بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
من هو قاسم سليماني؟
في معترك العدوان الإيراني على المنطقة العربية يبرز اسم الجنرال قاسم سليماني الذي كان يدير فيلق القدس، القوة الضاربة في الحرس الثوري، والأشد فتكا بالسوريين والعراقيين، الذي يشكل ركيزة أساسية، للميليشيات الإيرانية في المنطقة العربية، كالحشد الشعبي في العراق وميليشيا حزب الله في لبنان والميليشيات الإيرانية متعددة الجنسيات في سوريا، وميليشيا الحوثي في اليمن، وكل هذه الحشود أشرف عليها سليماني شخصيا، وأسهم في إطلاق الأسماء عليها، وإن ما يلفت الانتباه الاسم الذي أطلقه سليماني على إحدى ميليشيات الحرس الثوري وهي "سرايا الخراساني"، كانبعاث جديد يحاكي الدور الذي لعبه "أبو مسلم الخراساني" الذي أسقط خلافة الأمويين، وأخذ ثأر الفرس.
لقد أشرف سليماني شخصيا على تلك الميليشيا لتكون الأكثر احترافا للجريمة المنظمة، بدوافعِها وأهدافِها وأدواتها. حتى باتت اليد الباطشة ضمن الميليشيات التي يديرها سليماني.
على ذات المزيج الدرامتيكي، بين التشيع الفارسي وعقلية الثأر الكسروي برز اللواء قاسم سليماني، المولود في مارس/آذار 1957 بقرية "قَنات مَلِك" من توابع مدينة "رابر" بمحافظة "كرمان" في إيران، لم يكمل تعليمه العالي، إذ انضم بعد الثانوية، وهو في الثانية والعشرين من عمره إلى الحرس الثوري الإيراني، تزامنا مع تشوب الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988). وخلال تلك الحرب قاد سليماني فيلق "41 ثار الله"، التابع لمحافظة كرمان، وتدرج في الرتب حتى أصبح من أشهر القادة في الفرق الإيرانية العسكرية المنتشرة على الحدود. وفي العام 1998، تم تعيينه قائدا لفيلق القدس في الحرس الثوري خلفا لأحمد وحيدي، وكان يحمل رتبة عقيد.
مرتكزات سليماني الفارسية لحماية الأسد
ترتكز الأيديولوجية التي اعتمدها سليماني، على عقلية الثأر الفارسية "الجاهلية" المغلفة بموروث عنفي مثخن بالجراح، ولّدته أحداث تاريخية يتداخل فيها الانتقام والشعور بالمظلومية. ويأتي توظيف مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما – في كربلاء في 10 محرم عام 61هـ الموافق 5 أكتوبر/ تشرين أول عام 680م كأبرز تلك الأحداث دمويةً وأكثرِها تأثيرا، في أوساط أبناء لطائفة الشيعية، إذ ما انفك سليماني في استحضار وقائع مقتل "الحسين" في خطابه التعبوي الباعثَ للحقد والانتقام، وما يشكله من تأثير على سلوك الأفراد، حين يمارسون جلد الذات ويبرَّرون ذلك بأنه طقس تعبّدي، أما ممارسة العنف تجاه الأغيار فله ذرائع كثيرة أدناها وصف من يخالفهم بالداعشية والتكفيرية.
بالتوازي مع انفجار ثورات الربيع العربي، تم ترفيعه إلى رتبة لواء، ليكلفه "علي خامنئي" مسؤولية ملفات لبنان وأفغانستان والعراق، بل والإشراف على الدبلوماسية الخارجية لإيران، ليصبح، بشكل أو بآخر، المدير العام للمشروع الفارسي خارج إيران، وما يهمنا في هذا المقال دوره في تثبيت حكم الأسد في السلطة التي تداعت مع انتفاضة السوريين عام 2011م.
تُظهِر جولات سليماني في سوريا والعراق ولبنان وحتى اليمن أدوات مشروعه السياسي، والتزامه بأفكار الخميني، وأهمية نهج حشد الشيعة وتعبئتهم لتحقيق الغايات من تصدير الثورة؛ فقام بتشكيل الميليشيات المسلحة كأذرع عسكرية تحمي المصالح الإيرانية، بالتوازي مع التبشير بالمذهب الشيعي وفق مرجعية الولي الفقيه كأحد دعائم "التشيع السياسي". ويمكن تلخيص أهم المرتكزات الاستراتيجية لسليماني في سوريا بالتالي:
حماية الأسد من السقوط
مع انطلاق الثورة السورية كلفته طهران بإخمادها، فشكل ميليشيات محلية شيعية واستقدم آلاف المقاتلين الشيعة من جنسيات متعددة للدفاع عن نظام الأسد، وراح يعمل على تشديد قبضته على أجهزة الأسد الأمنية والعسكرية، وألقى بكل ثقله ليمارس دوراً توجيهياً في أسلوب مواجهة الثورة السورية، بوصفه صاحب تجربة في المشاركة بالقوة القاهرة في وأد الانتفاضات ضد نظام الملالي، الذي منحه رتبة جنرال في بداية العام 2011م، وأصبح المسؤول عن إدارة معركة بقاء الأسد في السلطة الموروثة، وتجلى دور سليماني في تقريره أمام "مجلس الخبراء" عام 2013 "سوريا هي خط الدفاع الأول للمقاومة"، وكانت تلك الفترة ذروة ضلوعه بالصراع، ويمكن إجمال الممارسات الإرهابية لسليماني في سوريا بما يلي:
جلب الميليشيات لسوريا
استقدم قاسم سليماني إلى سوريا عشرات الميليشيات الطائفية المتعددة الجنسيات كـ" حزب الله اللبناني" ومن ثم الميليشيات الطائفية العراقية، التي باتت تحت أمره وإشرافه، وبرزت التحركات العسكرية الإيرانية على جميع محاور الجبهات المشتعلة في سوريا، التي تمكنت من بسط سيطرتها التدريجية على مساحة واسعة من سوريا، ثم عمل على تكوين ميليشيات محلية سورية من الموالين لإيران، وجرى إعدادها عسكريًّا وفكريًّا، وفقًا لأدبيات الميليشيات الشيعية الإيرانية بعد إخضاعها لتدريبات في المعسكرات الإيرانية. وقد فرضت طبيعة التدخل الإيراني، اللجوء إلى بناء قواعد عسكرية، كاستراتيجية يمكن بواسطتها ترسيخ وجودها المديد، لتكون منطلقا لفرض إرادة إيران كلاعب أساسي في الميدان السوري.
حروب سليماني في سوريا
تعاظم نفوذ سليماني في سوريا؛ بعد أن تمكن من فرض إرادته وسيطرته على المفاصل الرئيسية لنظام الأسد بعد أن أصبحت قوته أكبر من قوة الأسد، وراح يوسع نفوذ إيران من يوم لآخر، وتجسد ذلك في النصف الثاني من عام 2012، حيث كان قاسم سليماني يدير من البيت الزجاجي بالقرب من مطار دمشق عمليات حزب الله اللبناني ومليشيات عراقية في سوريا، تجلى ذلك بمعركة القصير التي كانت إحدى أهم المعارك التي أشرف عليها سليماني، وتمكن من استردادها من المعارضة في مايو/أيار 2013 بعد أن حرق بلدة القصير. لتصبح الميليشيات الإيرانية القوة المهيمنة على مركز القرار في سوريا. وأما وجوده الميداني خلال معارك اللاذقية فقد وثقته تقارير كشفت حجم انتهاكاته الجسيمة التي ارتكبتها ميليشياته صيف العام 2013م أثناء هجومها على المدن والبلدات والقرى. غير أن مشاركته الأبرز كانت في القتال على جبهة ريف حلب الجنوبي، إذ اتخذ من قاعدة جبل عزان جنوب مدينة حلب مركزا لانتشاره في أبريل/نيسان من العام 2015م، واحتل مساحات واسعة من الريف المذكور في المعركة التي أطلق عليها "دبيب النمل"، ولكنه مني بهزيمة كبيرة في بلدة خان طومان وقتل أربعة من قادته على رأسهم الجنرال حسين همداني، وكان للإعلان عن مقتله ومن معه صداه في الداخل الإيراني، وفقد فيلق القدس أبرز قادته في معارك العيس وخلصة ( شفيع شفيعي، ومحمد زلقي وجعفري) وكان جعفري قائد كتيبة العمليات الخاصة 16 التابعة لفيلق القدس. وفي تلك المعارك، ظهر سليماني وسط حركة النجباء الشيعية "حزب الله العراقي" المقرب من سليماني؛ وحمله عناصر الحركة على أكتافهم احتفالا بسيطرتهم على بلدة الحاضر الاستراتيجية جنوب حلب نهاية عام ٢٠١٥، ضمن سلسلة المعارك المحتدمة هناك على مدى ثلاثة أعوام، وانتهت بعد ذلك بالسيطرة على مدينة حلب وخروج الثوار منها. ولكن معركة حلب لم تكن سهلة على طهران، فقد كبدتها 500 مقاتلاً وضابطاً تقريبا من كل القطاعات العسكرية المختلفة، ما بين (أكتوبر/تشرين الأول) عام ٢٠١٥ وحتى (يناير/كانون الأول) لعام ٢٠١٧، وبعد احتلاله حلب التقط سليماني صوراً له بزيه العسكري الأسود أمام القلعة، وفي شوارع المدينة التي دمرتها ميليشياته الطائفية. وبالانتقال إلى العاصمة دمشق وريفها، فقد حاصرت ميليشيات سليماني الأحياء الدمشقية والغوطة، وتجلى انتقام سليماني من السوريين بحصار بلدات القلمون وبالأخص الزبداني ومضايا وتمويت أهلها جوعاً عامي 2015 و2016، وما شهدته تلك الحقبة، من تهجير وتغيير ديموغرافي، جنوباً؛ أشرف سليماني مباشرة على العمليات العسكرية ضد فصائل المعارضة، عبر توسيع العمليات في المدن والبلدات الجنوبية وما نتج عن ذلك من مجازر كتدمير مدينة "الشيخ مسكين"، كما بسط سيطرته على معظم مناطق الجنوب السوري بعد اتفاقات المصالحة التي أشرفت عليها روسيا والولايات المتحدة بالتوافق مع "إسرائيل" وشاركت ميليشياته بشكل أساسي في معارك الإبادة في ريفي إدلب وحماة والتي لا تزال جارية حتى الآن حيث ارتكب عشرات المجازر، أكثرها إيلاما استهدافه بالصواريخ مخيمات النازحين بريف إدلب الشمالي المحاذية لتركيا. ونهاية العام الماضي (٢٠١٧)، ظهر سليماني في بلدة البوكمال السورية الحدودية مع العراق؛ متحدثا عن "النصر الإلهي"، في الضفة اليمنى لنهر الفرات، واكتمال سيطرته على معظم البادية السورية، وراح يستثمر ذلك بتدشين خط التوسع الإيراني عبر سوريا والعراق ولبنان، بعد أن وضع كل ثقله العسكري والاستخباراتي ، في مشهد جسد العقيدة العسكرية الإيرانية التي تجلت بحماية الأسد من السقوط.
التوسع في الانفاق لبقاء الأسد
إضافة لزجه بكل القطاعات العسكرية الإيرانية للمرة الأولى؛ من الحرس الثوري الإيراني والباسيج والميليشيات الطائفية المتعددة الجنسيات، وما تكبدته إيران من خسائر بشرية بينهم عشرات الضباط متوسطي وعاليي الرتب، توسع سليماني في الإنفاق العسكري الذي ازداد من ١٠ مليار دولار عام ٢٠١١ إلى ١٦ مليار دولار نهاية عام ٢٠١٦ بحسب تقرير "المراقبة العسكرية" السنوي الصادر عن المعهد الدولي للدراسات، مع إقرار لزيادة قادمة بالإنفاق العسكري بنسبة ٥%، وتطوير موسع لقدرات الصواريخ البالستية والبنية التحتية الإلكترونية في سوريا، وذلك للعمل على حيازة الميليشيات لعتاد عسكري متطور.
هدف سليماني الأكبر في سوريا
أشارت تحركات وتصريحات الجنرال المقتول، إلى سعيه للانفراد بمصير سوريا من خلال إبقاء الأسد على كرسي أبيه، من خلال جلب ميزة أخرى تضاف إلى الميزات الجيوسياسية والجيوستراتيجية لموقع إيران البري، الممتد إلى البحر المتوسط ، وتوظيف الهلال الشيعي توظيفًا عسكريًّا واقتصاديًّا يغنيها، ولو مؤقتًا عن أي أجزاء ساحلية داخل الخليج العربي فيما لو نشبت حرب بينها وبين جيرانها الخليجيين وحلفائهم، بحيث تستعيض عن تلك المناطق بسواحل الشام. والحقيقة أن ذلك لم يعد خافيًا على أصحاب القرار في الولايات المتحدة وحلفائها، ولا أدل على ذلك من احتلال إيران لكل المناطق الواقعة على طرفي الممر البري العابر لسوريا والعراق، كما أن ما يعزز من الوعي بهذه الأطماع رسالة التهنئة التي وجهها سليماني لمرشده الأعلى بعد احتلاله البوكمال السورية، والتي تعني فتح جميع البوابات الموصدة أمام طهران وبالأخص البوابة الشرقية التي كان يمثلها العراق قد انهارت تمامًا، وها هي البوابة السورية المواربة بالأصل والتي يمثلها "الأسد" لحقت بأختها. ولكن سليماني قد تجاوز الخطوط الحمراء، فكان لا بد من تقليم أظافر إيران التوسعية.
مقتل سليماني وارتداداته على الأسد
لا شك أن الضربة التي تلقاها نظام الأسد باستهداف سليماني وقتله على يد القوات الأميركيَّة في العراق، أصابت الأسد في الصميم، غير أن سليماني لم يكن الوحيد الذى حمى كرسي الأسد، وإن كان الأكثر فعالية ونشاطا عسكريا، مما فرض نفوذه على الأسد ونظامه، ومع كل مرحلة كان سليماني يبتكر أداة لترويع وقمع الأسد، لربطه بالمشروع الإيراني التوسعي، وكان الأسد لا يملك إلا الموافقة على كل أوامر سليماني، تفادياً لتعريض نفسه لخطر رفع الوصاية الإيرانية عنه؛ الآن وبعد التخلص من حاكم سوريا الفعلي اهتزت بشدة القوة الإيرانيَّة وما تملكها من قدرة على التلاعب في الملف السوري، ولم يبق من خيار أمام الأسد إلا وضع كل بيضه في السلة الروسية التي لا تتمسك بشخصه كما إيران سليماني.