بلدي نيوز- (عبدالعزيز الخليفة، صالح الضحيك)
دأب نظام الأسد منذ انطلاق ثورة السوريين على تدمير البشر والحجر بشكل ممنهج، لم تكن آثار حمص عاصمة الثورة بمنأى عن هذه التدمير والنهب، فكل آثار المحافظة تعرضت إما للقصف المباشر من سلاح قوات النظام وطيرانه أو من الطيران الروسي الذي تدخل إلى جانب النظام فيما بعد، فضلا عن سرقة الآثار التي تمت برعاية مباشرة من النظام لتمويل حروبه على الشعب السوري، وبذلك لم تُستثنَ منطقة محررة أو محتلة من النهب، فكانت خسارة سورية كبيرة على مستوى تراثها الإنساني، وهي الحضارة التي تعود لآلاف السنين.
تراث إنساني لم يشفع له أحد
التراث الإنساني غني جدا، ففي مدينة حمص وفي كافة أرجاء المحافظة تنتشر الكثير من الآثار وعدد من أهم المناطق الأثرية والتاريخية والأديرة والقلاع، مثل قلعة الحصن الأثرية التي تعد من أجمل القلاع الصليبية في العالم، وتتوسط عاصمة المحافظة قلعة أسامة (قلعة حمص) وبها عدد كبير من الأوابد التاريخية والمباني والكنائس والجوامع والمساجد مثل كنيسة "أم الزنار" وجامع خالد بن الوليد ودير مارجرجس البطريركي ومملكة قطنا وقادش وقصر الزهراوي والحمامات المعدنية في منطقة أبو رباح وغيرهم، هذا بالإضافة لمدينة تدمر الأثرية عاصمة مملكة تدمر الشهيرة بأوابدها وآثارها، فضلا عن ذلك يوجد حمامات الماء الساخن في طريق تدمر وتدعى حمامات أبو رباح ونبع عين التنور وعين الفوار وهي مياه صافية من سلسلة جبال لبنان الشرقية الممتدة إلى سوريا.
انضمت مدينة حمص إلى الثورة السورية مبكرا، فتعرضت أحياؤها الثائرة لقصف من قبل قوات النظام، وفي شهر آذار/ مارس 2012 دخل رأس النظام بشار الأسد إلي حي "بابا عمرو" بعد عملية عسكرية واسعة لقواته قصف فيها ليس الحي وحدة بل كل أحياء حمص، لتصوير فيديو يظهر انتصاره على ما سمّاهم إعلامهم "بالإرهابيين"، وترجع تسميه الحي "بابا عمرو" أو "باب عمرو"، وهو الباب الثامن لمدينة حمص، ويتميز عن باقي الأبواب السبعة لحمص بوجود بابين" ولهذا سمي الحي (بابا عمرو) نسبة للصحابي الجليل عمرو بن عبسة.
مسجد خالد بن الوليد
لكن أهم معالم حمص التي تعرضت للقصف هو مسجد الصحابي خالد بن الوليد، في حي الخالدية، دفن بالمسجد الصحابي خالد بن الوليد وسمي باسمه، توفي خالد بن الوليد في حمص عام 641ميلادي، وتم بناء المسجد في القرن السابع الهجري (القرن13 ميلادي)، ويتميز المسجد ببنائه المتصف بالتناوب بين اللونين الأبيض والأسود في حجارته ممزوجًا بطراز سوري عثماني جميل.
للمسجد تسعة قباب بيضاء اللون، يتخلل المسجد من الداخل زخارف ونقوش في غاية الجمال، يقع ضريح خالد بن الوليد في الزاوية الشمالية الغربية من حرم المسجد وهو مبني من الرخام الأبيض وتعلوه قبة مزخرفة، بالقرب منه ضريح آخر صغير هو ضريح عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.
المكانة الرمزية الإسلامية في قلوب سكان المدينة والعالم الإسلامي والقيمة الحضارية للمسجد، لم تشفع له عند النظام الذي عاقب المسجد بسبب خروج المظاهرات منه، فتعرض المسجد للقصف بالمدافع وقذائف الهاون بداية ثم بالطيران الحربي، وتعرض لقصف عنيف منذ تحريره وطرد قوات الأمن منه بعد اندلاع الثورة، حيث شهد الجامع أعنف قصف في 29 حزيران/ يونيو 2013، وسيطر النظام على حي الخالدية بشكل كامل في تموز/ يوليو من نفس العام.
تسبب قصف النظام في دمار كبير بقبب المسجد وباحته الخارجية، وأجزائه الداخلية، وعاودت قوات النظام قصفها للمسجد في7/7/2013 براجمات الصواريخ، وتسبب قصف قوات النظام المتكرر على المسجد بتدمير مرقد خالد بن الوليد في 22/7/2013، بعد حملة عسكرية هدفت للسيطرة على أحياء حمص المحاصرة، واستطاعت قوات النظام فرض سيطرتها على حي الخالدية ومسجد خالد بن الوليد في 29/7/2013 بعد معارك استمرت نحو شهر بين المعارضة وقوات النظام، ليظهر في أوائل العام الحالي فيديو انتشر على شبكة الإنترنيت، لصحفي روسي يقوم بتصوير الدمار في حمص من على أحد مآذن المسجد.
الجدير ذكره، أن أول مظاهرة انطلقت في حمص انطلقت من مسجد خالد بن الوليد في 18 آذار 2011.
كنيسة أم الزنار
كنيسة أم الزنار واسمها الرسمي كاتدرائية السيدة العذراء أم الزنار، وتقع في حي الحميدية بمدينة حمص، سميت بهذا الاسم لوجود زناد ثوب السيدة مريم العذراء فيها، وتعتبر من أقدم الكنائس في العالم، إذ تم بناؤها عام 59 ميلادي، واشتهرت بنمطها المعماري، الذي استخدمت فيه الحجارة السوداء، التي تشتهر بها محافظة حمص، فضلاً عن القناطر الحجرية، التي تقع تحت الكنيسة الحالية، تم ترميم هذه الكنيسة عدة مرات آخرها كان في القرن العشرين عام 1953.
تعرضت الكنيسة للقصف من قبل النظام، ولم تشفع لها العذراء لدى نظام الأسد الذي يتشدق بحماية الأقليات، من قبل قوات النظام ما أدى لدمار أجزاء مختلفة، فطال الدمار واجهتها الداخلية العريقة التي رممت منذ سنوات، وكذلك الكنيسة القديمة والمذبح والدير القديم الذي يقع تحت الكنيسة الحالية، وتضرر سقفها بشكل كامل مع سقوط الجرسية، وتضرر بناء الميتم السرياني ودار المطرانية الملاصقين لبناء الكنيسة، بسبب تعرضها للقصف المدفعي أثناء سيطرة الثوار على الحي، إذ استهدفت قوات النظام الكنيسة بالمدفعية الثقيلة بتاريخ 27/2/2012، ما تسبب بدمار أغلب معالمها، واستمرت العمليات العسكرية والقصف على حي الحميدية دون مراعاة لأي من المعابد الأثرية كالكنيسة إلى عام 2014 حين خرج الثوار من المدينة.
قلعة الحصن
تقع قلعة الحصن غربي محافظة حمص في منطقة تل كلخ، يعتقد أنه تم بناؤها فوق أطلال قلعة سبتون التي أقامها الفراعنة عند غزوهم سوريا بقيادة رمسيس الثاني في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، احتلها الصليبون عام 1110م ووسعوها ودعّموا منشآتها، وأقاموا فيها إلى أن حررها الملك الظاهر بيبرس في العصر المملوكي عام 1271م، تضررت القلعة عدة مرات نتيجة للزلازل، لكنها خضعت للترميم والتوسع أكثر من مرة، وتعتبر قلعة الحصن من أجمل القلاع الأثرية في العالم عموماً.
تعدّ القلعة من أفضل التحصينات، وتتألف من قلعتين متحدتي المركز، الخارجية منهما يحيط بها سور دفاعي مقوى بأبراج نصف دائرية، وتتألف القلعة الداخلية العلوية من أبراج ضخمة تشرف على القلعة الخارجية من فوق المنحدر الذي بُنيت عليه.
تعرضت قرية قلعة الحصن المجاورة للقلعة وقلعة الحصن للقصف الطيران الحربي والقصف المدفعي عدة مرات حيث استهدفت قوات النظام القلعة الأثرية بشكل مباشر بقذائف المدفعية في 23/6/2012، كما تعرضت القرية المجاورة تماماً للقلعة لقصف مماثل في 15/11/ 2012، وقامت قوات النظام أيضاً بتكرار القصف بالطيران الحربي والمدفعي في 4/1/2013 ما تسبب في وقوع بعض الأضرار في القلعة الأثرية، وقد أصابت أحد غارات النظام في 13/7/2013 أحد أبراج القلعة ما أدى إلى تطاير بعض من حجارة القلعة وفتح في سقفها فتحة كبيرة مكان سقوط الصاروخ.
واستطاعت قوات النظام فرض سيطرتها على القلعة الأثرية والقرية المجاورة في 20/3/2014.
الأسد سبى زنوبيا قبل تنظيم "الدولة"
تقع مدينة تدمر إلى الشرق من محافظة حمص بحوالي 160 كم، تشتهر المدينة بآثارها،
ومن أشهر الآثار فيها الشارع المستقيم الذي تحيط به الأعمدة وقوس النصر والمسرح والمدرج والساحة العامة والقصور والمعابد، وأهمها معبد بل (بعل) والمدافن الملكية وقلعة ابن معن وتماثيل وآثار كثيرة.
تعرضت آثار المدينة لعمليات نبش وحفر منظم من قبل عصابات سرقة آثار مرتبطة بالنظام، وفق ما ذكرت مصادر من مدينة تدمر.
وقد سيطر تنظيم "الدولة" على المدينة في 20/5/2015، وانسحبت قوات النظام من المدينة دون معارك تذكر، وكانت قبل أن تنسحب نقلت الآثار من متحف تدمر قبل شهر من سيطرة التنظيم على المدينة إلى مكان مجهول.
فور سيطرة التنظيم على مدينة تدمر بدأ بتدمير آثارها التي اعتبرها مظاهر وثنية، وفجر معبدين من أقدم المعابد في العالم.
فدمر التنظيم معبد "بل" في آب/ أغسطس الماضي، والمعبد بُني في عام 32م على أنقاض آخر مبني بالطين، واكتمل بناؤه في القرن الثاني الميلادي، وكُرّس للإله بعل، وهو أقدم من معبد بعلبك بقرن كامل.
وسبق تفجير التنظيم للمعبد تفجيرهم قبل ذلك بأيام لمعبد بعل شمين، حيث أدى التفجير إلى دمار الجزء المغلق من المعبد وانهيار الأعمدة المحيطة به، ويعد المعبد أحد الكنوز الأثرية العالمية.
لم يكتفِ تنظيم "الدولة" بتفجير المعابد بل تجاوز ذلك إلى تفجير قوس النصر بالمدينة في تشرين الأول/ أكتوبر والذي يعد من أجمل الآثار التدمرية، ويقع قوس النصر، البالغ من العمر 2000 عام، عند مدخل شارع الأعمدة في هذه المدينة التاريخية، ويعود إلى عهد الدولة الرومانية.
أما نظام الأسد ومن ثم حليفته روسيا فقد قصفا المدينة بشتى أنوع الأسلحة من الطيران الحربي والمروحي، ولم تستثنَ المواقع الأثرية في المدينة من القصف، وتعرضت قلعة تدمر الأثرية للقصف من الطيران الحربي عدة مرات بحجة وجود عناصر تابعين لتنظيم الدولة بداخلها.
وقد بدأت قوات النظام حملة عسكرية في آذار من عام 2016 لاستعادة المدينة مع غطاء جوي روسي، وقصفت المدينة بجميع أنواع الأسلحة، وأوضح ناشطون من مدينة تدمر أن الطيران الروسي استهدف قلعة مدينة تدمر الأثرية في 11/3/2016، ما تسبب بانهيار جزء كبير من سورها وتدمير قسم من بنائها، إلى جانب استهداف الطائرات لما تبقى من آثار في المدينة لم تطلها يد تنظيم "الدولة"، واعتمدت قوات النظام سياسة الأرض المحروقة عند بدء العملية العسكرية التي تهدف للسيطرة على مدينة تدمر.
وبعد معارك عنيفة بين قوات النظام وتنظيم "الدولة"، سيطرت قوات النظام على المدينة بشكل كامل.
وكشفت العديد من الصور المسربة قيام شبيحة النظام السوري ومواليه من الميليشيات المحلية والأجنبية بأعمال نهب عشوائي وكبير لآثار مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي، عقب سيطرتهم بدعم جوي روسي على المدينة.
وتحدثت مصادر إعلامية ميدانية عن قيام بعض شبيحة النظام السوري بنقل كميات من تلك الآثار إلى مسقط رأس الأسد في القرداحة، فيما تحدثت مصادر أخرى عن قيام ميليشيات الدفاع الوطني بنقل كميات منها إلى مدينة طرطوس الساحلية.
وكان قد حذر خبير آثار سوري يقيم بفرنسا، من أن مدينة تدمر الأثرية السورية التي طرد منها تنظيم "الدولة" الأسبوع الماضي، لا تزال مهددة لأن قوات بشار الأسد قد تقوم بأعمال نهب فيها.
وقال علي شيخموس، -الدكتور في علم آثار الشرق الأوسط القديم في جامعة ستراسبورغ الذي يدير شبكة مخبرين عن عمليات تدمير التراث السوري- إن "الخطر الفوري يهدد متحف المدينة، وباستثناء بعض التماثيل التي دمر عناصر تنظيم الدولة رؤوسها، بقيت محتويات المتحف بمنأى نسبيا عن أعمال التخريب خلال الأشهر التسعة من سيطرة تنظيم "الدولة" على تدمر".
وكانت المؤرخة وعالمة الآثار الفرنسية آني سارتر فوريا قالت في نيسان/ أبريل الفائت معلقة على ما سماه النظام والروس بتحرير تدمر "إن مدينة تدمر الأثرية رهينة بيد "بشار الأسد" في لعبته مع الغرب"، مضيفة أنه "كلما فتح الأسد فمه بالكلام فإنه يكذب".
وفي حديث لإذاعة صوت ألمانيا، أوضحت الخبيرة بالآثار السورية والمتخصصة بآثار تدمر منذ 40 عاماً، أن "بشار الأسد عندما ترك تدمر لداعش في أيار/مايو 2015، كان ذلك مناورة سياسية مقصودة من أجل أن يقوم الغرب بمساعدته في قتال تنظيم داعش الإرهابي"، مؤكدة أن قوات الاستطلاع الجوية للنظام قد شاهدت تنظيم "الدولة" يتقدم إلى تدمر عبر الصحراء، دون أن تفعل شيئاً.
وأشارت فوريا إلى أن قوات النظام بدلاً من مهاجمة تنظيم "الدولة"؛ قامت بقصف حلب بالقنابل، مضيفة: "الآن هناك وضع مشابه حيث نجح الأسد بجر "حزب الله" وروسيا إلى جانبه لتحرير تدمر والاحتفال بذلك".
ولفتت إلى أن قوات النظام احتلت خلال أعوام الثورة السورية قلعة تدمر وتسببت آنذاك بأضرار كبيرة، وأطلقت الصواريخ وألقت القنابل على المدينة، مما تسبب بتدمير عدد كبير من الأعمدة والجدران، منوّهة إلى أن قوات النظام قامت بنبش المقابر ونهبها وبيعها بطريقة غير شرعية، معبرة عن خشيتها من بقاء النظام في تدمر، من أنه قد يكمل تدمير المدينة ويعود رجاله إلى النهب من جديد".