية وإقليمية، فرضت استقطابات باتجاه معسكرين شرقي وغربي، وعلى خلفية الغزو الروسي ﻷوكرانيا، وما نجم عنه من اصطفافات وعزلة دولية لموسكو أبرز حلفاء الأسد.
ويبدو واضحًا أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يسعى، ﻹنهاء ملف "سوريا"، واﻻلتفات إلى حربه مع الغرب في أوكرانيا، التي أنهكته عسكريًا.
ترسيخ الوجود الاقتصادي
ومن خلال التصريحات التي أدلى بها "اﻷسد"، لوكالة "سبوتنيك" الروسية، فإنّ موسكو أرادت ضمان موقعها الاقتصادي، وكسب المزيد من اﻻمتيازات، في سوريا، قبل الدفع بعجلة التطبيع مع "تركيا".
وهو ما تحدث عنه "اﻷسد" الذي أكد أن "هناك خططا لأربعين مشروع استثماري بين سوريا وروسيا، ويجب وضع الآليات حول إعادة الإعمار قبل طلب المساعدة".
"هذه الاتفاقية استغرقت سنوات وليس أشهر ولكن العمل المكثف كان خلال الأشهر الأخيرة"، بحسب اﻷسد، ما يشير إلى وجود أزمة بين الطرفين، أو في أقل تقدير رغبة من نظام اﻷسد بعدم تسليم "عنقه" كاملًا للروس.
أين وضعت موسكو يدها؟
سبق أن استحوذت على مفاصل اقتصادية هامة في سوريا، لكنها هذه المرة، دخلت من بوابة أخرى، باعتراف اﻷسد، الذي كشف عن طبيعة المشاريع الـ40، وأوضح أنها "في مجالات الطاقة والكهرباء والنفط وفي مجال النقل وفي مجال الإسكان وفي المجالات الصناعية وفي مجالات مختلفة أخرى كثيرة ولكن بمشاريع محددة بدقة، وأيضاً أضيف إليها آليات لمتابعة وإنجاح هذه المشاريع".
وبحسب مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصناعة، التابع للنظام، مطيع الريم، فإن "هناك مشروعات اقتصادية وصناعية بعضها موجود وبعضها الآخر مطروح على الجانب الروسي، لإقامتها من المستثمرين الروس في جميع القطاعات، وأهمها قطاعات النسيج والصناعات الكيميائية والهندسية، وهناك أكثر من مشروع مطروح على طاولة البحث وجرت خطوات تنفيذية لبعض النقاط"، في تصريحٍ نقلته صحيفة "تشرين" الرسمية الموالية.
وأضاف "الريم"، أنه "توجد مجموعة من المشروعات مطروحة للاستثمار على الجانب الروسي وهي مدرجة باتفاقيات التعاون الدولي، أولها مشروع التعاون في مجال الأسمدة وهو عقد لتطوير وتأهيل المعمل ورفع طاقاته الإنتاجية، وهناك مشروعات مطروحة ضمن بروتوكول التعاون للجنة المشتركة السورية - الروسية سابقا، وتضم توريد وتركيب وتشغيل خط الإنتاج لمصلحة شركة نسيج اللاذقية وإقامة مشروع لصهر البازلت والأنابيب والقضبان البازلتية في السويداء، إضافة إلى إقامة مجمع متكامل للصناعات النسيجية إما في حلب أو دمشق".
إضافة إلى وجود مشروع آخر للتعاون يقوم على إعادة تطوير أو تأهيل الطاقات الإنتاجية في معمل حديد في حماة، متمنياً أن يتم تنفيذ هذه المشروعات الصناعية بين البلدين التي تكاليفها بالمليارات. بحسب الريم.
وكشف الريم عن وجود شراكة قد تكون قادمة مع الجانب الروسي في مجال التبغ، حيث أبدى الشركاء الروس -بحسب قوله- اهتمامهم بهذا الجانب.
أزمة بين موسكو ودمشق
والراجح من خلال حديث "اﻷسد"، أنّ أزمةً حدثت خلال الفترة الماضية بين النظامين على المستوى اﻻقتصادي، وهو ما عبّر عنه بقوله "اجتمعت اللجان المشتركة عدة مرات بين الطرفين الروسي والسوري ولكن لم تكن النتائج بمستوى الطموحات، هناك تبادل تجاري وتطور ولكنه ما زال ضعيفا".
الصحف الرسمية تهلل
وكالعادة، هللت الصحف الرسمية لزيارة "اﻷسد" إلى موسكو، واعتبرت صحيفة "تشرين"، أن الظروف الدولية تحتّم التعاون السوري - الروسي.
ما يعني ترويجًا إعلاميا محليا للوجود الروسي اﻻقتصادي في سوريا، خاصةً بعد أن تمددت "إيران" في هذا المفصل بشكلٍ لافت في السنوات اﻷخيرة، مع ما يعنيه هذا اﻷمر من محاولة موسكو "إنعاش" حليفها وضخ النبض في شرايينه، خاصةً في ظل امتعاض شعبي من الدور الروسي، بعد أن هاجم عدد من ضيوف وسائل الإعلام الرسمية في سوريا، روسيا بشكل صريح، متهمين إياها بأنها لم تقف معهم في اﻷزمات اﻻقتصادية التي عصفت بالبلاد، كأزمة الخبز والمحروقات.
بالمجمل؛ يهدف النظامان السوري والروسي، لتسهيل حركة الأموال من دون الضغوط التي يفرضها الغرب، فالمنتجات موجودة لكن التبادل المالي هو العقبة، كما يسعى الطرفان إلى إيجاد خط نقل شحن مباشر بين ميناء اللاذقية ونوفوروسيسك وبالعكس، لنقل البضائع والمنتجات بينهما، وبذلك يلتفان على صعوبات النقل.
تعزيز حضور روسيا
يرى الباحث والمحلل السياسي، أحمد موﻻنا، أنّه؛ في ظل سعي الرئيس بوتين لاستعادة النفوذ الروسي، لعب البحر الأسود دورا حيويا في تنفيذ عمليات التمدد الروسية نحو الخارج، حيث سيطرت موسكو على شبه جزيرة القرم في عام 2014 بعملية عسكرية، وهو ما منحها حرية التحكم في القاعدة البحرية بسيفاستوبول، والتي تُعد ثاني أهم موضع في البحر الأسود بعد المضائق التركية.
ثم في عام 2015 تدخلت موسكو في الحرب بسوريا، ليصبح البحر الأسود هو شريان الحياة اللوجستي للقاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس، وللقاعدة الجوية في حميميم باللاذقية.
وأضاف "موﻻنا"، أنه "وانطلاقا من سوريا وصلت قوات فاغنر الروسية إلى ليبيا للقتال بجوار حفتر في عام 2019، ثم عززت وجودها في مالي وإفريقيا الوسطى، كما تسعى موسكو لبناء قاعدة عسكرية بحرية في بورتسودان. وبذلك انفتحت روسيا وفق التعبيرات العسكرية على شمال إفريقيا الذي يمثل في الوقت ذاته الجبهة الجنوبية للناتو، كما بدأت في التمدد إلى وسط وشرق القارة الإفريقية".
بالتالي؛ موسكو تعزز حضورها السياسي واﻻقتصادي، عبر بوابة سوريا ذات المركز الدولي واﻹقليمي اﻷهم في العالم، وفي الصراع، بحكم موقعها ومكانتها الدينية أيضًا.
ترسيخ اﻻحتلال الروسي
ويمكن اﻻستدلال من تصريحات "اﻷسد" أن "روسيا باقية وتتمدد" في سوريا، وبموافقة معلنة من رأس النظام، الذي شدد على أن الوجود العسكري الروسي في سوريا "لا يمكن أن يكون مؤقتاً"، وقال؛ "بالنسبة للقواعد العسكرية الروسية الموجودة في سوريا فهذا يعود لرؤية مشتركة، فيها جانب سياسي وفيها جانب عسكري".
وأضاف "اﻷسد" مبررًا "نحن نتحدث عن توازن دولي.. وجود روسيا في سوريا له أهمية مرتبطة بتوازن القوى في العالم كدولة موجودة على البحر المتوسط، ولا يمكن للدول العظمى اليوم أن تلعب دورها من داخل حدودها فقط، لابد أن تلعب دورها من خارج الحدود من خلال حلفاء موجودين في العالم".
التقارب التركي مع الأسد
وبدا اﻷسد حازما في الموقف من التقارب مع "أنقرة"، ما يعطي دﻻﻻت أنّ التقارب سيمر لكن ليس في الوقت الراهن، حيث اعتبر "اﻷسد"، أن لقاءه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مرتبط بمطالب محددة.
وقال "بالنسبة للقاء مع الرئيس أردوغان فهذا مرتبط بأن تكون تركيا جاهزة بشكل واضح ومن دون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب في سوريا، هذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن أن يكون هناك لقاء بيني وبين الرئيس أردوغان، عدا عن ذلك ما هي قيمة هذا اللقاء ولماذا نقوم به إن لم يكن سيحقق نتائج نهائية بالنسبة للحرب في سوريا؟".
دﻻﻻت التوقيت
يشار إلى أن رأس النظام بشار الأسد، عقد يوم أول أمس الأربعاء 15 آذار /مارس 2023، لقاءً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو، وأتت الزيارة في ذكرى اﻻحتجاجات الشعبية والحراك الثوري ضد "النظام" قبل 12 عامًا.
بالتالي هناك دﻻﻻت ورسائل واضحة يحاول "اﻷسد" إرسالها، حول تحقيق انتصار ومكاسب سياسية حققها نظامه على حساب "الحراك الثوري".
يذكر أن العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفياتي وسوريا تعود لعام 1944 وتستند في الوقت الحالي إلى معاهدة الصداقة والتعاون السوفيتية - السورية الأساسية المؤرخة في تشرين الأول 1980.