بلدي نيوز - (غزل سالم)
يعرف العمل المدني بكل ما يشتمل عليه من منظمات وجمعيات ومؤسسات ونقابات وفرق تطوعية بإنه ذلك المجتمع المعني بالقضايا الإنسانية والمهتم بالتنمية المجتمعية من خلال مشاركة أفراده في الحياة العامة على اختلاف بيئاتهم وخلفياتهم، ومعرفة هؤلاء الأفراد بحقوقهم وإمكانية مساهمتهم في التغيير ضمن القواعد العامة في البلاد، والأعمال المدنية تعرف باستقلالها عن السلطة ومن الضرورة بمكان أنها غير ربحية.
في سوريا لم يكن للعمل المدني قبل عام 2011 ذلك الانتشار أو التنوع، فقد كان يتجسد فقط من خلال بعض الجمعيات الخيرية وبعض الجمعيات التنموية التابعة لأشخاص أساساً لهم خلفيات سياسية، وشهدت تلك الفترة محاولات من الناشطين الحقوقيين والمدنيين لإقامة منظمات وجمعيات مدنية مرخصة ورسمية تعنى بالتنمية وفسح مجالات أوسع للمشاركة بحرية بالشأن العام السوري، لكن بقيت تلك المحاولات ملاحقة إما بفرض توجهات محددة من قبل السلطة أو بحملات اعتقال طالت بعضهم، لذا كانت السرية في العمل المدني إحدى الخيارات التي تم اتباعها.
وبعد انطلاق الثورة في سوريا وتعرض الكثيرين للنزوح والتهجير واللجوء، أصبح وجود المنظمات والجمعيات والفرق التطوعية ضرورة في جميع المناطق الواقعة تحت سلطة النظام السوري ومناطق المعارضة وحتى خارج البلاد.
اليوم لم يعد العمل المدني بعيدا عن حياتنا ومفاهيمنا، فقد بات قريبا جداً من شكل المؤسسات سواء من أجل التمويل المادي أو من أجل الحماية القانونية، أو الحصول على غطاء لعدم المسائلة من الجهات الأمنية.
ورغم ذلك، اليوم لا يحظى العاملون في هذا المجال بحرية مطلقة لممارسة الأنشطة المدنية داخل البلاد.
في الحديث عن الأسباب التي ساهمت في انتشار الأعمال المدنية خلال السنوات الماضية، توضح ملك (اسم مستعار) 29 سنة، ناشطة في العمل المدني والشأن العام في مدينة دمشق، بأن محاولات العمل المدني في سوريا في السابق كانت بداية لإشغال ساحة العمل العام ولكن بقيت تلك المحاولات محتكرة من قبل جهات معينة، وهذا ما تغير بعد عام 2011 حيث أصبح بإمكان جميع الأفراد من مختلف الطبقات والتوجهات المشاركة ليس فقط من النظام وإنما من النخب السياسية، وأصبح التعاطي معها أكثر إمكانية.
وتقول إن ضعف النظام في تلك الفترة وتراجع استبداده وانشغاله بأمور أخرى أفسح المجال للحركة و الانطلاق للعمل.
وأضافت أن قلة الخبرة أيضاً في العمل السياسي دفعت الناس لأن تكون فعالة بطرق مختلفة مما أدى للانخراط في العمل المدني والأهلي.
وما بين المدني والسياسي، تقول ملك أن العمل المدني لم يؤخر العمل السياسي بل يؤسس لأرضية قد ينبت منها العمل السياسي، وهناك من يعمل في المجال المدني بانتظار الفرصة للمشاركة في العمل السياسي، لكن فقدان الديمقراطية في كل البيئات السورية جعل كل من يرغب في العمل والتعبير عن نفسه وعن مجتمعه يتجه للعمل المدني لأنه أكثر سلامة على الأفراد من الناحية الأمنية ولا يضطرهم لتبني مواقف قد يدفعون ثمنها ويحاكمون عليها.
وأردفت أن هذا ما أدى إلى تحول مساحة العمل العام ليبقى فقط في إطاره المدني والأهلي وبعيدا عن السياسة.
وأشارت إلى أنها من موقعها كناشطة مدنية في دمشق، بقيت محافظة على وجودها كشخص مهتم بالشأن العام إلى أن تتوفر بيئة تسمح بطرح آراء سياسية دون أن يحكم الشخص بالإعدام، (مو بس الإعدام بمعنى الموت ممكن يكون الإعدام مجتمعياً أو أخلاقياً).
وعن البيئات والمناطق التي ينتشر فيها العمل المدني داخل سوريا، تقول ملك إن العمل المدني انطلق من وسط سياسة مشوهة وبيئة ضيقة، ويفتقد للديمقراطية التي تعد شرطاً له، وينطبق هذا الوصف على جميع المناطق في الداخل السوري التي تخضع لمختلف أشكال السيطرة، مشيرة إلا أن العمل المدني ما زال حتى اللحظة ليس له هوية.
وختمت حديثها بالقول أن المجتمع السوري له طريقته في التعبير عن نفسه، فالعمل المدني يعرف بعراقته عمل عريق وهو يمارس منذ عشرينيات القرن الماضي علماً أن قانون الجمعيات ظهر عام 1958، لكن تلك النماذج تآكلت مع الوقت، وتؤكد بأن أي حركة تظهر من أجل أن يعبر المجتمع عن ذاته، هي حركة إيجابية وليست سلبية رغم الأجواء المحبطة الآن.