بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
مقدمة:
يلاحظ المتابع لتفاصيل "مسرحية اﻻنتخابات الرئاسية"، مدى استفادة النظام من رجال الدين على عكس الادعاء السائد الذي روج له النظام بأن الدولة مدنية - علمانية.
ما يعطي مؤشرات واضحة إلى شكل العلاقة المستقبلية بين "النظام" من جهة، والمؤسسة "الدينية" من جهة أخرى، إن جاز المسمى.
توظيف المصطلحات الشرعية
ومن خلال تدوين ملاحظات حول الخطاب اﻷخير، في خطبة العيد، وما سبقه، من تصريحات لمشايخ النظام، حول "شرعية اﻻنتخابات" و"ضرورة المشاركة أو حتميتها كواجب ديني" حسب ادعائهم، يلاحظ توظيف النظام للمصطلحات الشرعية، في خدمة إعادة تدويره، ما يعني أنّ الأسد يراهن على هذه المؤسسة والشريحة الكبيرة التي تقف خلفها، من عوام الشارع، وتجييشهم عاطفيا، وإسباغ شرعية على وجوده مستمدة من أحكام "الدين".
وعلى سبيل المثال، استخدم مشايخ النظام عبارات مثل؛ "البيعة، الشورقراطية، وغيرها"، إﻻ أنّ المصطلحين اﻷخيرين أكثرهما دﻻلة عل مسألة "توظيف الخطاب الديني".
معادلة السلطة والعمامة
تاريخيا، لجأ نظام اﻷسد منذ انقلاب "حافظ اﻷسد" إلى مجموعة من المتناقضات على الصعيد الديني في سوريا، واتكأ في مراحل متقدمة على عمامة المشايخ بعد أن ضرب بيدٍ من حديد مناوئيه جماعة "اﻹخوان المسلمون".
ويعتقد محللون أن أدوات السلطة قائمة على تحقيق معادلة يتحالف فيها، "العسكر، المال، العمائم"، وهو بالضبط ما استطاع اﻷسد تحقيقه، باستخدام سياسة العصا والجزرة، والمناورة حسب الحال التي تضطره إلى استخدامها بمرونة.
اﻹطار السابق استمر على مرحلتين في حكم اﻷسد اﻷب تاريخيا، فقد بدأت سياسته الخشنة بإنهاء ملف "التيار اﻹسلامي"، رافضا أي وساطة لتحالفٍ معه، بالمقابل؛ أُجبر في تسعينات القرن الفائت على اﻻتكاء على المشيخة، إبان قيام شقيقه رفعت اﻷسد بمحاولة انقلابية فاشلة، وتشير الكثير من التحليلات حينها أنّ مسمى اﻻنتخابات الديمقراطية يومها والتي نجح فيها بالتزكية، استمدت اسمها من الشريعة اﻹسلامية ومصطلحاتها.
وانتشرت بعد "البيعة" -وهو المصطلح الذي كان بديلا عن اﻻنتخابات- دور ومعاهد اﻷسد لتحفيظ القرآن، ضمن هامش حافظ فيه اﻷمن على سلطته ووصايته على تلك المدارس.
ومع تمكن القبضة اﻷمنية للنظام، تلاشى تدريجيا دور "المشيخة"، دون المساس بشكل التحالف القديم معها، واعتبارها -وفق محللين- ورقة "كوتشينة رابحة"، تخرج عند الحاجة واﻷزمات، أو الضرورة.
المشيخة زمن الوريث
والمتتبع للمشهد السوري منذ سطوع نجم بشار اﻷسد إبان مقتل شقيقه باسل في حادث سيرٍ غامض، يلحظ سير حالة تناغم بين "النظام والمشيخة"، حسب رأي مراقبين.
إﻻ أنّ ذروة تلك العلاقة نبعت بعد "ظهور التيار الجهادي"، وبالتالي؛ أفرزت حالة رد فعل استند على خطاب إيديولوجي، محارب للتيار ويقوم على حتمية التعاون بين النظام والمشيخة.
وزارة المصالحة والمشيخة
ورغم إنشاء وزارة جديدة في حكومة اﻷسد، على خلفية الحراك الثوري، حملت مسمى "المصالحة الوطنية"، إﻻ أنّ عمليات التسوية والتفاوض ألقيت على عاتق ثلة من مشايخ السلطة، حسب ما يصفهم نشطاء معارضون.
ولمعت أسماء كثيرة في هذا اﻹطار، أبرزها مفتي ريف دمشق، عدنان اﻷفيوني، ومجموعة من تلاميذه.
ويتبين للمتابع غياب دور ما يسمى "وزارة المصالحة" على حساب بروز دور مشبوه للمشيخة حسب توصيف معارضين.
ولقي اﻷفيوني حتفه في ظروف غامضة وأسندت عملية اغتياله التي تزامنت مع إنهاء دور "لجان المصالحة"، قبيل ساعات من مقتله، إلى "اﻹرهابيين"، كالعادة.
الصبغة الشرعية
كما أنّ إضفاء الشرعية على تصرفات وأفعال اﻷجهزة اﻷمنية، باركته المشيخة المرتبطة بنظام اﻷسد، ولمع أسماء كبيرة في مقدمتها، محمد سعيد رمضان البوطي، الذي ظل حتى ذلك الحين أحد أبرز علماء الشام، وانتهت حياته بالقتل في تفجيرٍ غامض، أشارت أصابع اﻻتهام إلى ضلوع اﻻستخبرات، و"مأمون رحمة" الذي وسد إليه خطابة منبر الأموي، وانتهت رحلته بالاعتقال، وبينهم أسماء تبدأ بمفتي الجمهورية، أحمد حسون، لتصل إلى وزير الأوقاف، عبد الستار السيد.
كما لمع نجم المشايخ "أنس الطويل، وصالح الخطيب، ومحمد نور الدين الهندي" إضافة إلى بسام ضفدع في كفربطنا، الذي ينسب إليه لقب "كل مروجي المصالحات والحلول الاستسلامية" أو ما بات يعرف بـ"الضفادع".
ويرى نشطاء ومعارضون سياسيون أنّ معظم فتاوى وتصريحات أولئك المشايخ أكسبت اﻷسد شرعيةً دينية على اﻷقل في قلوب بعض العوام.
وترى وجهة نظرٍ أخرى أنّ فتاوى تلك المشيخة، شرعنت القتل، وأطلقت العنان لمسمى "اﻹرهاب والتطرف".
القانون 31:
وفي خطوة أثارت الجدل داخل أروقة مجلس الشعب التابع للأسد، أصدر بشار اﻷسد القانون 31 في تشرين الأول/أكتوبر 2018 .
ويمنح هذا القانون وزارة الأوقاف صلاحيات واسعة النطاق، كما يشرح في فصل جديد كيفية سيطرة الدولة على الحياة الدينية.
ويحاجج مؤيدو هذا القانون أن هذه التدابير ضرورية لتمكين الوزارة من مكافحة التطرّف الديني، كما يمنح الوزارة إشرافا أكبر على المدارس الدينية، بينما يرأس وزير الأوقاف الآن مجلس الفقه الإسلامي بدلا من مفتي سوريا، وسيضطلع حتى بدور في تسمية خليفة المفتي.
ومن الممكن أن يؤدي القانون إلى وجود مجموعة ضغط دينية قوية في الدولة تسعى إلى إضفاء الطابع المركزي على جميع جوانب الدين في المجتمع تقريبا، حسب تقرير نشره معهد كارنيغي للدراسات.
وبحسب الدراسة التي أعدها معهد كارنيغي تحت عنوان "كيف استخدمت الدولة السورية رجال الدين لإعادة توكيد سلطتها في محافظة ريف دمشق؟" وترجمته، هديل الصيداوي، لموقع كلنا شركاء، فإنّ القانون؛ قد يهدّد موقع رجال الدين في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة سابقا. فهذا التشريع يهدف إلى تمكين الدولة من استئصال التطرّف في المؤسسة الدينية، لكنه في الواقع قد يقوّض أكثر الشرعية المحلية للدولة إذا ما استخدمته لمعاقبة رجال الدين الذين يحظون بشعبية بسبب علاقاتهم السابقة مع المعارضة.
الخلاصة:
يرى مشايخ معارضون -في العاصمة دمشق- فضلوا عدم كشف أسمائهم ﻷسباب أمنية، أنّ العلاقة بين "نظام اﻷسد والمشيخة" أمر معروف في صفحات التاريخ، معتبرين أنها إحدى أدوات السلطة في تطويع الناس، ﻻ يمكن اﻻستغناء عنها".
ويعتقد هؤلاء أنّ؛ المشيخة أقدر على إدراة وتوجيه المجتمعات لحظيرة الدولة من سلطة العسكر، مستشهدين على ذلك بالواقع اليوم، خاصة مع توجيه الخطاب لعوام الناس، في ظل أمية وتغريب متعمد عن العلم والدين، حسب رأيهم.
وبالمجمل؛ استخدم نظام اﻷسد سياسة هجينة للسيطرة على الحقل الديني، وخلق شراكات وتحالفات، أطلق عليها معهد كارينغي مسمى عملية لبرلة (من ليبرالية) السياسة الدينية السورية.
بالتالي؛ مستقبل العلاقة الثنائية باقٍ على ذات الاستراتيجية ما بقي اﻷسد وبقي معه الوﻻء المطلق للحاكم.