Wall Street Journal – (ترجمة بلدي نيوز)
على مدى عقود طويلة مضت، هزت حركة تمرد الإسلاميين بشراسة الأقاليم الوعرة لداغستان على بحر قزوين، حيث تخشى الشرطة هناك حتى من ارتداء الزي الرسمي، ولكن هذا التمرد باء بالفشل، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى مغادرة الشباب للانضمام إلى الجهاد في سوريا وبجزء آخر إلى حملات الشرطة ضد نشطاء حقوق الإنسان الذين دعتهم بالقتلة، بينما تم تجنب المسيرات والحفلات العامة من قبل السكان المحليين بسبب الهجمات الإرهابية، التي تستهدف الحشود أثناء تجمعهم.
فلقد وضع المسؤولون الروس استراتيجية للحفاظ على ذلك الهدوء وذلك في منع الرجال الذين غادروا لسوريا من العودة، ومحاصرة أولئك الذين عادوا في وقت سابق، "دونهم - بدأت الحياة تعود إلى وضعها الطبيعي"، يقول السيد مختار إفندييف، نائب رئيس لجنة الأمن في مدينة ماخاتشكالا، والذي يتابع الشباب المتشددين في العاصمة.
وفي حين يخسر تنظيم "الدولة" المزيد من الأراضي في الشرق الأوسط، مسلّماً المدن التي تقع تحت سيطرته، ومواجهاً الهجمات في سوريا والعراق، فإن العودة المحتملة لأولئك المقاتلين المحليين تقلق الحكومة الروسية، إذ أن موسكو بحاجة ماسة للحفاظ على الهدوء في داغستان، وذلك لتأمين سيطرتها على بقية شمال القوقاز، تلك المنطقة المضطربة والتي تقطنها أغلبية مسلمة على الحدود الجنوبية لروسيا، فبعد سحق الكرملين بدموية الثورة ضد روسيا في الشيشان في العقد الماضي، كانت هناك اضطرابات حقيقية واجهتها في داغستان، أكبر الأقاليم في المنطقة، حيث تجوب الجماعات المسلحة المناهضة لها في الجبال.
وفي الآونة الأخيرة، صرّح الكرملين بأن المعركة الحاسمة ضد المسلحين الناطقين بالروسية ليس في روسيا ولكن في سوريا، حيث توجه ما لا يقل عن 5000 من الإسلاميين من الاتحاد السوفياتي السابق للقتال هناك، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً بأن الحملة الجوية الروسية في سوريا هي لحل مشكلة داخلية هامة، وعنى بذلك مكافحة العصابات المسلحة في روسيا، وأماكن أخرى من الاتحاد السوفياتي السابق."
ولسنوات، كان الصراع في سوريا نقطة جذب للشباب المقاتلين من الخارج، وفي حين ضيقت تركيا الخناق على تنظيم "داعش" الإرهابي، أصبح هذا يزيد من المخاطر الأمنية في البلاد، إذ تعرفت السلطات التركية يوم الخميس على داغستاني كأحد الانتحاريين الثلاثة الذين قتلوا أكثر من 44 شخصاً في مطار إسطنبول الرئيسي يوم الثلاثاء، وقال ايفان سافرانشوك، الأستاذ في جامعة موسكو الحكومية والباحث الحالي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بأن "وجود المزيد من المقاتلين الأجانب يدفع تنظيم "داعش" إلى استخدام آفاق جديدة من الوحشية، ولكنه أيضا ساعد بتهدئة الصراعات في مناطق الاتحاد السوفياتي السابق"، كما أضاف "عندما تظهر جبهة صراع رئيسية، فإنها تجذب الناس من جميع أنحاء العالم، في حين يقلل ذلك من أعدادهم في الصراعات المحلية، ولكن وعندما تختفي هذه الجبهة، دون وجود جبهة رئيسية جديدة أخرى متاحة، ستكون تلك الفترة الأكثر خطورة على الإطلاق".
وصرح البنتاغون في نيسان بأن سوريا بالنسبة للجهاديين، أصبحت تبدو كجبهة خاسرة، وأضاف بأن عدد المقاتلين الأجانب القادمين إلى كل من العراق وسوريا للانضمام لتنظيم "داعش" كان قد انخفض إلى حوالي 200 مقاتل في الشهر، بالمقارنة مع أكثر من 2000 مقاتل في الشهر كانوا يلتحقون بالتنظيم في السنة الفائتة، وفي الوقت نفسه، يبدو بأن صفوف الجهاديين أصبحت تتكاثر أكثر في مكان آخر، فقد قدّر مسؤولون في المخابرات الامريكية مؤخرا أن ما بين 4000 و 6000 مقاتل لتنظيم "داعش" هم الآن في ليبيا، ولربما يتضاعف هذا الرقم خلال 12 إلى 18 شهراً، وذلك وفقا للجنرال في الجيش الأمريكي ديفيد رودريغيز، والذي أشرف حتى وقت قريب على القيادة العسكرية الاميركية في أفريقيا.
ووفقاً لمسؤولين في داغستان فإن حوالي 1000 من الرجال المحليين توافدوا إلى سورية خلال السنوات الأربع الماضية للانضمام لتنظيم "داعش"، أو جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، في حين تنفي موسكو بأنها تغض الطرف عن تلك الهجرة، فإن السيد شامل شيخاليف الباحث في التاريخ الإسلامي في الأكاديمية الروسية للعلوم في محج قلعة قال بأنه "لسنوات كان الموقف العام لروسيا يتجلى بأنه، إذا كنت تريد الذهاب إلى سوريا، فاذهب رجاء، الطرق مفتوحة"
إن المقبرة الواقعة على مشارف ماخاتشكالا، تحمل مقابر غير معروفة دفن فيها مسلحون مجهولون يشتبه في مشاركتهم في هجمات إرهابية، ويتم وضع علامة على شواهد القبور مع عبارة "رجل غير معروف" و"امرأة غير معروفة" حيث يظهر فقط تاريخ الدفن.
وقال السيد شيخاليف بأن هجرة المقاتلين تلك كانت بمثابة نعمة على رجال الشرطة الذين تحملوا العبء الأكبر للثورة في داغستان، حيث فقدوا السيطرة تقريباً على ماخاتشكالا في عام 2009، في حين بدأ قناصون باصطياد أفراد الدوريات واحداً تلو الآخر، واضطر الضباط للبقاء في منازلهم لمدة أسبوع أو ارتدوا فيه ملابس مدنية.
وفي عام 2011، كان هنالك 413 شخصا قد لقوا حتفهم في تفجيرات واشتباكات مسلحة، أكثر من نصفهم من الشرطة، بينما شنت السلطات حملات أمنية مكثفة في عام 2014، خوفا من الاضطرابات التي من شأنها أن تخل بدورة الألعاب الاولمبية الشتوية في مدينة سوتشي.
وقد لاحقت القوات الفيدرالية الثوار في تلك المناطق، من خلال تتبع هواتفهم النقالة وحتى أفراد أسرهم والمتعاطفين معهم، بينما قتلت زعمائهم في تتابع سريع، وفي الوقت نفسه جذب تنظيم "داعش" الشبان إلى سوريا، واعداً إياهم بالرواتب والزوجات، وتولى بعض الداغستانيين الساحة كقياديين، كأبو البنات، الشرطي السابق الذي انضم لاحقاً إلى الجهاد، قاطعاً رؤوس ثلاثة أشخاص في فيديو مصور.
إن سوريا الآن قد تكون خطرة كداغستان بالنسبة للجهاديين، فقد تحدث السيد شيخالييف إلى والد أحد العائدين من هناك والذي قال بأن هنالك كان يقع "في كل 40 دقيقة انفجار جديد."، وقال أحد مسؤولي جهاز الأمن الاتحادي، بأن شرطة الحدود الروسية تعتقل العائدين، وتقوم بالقبض على آخرين في بلداتهم، بينما أضاف بأن "الكل يعلمون بأنهم سيواجهون حكماً بالسجن ولكنهم يعودون على أي حال، لأنهم مذعورون حقا"، ووفقاً له فإن نحو 70 داغستانياً اعتقلوا أثناء عودتهم، في حين يقبع 30 منهم الآن تحت الإقامة الجبرية.
وأضاف "قد لا يعود البعض أبداً، فمن الصعب حقاً معرفة ما يحدث هناك في سورية."