بلدي نيوز – (عمر الحسن)
ظهر جيش سوريا الجديد إلى الواجهة مع بداية المعارك بالقرب من البوكمال شرق سوريا، فمنذ سيطرته على معبر التنف في شهر تشرين الثاني 2015، لم يُشهد له أي نشاط حقيقي حتى بداية معركة "يوم الأرض"، التي حاول فيها الوصول إلى البوكمال بهدف السيطرة على المعبر الحدودي مع العراق، فسيطر على مطار الحمدان، ثم ما لبث أن تقهقر بعد أن تكبد خسائر فادحة، إثر عملية إنزال جوي تُعد هي الأولى لفصيل مدعوم من الغرب في سوريا، ثم هجوم معاكس للتنظيم تسبب بسقوط العشرات من عناصره بين قتيل وجريح وأسير.
إنزال جوي
قد تكون أهم مميزات هذه القوة عن غيرها في سوريا، هو أنها نفذت عملية "إنزال جوي"، الأمر الذي يعد سابقة في تاريخ الحرب في سوريا، أن ينفذ فصيل مسلح مدعوم غربياً عملاً بهذا الشكل.
عملية الإنزال الجوي التي نفذها الجيش بمساعدة طائرات أمريكية، تعبر عن مستوى الدعم الذي يتلقاه، حيث يعتبر هذا الجيش الجزء الناجح من مشروع تدريب "المعارضة المعتدلة"، ويتلقى دعماً أمريكياً كبيراً نسبياً، ويشاع أنه تلقى تدريباً على الأسلحة الأمريكية في الأردن، ويحصل على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر الأمريكية، والدعم الجوي.
تعتيم إعلامي
لا يعرف فعلياً تعداد الجيش أو المستوى الكلي لتسليحه بشكل دقيق، لكن يبدو أن أعداد قواته محدودة وبالحدود الدنيا، وهي أقل بكثير من تعداد باقي الفصائل المتحالفة مع أمريكا وبخاصة قسد، حيث يمكن مقارنته بوضع فصائل دربتها أمريكا سابقاً وكان تعداد وحداتها بالعشرات، إلى بضعة مئات فقط، والتي تعرضت فعلياً للسحق مع أول صدام مع الفصائل في مناطقها، كثوار سوريا والفرقة 13.
يمكن القول أن هناك حالة من التكتم الاعلامي على هذا الجيش، وهذا عائد إلى عمله في مناطق هامشية شبه خالية من السكان، وانخفاض مستوى المعلومات الإعلامية التي تتعلق به، سواء الصور أو الفيديوهات، والتي تنحصر في عدد قليل من الصور والفيديوهات، التي عرضها الجيش نفسه، وبخاصة لتدريبات عناصره، وبعض من عمليات تقدمه، وبعض من إعلانات قياداته.
تسليح أمريكي
معظم التسليح الذي ظهر مع هذا الفصيل هو تسليح أمريكي، فيظهر ضمن تسليحه مدفعية الهاون، والعربات رباعية الدفع، وبعض الأسلحة الفردية الأمريكية، وصواريخ كونكورس المضادة للدروع، وبعض أجهزة الاتصالات منها أجهزة فضائية.
جيش من السنة العرب
يتكون جيش سوريا الجديد من السنة العرب حصراً، وتحديداً من بقايا الجيش الحر الذي خرج من المنطقة الممتدة بين ديرالزور والبوكمال، والتي سيطر عليها التنظيم صيف 2014.
ما يجعل تركيبته تمثل النقيض المباشر لقوات سوريا الديموقراطية، والمكونة من عناصر يغلب عليها الأكراد الماركسيون.
حيث تعتبر نواة هذا الجيش مكونة من عناصر فصائل "جبهة الأصالة والتنمية"، والتي كانت نشطة في دير الزور وريفها، قبل سيطرة التنظيم على المنطقة، وأبرز القيادات الظاهرة فيه هو "خزعل السرحان"، قائد كتائب ألله أكبر الناشطة في منطقة البوكمال سابقاً، والمقدم مهند الطلاع.
"التنظيم" أولاً وأخيراً
يعتبر جيش سوريا الجديد ضمن أيدولوجيته العسكرية والعقائدية، أن قتال التنظيم هو الأساس، وأن قتال النظام غير وارد حالياً، فهو يقع بالمرتبة الثانية من ناحية الأولوية، وهذا ما قد يبرر نجاح مشروع تدريبه وسهولة حصوله على الدعم والسلاح.
الهدف لتشكيل الجيش
يمكن القول أن تشكيل هذا الجيش يهدف بداية إلى السيطرة على مجموعة من النقاط والمناطق التي يمكن اعتبارها ممرات وطرق مواصلات للتنظيم، وممرات له بين العراق وسوريا في الصحراء السورية.
ويمكن اعتبار هجومه مقدمة لمحاولة فصل المنطقة الشرقية من سوريا عن المنطقة الغربية للعراق، عبر تقدم الأكراد من الشمال وسوريا الجديد من الجنوب، حيث تعتبر العديد من المصادر أن جيش سوريا الجديد متحالف مع قسد، خصوصاً أن كليهما يتلقيان الدعم الأمريكي ويعتبران من ضمن القوى التي تنفذ الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
فتعتبر المنطقة الحدودية بين سوريا و العراق في منطقة البوكمال، عند السيطرة عليها جبهة جديدة مهمة تفتح ضد التنظيم، قد تؤدي لقطع طرق إمداده بين سوريا والعراق.
فسيطر هذا الجيش على مناطق بعيدة عن الكتل السكانية الأساسية في منطقة معبر التنف، (تبعد عن أقرب كتلة سكنية ما لا يقل عن 50 كم، وتبعد عن البوكمال التي هاجمها الجيش قرابة 220 كم)، ضمن منطقة تعتبر خط مواصلات بين العراق والمناطق الجنوبية لسوريا، تمهيداً للهجوم على البوكمال.
حيث يحتاج التحالف لإنشاء قوة موالية له في هذه المنطقة لمضايقة التنظيم، بحكم استحالة نقل وحدات من قسد نحو هذه المنطقة، والتي لن يقبلها الأهالي وسيصطدمون معها، ووجود بقايا قوى يمكن الاستفادة منها لمضايقة التنظيم في الصحراء السورية.
كذلك تعتبر عملية السيطرة على المعابر الحدودية، بهدف إعادة رسم الحدود بين سوريا والعراق إحدى مهمات هذا الجيش، حيث سيطر بداية على معبر التنف، ثم كان الهدف التالي هو معبر البوكمال الحدودي مع العراق.
لماذا فشل سوريا الجديد؟
يمكن القول أن الهجوم على مطار الحمدان، وما رافقه من خسائر في صفوفه هي ضربة شديدة جداً للجيش، بخاصة مع أسر قرابة 15 من عناصره، وجرح العشرات عدا عن عدد غير محدد تماماً من القتلى، الذين بلغ عددهم قرابة 40 عنصرا، حسب وكالة أعماق الناطقة باسم تنظيم "الدولة".
فالمعركة التي حدثت لم تكن هناك استعدادات حقيقية لها، سواء في الجهة السورية أو الجهة العراقية، فمثلاً معركة منبج التي تعادل في حجمها البوكمال يحضر لها منذ أشهر، ضد المئات من عناصر التنظيم في المدينة، وتطلبت حشداً ضخماً من عناصر قسد، والمئات من الضربات الجوية وعمليات المراوغة والتشتيت، على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي، كذلك يوجد عمق استراتيجي وخطوط إمداد مؤمنة مستمرة، ومع ذلك لم يحصل أي تقدم مهم فيها، رغم القتال والقصف العنيفين.
ما يشاع عن الانسحاب المفاجئ للطائرات الأمريكية وتوقف دعم الجيش خلال معركته، لا تعتبر حجة منطقية لما جرى في معركة البوكمال، خاصة أن أمريكا لديها العشرات من الطائرات الجاهزة للعمل.
فبناء على هذه المعطيات يبلغ معدل الخسائر خلال أول معركة للجيش ما لا يقل عن 10 % من مجموع قواته، التي تقدرها عدة مصادر بقرابة 1000 عنصر في الحد الأعلى، والذين استغرق تدريبهم فترة طويلة، وهي نسبة كبيرة جداً لا يبدو أنها ستعوض بسهولة.
فشل جيش سوريا الجديد قد يكون محاولة أمريكية للقول أن العرب فاشلون، وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي يتلقونه، لكنهم هزموا في أول معاركهم، وهم غير مؤهلين مقارنة بغيرهم في سوريا، فالمعارك التي خاضتها قسد لا تشبه معركة جيش سوريا الجديد اليتيمة، لا في الدعم ولا في الأعداد ولا في النتيجة.