بلدي نيوز
يسود رأي شائع مفاده أن إيران برزت في صورة الفائز من الحرب المستعرة بسوريا منذ عام 2011. ومع أنَّ بقاء نظام بشار الأسد، صار مضموناً عملياً، فهذا نصرٌ باهظ الثمن؛ إذ إن إيران أُقحمت في ورطة مكلفة ولا يبدو بالأفق نهاية لها.
وبحسب صحيفة الأميركية(The Washington Post)، فإيران مجبَرةٌ على البقاء في سوريا -ربما عقوداً- مع روسيا، من أجل دعم نظام مُجوَّف فاسد إلى درجةٍ وحشية. تبدو هذه حالة كلاسيكية من توسُّع نطاق المهام وزمنها؛ إذ تدخلت إيران في البداية تدخلاً طفيفاً لدعم حليفها، لكنَّ أقدامها جُرَّت إلى دوامةٍ أكثر تكلفة، حيث لا يمكنها تخليص نفسها منها.
وتضيف الصحيفة، في مقال نشرته الثلاثاء 12 حزيران2018، أن إيران حققت مكاسب لا يمكن إنكارها؛ فهي منخرطة انخراطا عميقا في سوريا، وضباطها رسَّخوا أنفسهم بجميع قوات النظام واكتسبوا نفوذاً مهماً على القوات الموالية للأسد.
وتلعب الميليشيات المدعومة إيرانياً كذلك دوراً حاسماً في جهود النظام الرامية إلى دحر قوى المعارضة. وتخترق إيران، على نحو متزايد، اقتصاديات الحرب السورية، مُشيِّدةً لنفسها أصولاً سوف تؤدي إلى تعاظم نفوذها بعد الحرب.
ومن المرجح أن تبقى ميليشيا قوات الدفاع الوطني -التي تُمثِّل ائتلافاً مُشكَّلاً من ميليشيات محلية مدعومة إيرانياً- في سوريا بعد انتهاء الحرب. وعلى الأرجح، ستشجع إيران -بإلهامٍ من نموذج حزب الله- "قوات الدفاع الوطني" على تشكيل حزب سياسي. وقد بدأ هذا بالفعل؛ إذ إن "قوات الدفاع المحلي" وهي مظلة أخرى لمجموعات مُسلَّحة مدعومة إيرانياً، تقدِّم خدمات اجتماعية في مدينة حلب منذ استعاد النظام السيطرة عليها.
فضلاً عن أن آلاف مقاتلي الميليشيات الشيعية الأجنبية المدعومة إيرانياً سيَبقون أدواتٍ مفيدة في يد طهران؛ كي تُبرز نفوذها في سوريا ما بعد الحرب (لهؤلاء المتبقين هناك)؛ بل وأيضاً بالعراق وأفغانستان وباكستان، حيث يمكن إعادة حشد العائدين إلى بلادهم للارتقاء بالمصالح الإيرانية.
وتحقق إيران أيضاً مكاسب من تجربة القتال الهائلة؛ إذ أظهرت إيران على وجه الخصوص، قدرتها على تحمُّل نشر آلاف القوات في أي منطقة حرب على المدى الطويل. وتعلَّم النظام الإيراني دروساً مهمة حول سياسات إرسال القوات إلى الخارج واقتصاديات هذه الخطوة ولوجيستياتها، ما سيعزز قدرته على توجيه قوة استطلاعية في المستقبل.
تدخل مكلف
لكنَّ هذا التدخُّل مكلفٌ، يقول كاتب المقال، ويوضح أن سوريا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 2011، صحيحٌ أنَّ الأسد نجا، لكنَّه يواجه حالات متواصلة من التمرد، والبلاد ستُبقي تركيزها على العمليات بالغة الصعوبة الرامية إلى الاستقرار وإعادة الإعمار.
إذ تُعد سوريا تحت حُكم الأسد هي الحليف الوحيد لإيران والشريك الأساسي في الضغط على "إسرائيل" والولايات المتحدة. لذا فإنَّ ظهور الأسد ضعيفاً سوف يقوِّض من قدرة إيران على ممارسة نفوذها في المنطقة.
وعندما تصعَّد الموقف في سوريا، قررت "حماس" الوقوف بجانب المعارضة ضد رعاتها الإيرانيين. فأوقفت إيران دعمها رداً على ذلك. وعلى الرغم من محاولات التقارب، لا يحتمل أن تعود العلاقة بين إلطرفين إلى سابق عهدها قبل 2011.
والشريك الفلسطيني المتبقي لإيران، المتمثل في حركة الجهاد الإسلامي، ليس سوى مجموعة صغيرة تصب تركيزها على القتال العنيف ولديها قاعدة دعم أصغر، ما يُضعِف من قدرة إيران على الضغط على إسرائيل.
وتضيف الصحيفة الأميركية أن ميليشيا حزب الله أحرزت خبرة قتالية واقتنت أسلحة متطورة جديدة، والفضل في هذا يعود إلى الحرب، بيد أنَّها عانت بسبب مقتل 2000 من قواتها، من بينهم قادة بارزون، وإصابة نحو 5 الاف آخرين.
وكانت هذه الحرب مكلفة على الصعيد السياسي كذلك؛ فقد تضررت القوة الناعمة لحزب الله؛ نظراً إلى أن صورتها المقاوِمة لإسرائيل أصبحت باهتة، في حين برزت صورتها باعتبارها حبل نجاة لنظام يحارب السُنَّة؛ فالتورط في سوريا يعيق من قدرتها على مواجهة إسرائيل.
وتسبَّب التدخل الروسي في تبديل آفاق بقاء الأسد على رأس السلطة بترجيح كفة ميزان القوى لمصلحة محور دمشق-طهران-موسكو. بيد أنَّ المكاسب الروسية لا تنقسم بالتساوي مع المكاسب الإيرانية؛ بل يأتي جزء منها على حساب إيران.
ونحَّى الجانبان خلافاتهما جانباً وعمَّقا العلاقات إلى حدٍ غير مسبوق؛ إدراكاً منهما بالحاجة إلى العمل معاً. بيد أنَّ هناك آفاقاً على الطريق لتنامي التوترات؛ لأن كليهما يسعى للظهور في صورة الطرف الرئيسي الخارجي المهيمن في سوريا.
ويُرجَّح أن تتعارض رؤى إيران، الراغبة في وجود نظامٍ لا مركزي بسوريا، تعارُضاً خاصاً مع تفضيل روسيا حكومة مركزية أقوى. وتُبدي روسيا أيضاً حساسيةً أكبر تجاه مصالح السعودية و"إسرائيل" ولديها كذلك رغبةٌ أكبر في التفاوض مع الولايات المتحدة.
حققت إيران مكاسب بسوريا لا يمكن إنكارها، ولا سيما الآن في ظل ضمان بقاء نظام الأسد خلال المستقبل المنظور.
لكنَّ التزامها الدائم -على ما يبدو- تجاه سوريا مُكلِّف؛ إذ تُحقق إيران وحلفاؤها انتصاراتٍ عسكرية تكتيكية في أرض المعركة منذ عام 2015. لكنَّ هذه الانتصارات لا ترقى إلى أن يقال عنها ظفرٌ بالحرب؛ فالأسد ليس قوياً بما يكفي للتخلص من المعارضة، ولا يوجد كثير من البوادر التي تشير إلى أنه يستطيع متابعة عملية إعادة إعمار البلاد أو يرغب في ذلك.
تعتبر إيران -وروسيا- في هذا الصدد مسؤولتين عن بلد مُدمَّر ومنقسم بخطوط صدع طائفية، وإقليمية، وسياسية، ويعاني أزمة إنسانية ذات أبعاد هائلة ؛ إذ انخفض الناتج الإجمالي المحلي في سوريا بنسبة 75%، ويعيش نحو 70% من السوريين في فقرٍ مدقع، وتقترب نسب البطالة من 60%، ومات أكثر من 400 ألف مواطن بسبب الأزمة، إضافةً إلى أن نصف سكان البلاد تعرضوا للتشريد القسري. وسوف تتكلف عملية إعادة الإعمار مئات المليارات، وهو مبلغٌ لا تملكه سوريا ولا إيران ولا روسيا، وسيرفض المجتمع الدولي توفيره.
ولا يبقى من نظام الأسد سوى إرثٍ مستنزف ومنقسم انقساماً عميقاً؛ إذ إن قادة الجيش وقادة الميليشيات المؤيدة للأسد أصبحوا في الغالب قاد عسكريين محليين مستقلين ماليا يعيشون على الفساد والعنف وابتزاز الأموال، ولا يتلقون الأوامر في أغلب الأحوال من دمشق. سوف تكون إعادة إعمار البلاد صعبة للغاية. ويجدر التأكيد، في هذا المقام، أن سوريا هي الدولة الوحيدة الحليفة لإيران في الشرق الأوسط.
المصدر: عربي بوست