The National Interest- ترجمة بلدي نيوز
اثنان من القوات الجوية الأقوى في العالم تعملان لتحقيق أهداف معاكسة في سورية، فما الذي قد يحصل بالخطأ؟ وكم من الوقت تبقى يا ترى قبل أن تشتبك بعنف الطائرات الأمريكية والروسية في السماء السورية؟
قد يبدو هذا الاحتمال أكثر عرضة خصوصاً بعد سلسلة المواجهات التي حصلت مؤخراً ما بين الطائرات الأمريكية والروسية في وقت سابق من هذا الشهر، إذ قامت الطائرات الروسية بقصف وحدة ثوار مدعومة من الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم "داعش"، في حين كان النظام السوري تقريباً في مواجهة مع مقاتلي البحرية الأمريكية، وذلك وفقاً لصحيفة لوس أنجلوس تايمز.
وقد عبر البنتاغون عن سخطه الشديد حول الهجوم الذي وقع على الحدود السورية مع الأردن، المنطقة التي لم تعمل فيها القوات الروسية حتى الآن، في حين قال مسؤول أمريكي لصحيفة لوس أنجلس تايمز "كانت القوات الأمريكية موجودة في المنطقة، وسارعت بإرسال مقاتلات أميركية مستخدمة قناة الاتصالات لحالات الطوارئ والتي أنشئت لتجنب وقوع الحوادث الجوية، لإخبار الضباط الروس بأن عليهم وضع حد لتلك الغارات".
وأضاف بأن المقاتلة القاذفة الروسية سو-34 كانت قد غادرت المنطقة في البداية، ولكنها عادت للقيام بضربة ثانية بعد أن ذهبت المقاتلة الأمريكية F A-18 للتزود بالوقود، وقال مسؤولون بأن الهجوم الثاني قتل عدداً من الثوار السوريين الذين كانوا يحاولون تقديم الدعم الطبي للناجين من الغارة الأولى.
وذكرت شبكة سي إن إن، بأن الطيارين الأمريكيين حاولوا التواصل مع نظرائهم الروس على التردد المتفق عليه سابقاً، ولكنهم لم يتلقوا أي رد، ونفت وزارة الدفاع الروسية لاحقا بأن تلك الضربة قد حدثت في أي وقت مضى.
ولكن هذه ليست أول مواجهة جوية بين البلدين في سوريا، إذ وفقاً لموقع الطيران العسكري "The Aviationist" فإن هنالك عدة حوادث حصلت خلال الأشهر الثمانية الماضية ما بين الطائرات الروسية والأمريكية المأهولة والطائرات بدون طيار، وتشير معظم التقارير بأن الطائرات الروسية قامت بالاقتراب "غير المريح" من طائرات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
كما أن المقاتلة الإسرائيلية F-15 والروسية سو-30 كانتا قد اشتبكتا تقريباً في الأجواء السورية في إبريل نيسان الماضي، مما يؤكد على خطورة هذه اللعبة الجوية، وقامت المقاتلة التركية F-16 بإسقاط الروسية سو 24 والتي قامت في وقت سابق باختراق المجال الجوي التركي.
ومن الناحية النظرية، لا ينبغي أن يكون هنالك أي مشكلة، فقد أنشأت الولايات المتحدة وروسيا خطاً ساخناً حول سوريا، وعلى الرغم أن من اللافت للنظر، بأن قناة الاتصال تلك ليست للشؤون العسكرية، فقد أنشأت إسرائيل أيضا خطاً ساخناً مع موسكو.
وبنفس القدر من الأهمية، لا يبدو بأن هنالك أي سبب معين للقتال، إذ أن الثوار السوريون لا يملكون سلاحاً جويّاً، ولا تنظيم "داعش"، لذلك ليس هنالك من عذر لسلاح الجو الأمريكي ال F-18 لإطلاق صواريخه على عوادم سوخوي الروسية أو بالعكس، لأن الطيار لن يعتقد بأن الطائرة تلك كانت لتنظيم "داعش"، إن روسيا لديها قواعد في سوريا، كذلك لدى الولايات المتحدة أيضا قواعد لقوات عملياتها الخاصة في البلاد، حيث أن كلا الطرفين لديهما العديد من الجنود على الأرض، ومن المرجح أن تقوم الطائرات الأمريكية أو الروسية عن طريق الخطأ بقصف قوات بعضهم البعض، أو أنهم سيحتاجون إلى استدعاء الصواريخ الاعتراضية الصديقة لتوفير الغطاء الجوي لقواتهم.
وهو ما يعني بأن حالة حدوث صراع عنيف بين تلك القوات، قد تحصل بسبب أن البيت الأبيض سيقرر حماية هؤلاء الثوار برعاية أمريكية من القوة الجوية الروسية والذين قد يرى بأنهم يستحقون خوض الحرب لأجلهم، أو لأن روسيا قد تقرر فجأة بأنها ستقوم بحماية القوات الإيرانية وحزب الله من الضربات الإسرائيلية.
وليس من المرجح حصول أي من تلك الاحتمالات، إذ أن تلك الطائرات الروسية التي قامت بضرب قوات الثوار مؤخراً، انتظرت مغادرة المقاتلة الأمريكية لتلك المنطقة، ومن الواضح بأن موسكو لا تفضل الدخول في القتال المباشر، على الرغم من أن حقيقة وقوع تلك الغارة في كافة جوانبها تشير إلى أن روسيا مستعدة لاستخدام القوة ضد حلفاء أمريكا.
إن هذا في مجمله يشير إلى وجود حالة عقلانية، من لعبة يعلم الجميع قواعدها، ولكن وكما نعلم جميعاً فإن القدر متقلب، كل ما يتطلبه الأمر هو استشعار خلل ما، كمبيوتر مختلط أو طيار عصبي يقوم برد فعل ببدء إطلاق النار، إن أحد الحقائق الأكثر أهمية في الحرب الباردة هو كيف "نادراً" ما تصادمت الطائرات العسكرية للولايات المتحدة والسوفيتية في القتال، لاحظوا بأن الكلمة المستخدمة هي "نادراً" بدلا من "لم": فقد هاجمت الطائرات الأمريكية والسوفيتية بعضها البعض باستمرار لثمانية عشر مرة ما بين عامي 1950 و 1970، وفقا لجدولة ويكيبيديا، هذا من دون حساب الحروب بالوكالة كالطيارين السوفييت الذين حلقوا في أجواء كوريا الشمالية بطائراتهم من طراز ميج 15 خلال الحرب الكورية.
والحادث الأخير يثبت الجنون المطلق للحرب الجوية على سوريا، إذ أن الطرفين يقومان بشن حملتين جويتين مختلفتين على نفس البلد، طرفان بأهداف قد تتشابه إلى حد ما، إذ أن كلاً من الغرب وروسيا على حد سواء يريدون تدمير تنظيم "داعش"، ولكن الاختلاف الرئيسي يتجلى حول فصائل الثوار بدعمها أو بتدميرها، وكذلك ما إذا كان ينبغي على الأسد الرحيل أو لا، الطرفان الذين لهما أيضاً تاريخ طويل في المواجهة في الحروب، والشك المتبادل العميق، إضافة إلى وجود خط الاتصال الساخن والذي لم ينشأ لهدف الاتصال العسكري-العسكري، وهنا نحصل بالنتيجة على موقف مهيأ لأي سوء تقدير قاتل.
وفي سوريا، ليس هنالك مساحة كافية لوجود "عمدتين"، فإن كانت الولايات المتحدة وروسيا على حد سواء سيقومان بشن الغارات الجوية في سوريا على المدى الطويل، لا بد من حدوث أحد الأمور الثلاثة التالية، إما أن تقوم الولايات المتحدة أو روسيا بسحب طائراتها المقاتلة متيحةً بذلك المجال للقوة الأخرى بإجراء تلك الغارات، أو بسماح روسيا أو الولايات المتحدة لأحدهما باتخاذ أي أوامر تتعلق بأي عملية جوية (وعلى الأرجح فإن ذلك يشبه تصور أن أوباما وبوتين سينبت لهما أجنحة ليطيروا بها إلى القمر) أو، فإن عاجلا أو آجلا سيكون هنالك دم بينهما.